رغم دورها في مكافحة تغير المناخ.. 9% زيادة في انبعاثات الميثان بـ"الأراضي الرطبة"

أزهار البرقوق المتفتحة في منطقة شيشي الرطبة في مدينة هانجتشو بمقاطعة تشجيانج شرقي الصين. 19 فبراير 2024 - AFP
أزهار البرقوق المتفتحة في منطقة شيشي الرطبة في مدينة هانجتشو بمقاطعة تشجيانج شرقي الصين. 19 فبراير 2024 - AFP
القاهرة-محمد منصور

حلّل فريق بحثي من مختبر "لورانس بيركلي" التابع لوزارة الطاقة الأميركية، بيانات انبعاثات غاز الميثان في الأراضي الرطبة عبر منطقة القطب الشمالي بأكملها، حيث وجد أن هذه الانبعاثات زادت بنسبة 9% تقريباً منذ عام 2002.

وتُعتبر الأراضي الرطبة أكبر مصدر طبيعي لغاز الميثان على وجه الأرض، وهو أحد أنواع الغازات الدفيئة أقوى بنحو 30 مرة من ثاني أكسيد الكربون في التأثير على ارتفاع درجة حرارة الغلاف الجوي.

وتتوفر العديد من البيانات عن دور الثروة الحيوانية والوقود الأحفوري في انبعاثات غاز الميثان في الغلاف الجوي، لكن البيانات الخاصة بالانبعاثات الناجمة عن الأراضي الرطبة تظل محدودة.

والأراضي الرطبة هي أنظمة بيئية تتميز بأرض مشبعة بالمياه، إما بشكل دائم أو موسمي وهي بيئات متنوعة وديناميكية تدعم مجموعة واسعة من الأنواع النباتية والحيوانية. وتشمل المستنقعات، وأشجار المانجروف، وغيرها، وتتواجد في بيئات جغرافية مختلفة، بما في ذلك المناطق الساحلية، والسهول الفيضية النهرية، والمنخفضات المرتفعة.

بحسب تعريف الأمم المتحدة، تُعد الأراضي الرطبة أنظمة بيئية يكون فيها الماء هو العامل الأساسي الذي يتحكم في البيئة، والحياة النباتية، والحيوانية المرتبطة بها.

كما يشمل تعريفها الواسع كلاً من المياه العذبة والنظم الإيكولوجية البحرية والساحلية، مثل البحيرات، والأنهار، ومستودعات المياه الجوفية، والمستنقعات، والأراضي العشبية الرطبة، والأراضي الخثية، والواحات، ومصاب الأنهار، ودلتا، ومسطحات المد والجزر، وأشجار المانجروف، والمناطق الساحلية الأخرى، والشعاب المرجانية، ومواقع الأنشطة البشرية، مثل أحواض السمك، وحقول الأرز، والخزانات، وأحواض الملح.

وتعتبر الأراضي الرطبة، حلاً طبيعياً للتهديد العالمي لتغير المناخ. فهي تمتص ثاني أكسيد الكربون، وبالتالي تساعد على إبطاء الاحتباس الحراري، وتقليل التلوث.

وتُخزن أراضي الخث وحدها ضعف كمية الكربون التي تخزنها جميع غابات العالم مجتمعة، لكن عند تجفيف الأراضي الرطبة وتدميرها، تنبعث منها كميات هائلة من الكربون. والخث هي تربة غير متماسكة تتكون إلى حد كبير من مواد عضوية غير كاملة التركيب أو متحللة قليلاً، تراكمت في ظروف الرطوية الشديدة.

وتتيح الأراضي الرطبة كذلك، حاجزاً ضد تأثيرات الفيضانات والجفاف والأعاصير وأمواج تسونامي، فضلاً عن أنها تعزز المرونة في مواجهة تغير المناخ.

وتلعب هذه النظم البيئية، أدواراً حيوية متنوعة، على غرار تصفية المياه، وتخفيف الفيضانات، وتوفير الموائل للحياة البرية، وتخزين الكربون.

تقلّبات في "الهيدرولوجيا"

وينبعث الميثان من الأراضي الرطبة في المقام الأول بسبب العمليات الميكروبية اللاهوائية التي تحدث في التربة المشبعة بالمياه. وفي هذه البيئات، تزدهر الكائنات الحية الدقيقة الميثانوية في غياب الأكسجين، مما يؤدي إلى تحلل المواد العضوية وإطلاق غاز الميثان كمنتج ثانوي أيضي.

ويتم تسهيل عملية التحلل هذه من خلال عوامل عديدة، مثل درجات الحرارة الأكثر دفئاً، ومستويات الرطوبة العالية، ووجود المدخلات العضوية مثل المواد النباتية الميتة. وتساهم نباتات الأراضي الرطبة في انبعاثات غاز الميثان من خلال النقل الهوائي، مما يسهل الظروف اللاهوائية في التربة.

وأشارت الدراسة إلى أن التقلبات في "الهيدرولوجيا"، وهي علم المياه، في إشارة إلى دراسة المياة وتوزيعها فوق الأرض وصفاتها وخصائصها الطبيعية والكيميائية وتفاعلها مع البيئة والكائنات الحية، بما في ذلك التغيرات في مستوى المياه والفيضانات الموسمية، بشكل أكبر على إنتاج الميثان، من خلال التأثير على محتوى رطوبة التربة، والنشاط الميكروبي.

وقبل البدء بالأبحاث التي قادت إلى هذه النتائج، توقع العلماء أن انبعاثات غاز الميثان من الأراضي الرطبة آخذة في الارتفاع بسبب ارتفاع درجات الحرارة في النظم البيئية الشمالية والقطبية الشمالية بحوالي 4 أضعاف المعدل العالمي، لكن من الصعب تحديد مقدار ذلك لأن مراقبة الانبعاثات في هذه البيئات الشاسعة والمشبعة بالمياه كانت صعبة للغاية.

"قياس دقيق للميثان"

وأوضح المؤلف الرئيسي للدراسة تشينج تشو، وهو عالم أبحاث في مختبر بيركلي، أن البيئات الشمالية والقطبية الشمالية غنية بالكربون وعرضة للاحتباس الحراري، وقال "في الدراسة الجديدة قمنا بتحليل البيانات التي تم جمعها من عدة طرق مراقبة متقدمة، وحيث وجدنا زيادة في الانبعاثات بنسبة 9% خلال العقدين الماضيين".

وأضاف تشو: "يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة النشاط الميكروبي ونمو النباتات، وهو ما يرتبط بانبعاثات الغازات مثل غاز الميثان. ومن خلال فهم كيفية تغير المصادر الطبيعية للميثان، يمكننا مراقبة الغازات الدفيئة بشكل أكثر دقة لإبلاغ العلماء عن الحالة الحالية والمستقبلية لتغير المناخ".

ورغم حقيقة أن الميثان يبقى في الغلاف الجوي لفترة أقل بكثير من ثاني أكسيد الكربون (10 مقابل 300 عام)، فإن البنية الجزيئية للميثان تجعله أكثر قدرة على رفع درجة حرارة الغلاف الجوي بمقدار 30 مرة، مقارنة بثاني أكسيد الكربون.

ولا تؤدي درجات الحرارة المرتفعة إلى تعزيز النشاط الميكروبي للميكروبات التي تُطلق الميثان الموجودة في التربة المشبعة فحسب، بل إنها تزيد أيضاً من المساحة التي تحتوي على تربة مشبعة بالمياه، إذ تزدهر هذه الكائنات الحية الدقيقة مع ذوبان التربة المتجمدة، وتساقط المزيد من الأمطار بدلاً من هطول الثلج.

ولهذا السبب توقع العلماء أن تتزايد انبعاثات غاز الميثان في مناطق خطوط العرض العليا هذه، ما جعل قياس كمية غاز الميثان بشكل أكثر دقة أمراً ملحاً.

والطريقة الأكثر شيوعاً لقياس إطلاق الغازات الدفيئة هي احتجاز الغازات المنبعثة من التربة في مكان ثابت داخل الغرفة، مما يسمح لها بالتراكم خلال فترة زمنية محددة.

وهناك طريقة أخرى أيضاً، وهي "أبراج التغاير الدوامي" الأكثر استقلالية، والتي يبلغ طولها عدة أمتار، وتقيس بشكل مستمر تبادل الغازات الدفيئة بين التربة والنباتات والغلاف الجوي عبر مساحات كبيرة من النظام البيئي.

وغالباً ما تُستخدم تلك الأبراج في أماكن يصعب الوصول إليها مثل الأراضي الرطبة.

وقام فريق أبحاث مختبر بيركلي الأميركي، بدمج البيانات التي تم الحصول عليها باستخدام كلا الطريقتين لتحليل أكثر من 307 سنوات إجمالية من بيانات انبعاثات غاز الميثان عبر مواقع الأراضي الرطبة في منطقة القطب الشمالي، مما أدى إلى إنشاء صورة أفضل للعوامل التي تؤثر على الانبعاثات عبر مئات الأفدنة من الأراضي وعبر دقائق إلى عقود.

ووجد فريق البحث، أنه في الفترة من عام 2002 إلى عام 2021، أطلقت الأراضي الرطبة في هذه المناطق ما معدله 20 تيراجراماً من غاز الميثان سنوياً، أو ما يعادل وزن حوالي 55 مثيلاً لناطحة السحاب العملاقة "إمباير ستيت" في مدينة نيويورك، والمكونة من 102 طابق،  وقد وجدوا أيضاً أن الانبعاثات زادت بنسبة 9% منذ عام 2002.

زيادة حرارة الغلاف الجوي

إضافة إلى ذلك، نظر الباحثون في منطقتين بالقطب الشمالي، اللتين لديهما انبعاثات غاز الميثان بدرجة أعلى بكثير لكل منطقة مقارنة بالبيئات المحيطة، وتبيّن لهم أن حوالي نصف متوسط الانبعاثات السنوية، يأتي من هذه النقاط الساخنة، مما يساعد على توجيه واستهداف جهود التخفيف والقياسات المستقبلية.

وتحقق الباحثون أيضاً من العوامل البيئية، التي تُفسر ارتفاع انبعاثات غاز الميثان، ووجدوا محركين رئيسيين هما درجة الحرارة وإنتاجية النبات، فارتفاع درجات الحرارة يُزيد من النشاط الميكروبي، وعندما ترتفع درجات الحرارة، سواء كان ذلك في المتوسط بسبب تغير المناخ أو في بعض السنوات المحددة بسبب تقلب المناخ، يتم إطلاق المزيد من غاز الميثان في هذه العملية.

ووجد الفريق أن درجة الحرارة كانت هي المسيطر السائد على انبعاثات الأراضي الرطبة وتقلبها في النظم البيئية الشمالية والقطبية الشمالية.

ويمكن أن يقود هذا إلى ردود فعل مناخية، إذ تؤدي انبعاثات الميثان الناتجة عن النشاط الميكروبي المتزايد إلى زيادة درجات حرارة الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى المزيد من انبعاثات الميثان.

وتؤدي زيادة إنتاجية النبات، إلى زيادة كمية الكربون في التربة، التي تُغذي الميكروبات المنتجة للميثان. ووجد الباحثون أنه عندما كانت النباتات أكثر إنتاجية ونشاطاً، وتُطلق ركائز تساعد الميكروبات على النمو، زادت انبعاثات غاز الميثان في الأراضي الرطبة.

وحدّد الفريق أيضاً أن العام الذي شهد أعلى انبعاثات غاز الميثان في الأراضي الرطبة عام 2016، وهو العام الأكثر دفئاً في مناطق خطوط العرض العليا منذ عام 1950.

ومن خلال توفير فهم أكثر دقة للدور الذي تلعبه الأراضي الرطبة في نظام المناخ العالمي وكيف وبأي سرعة زادت انبعاثات غاز الميثان، يمكن لهذا البحث أن يقدم خط أساس علمي للمساعدة في فهم تغير المناخ ومعالجته.

تصنيفات

قصص قد تهمك