بعد نجاح متطوع في لعب الشطرنج.. كيف تعمل شريحة "نيورالينك" الدماغية؟

صورة توضيحية لشعار شركة Neuralink على دماغ إنسان. - AFP
صورة توضيحية لشعار شركة Neuralink على دماغ إنسان. - AFP
القاهرة-محمد منصورمحمد عادل

نجح أول متطوع للحصول على زراعة شريحة شركة "نيورالينك" (Neuralink) للتكنولوجيا العصبية الدماغية، في لعب الشطرنج والتحكم في مختلف التطبيقات على شاشة حاسوبه الشخصي بمجرد التفكير، علماً أنه مصاب بشلل رباعي.

وفي مقطع فيديو تم تصويره عبر بث مباشر، أوضح نولاند أرباج، البالغ من العمر 29 عاماً، أنه أصيب بالشلل الرباعي خلال حادث تعرض له خلال الغطس منذ 8 سنوات، ما حرمه من حرية الحركة.

وقال أرباج: "في نفس يوم زراعة الشريحة في دماغي، لم أتمكن من النوم حتى السادسة صباحاً، لأني كنت متحمس للعب لعبة Civilization 6 بمجرد التفكير والنظر إلى الشاشة".

من جهته، قال بليس تشابمان، مهندس "نيورالينك" المشرف على هذه التجربة، إن أرباج يعتبر صديقه الوحيد الذي "يحمل قدرات التحكم الذهني في الأشياء"، في إشارة إلى فكرة التحكم وتحريك الأشياء بمجرد التفكير.

وظهر متطوع "نيورالينك" متحمساً ومنبهراً من تجربته مع شريحة الشركة، وقال: "يمكنني أن أجعل فأرة الكمبيوتر تتحرك أينما أريد، فقط عليّ تركيز نظري في مكان ما على الشاشة وسوف تتحرك حيثما أردت، أنا محظوظ جداً لكوني جزءاً من هذا، كل يوم يبدو أننا نتعلم أشياء جديدة، ولا أستطيع أن أصف كم هو رائع ذلك".

ويأتي هذا الحدث، بعد شهر تقريباً من مشاركة إيلون ماسك، مؤسس "نيورالينك"، خبر حصول أول متطوع على زراعة شريحة بدماغه، ليصبح بذلك قادراً على التحكم بفأرة كمبيوتر.

وقال ماسك خلال مناقشة صوتية عبر منصة "إكس"، إن "التقدم الذي تم تحقيقه جيد، ويبدو أن المريض قد تعافى بشكل تام من دون مواجهته أي آثار جانبية، واستطاع التحكم في فأرة كمبيوتر، وتحريكها على الشاشة من خلال تفكيره".

كيف تعمل شريحة "نيورالينك"؟

بدأت "نيورالينك" تجاربها السريرية لشريحتها الدماغية مطلع العام الجاري، إذ تستهدف بها المصابين بأمراض الحبل الشوكي أو العنقي أو الشلل الرباعي، وذلك بعد حصولها على موافقة من إدارة الأغذية والعقاقير الأميركية FDA في مايو من العام الماضي.

ومنذ تأسيسها، جذبت الشركة أفضل المواهب، بما في ذلك علماء الأعصاب المشهورين من الجامعات الرائدة، مما عزز مكانتها كشركة رائدة في هذا المجال. 

وبفضل الدعم المالي الضخم، بما في ذلك مساهمة بقيمة 100 مليون دولار من ماسك نفسه، نجحت الشركة في توسيع قوتها العاملة إلى 90 موظفاً بحلول يوليو 2019.

ووسط تنوع الابتكارات التي تسعى الشركة لتطويرها لصياغة مستقبل البشرية، يبرز جهاز ثوري يشبه شريحة الكمبيوتر مصمم لزرع خيوط رفيعة بشكل لا يصدق مباشرة في الدماغ.

وتتألف تلك الشريحة من خيوط ذات عرض يتراوح بين 4 إلى 6 ميكرومتر فقط، قادرة على التواصل مع الخلايا العصبية الحية بدقة وقدرة غير مسبوقة، كما أن لديها نظام قراءة المعلومات من فأر المختبر عبر 1500 قطب كهربائي، وهو ما فتح الباب أمام التطبيقات التحويلية في التجارب البشرية.

وتعتمد هذه الشريحة على مفهوم واجهات الدماغ والآلة، وهو مفهوم معروف منذ فترة طويلة يسمح بالاتصال المباشر بين الدماغ وجهاز خارجي، مثل الكمبيوتر أو الطرف الاصطناعي، دون الحاجة إلى وسائل الإدخال التقليدية، مثل لوحات المفاتيح.

تعمل واجهات التواصل بين الدماغ عادة من خلال اكتشاف وتفسير إشارات الدماغ، مثل النشاط العصبي أو النبضات الكهربائية، وترجمتها إلى أوامر يمكنها التحكم بالأجهزة أو تقديم ردود فعل.

وهناك أنواع مختلفة من واجهات الدماغ والآلة، منها التي لا تتطلب إجراء عملية جراحية، وتعتمد على أجهزة استشعار خارجية للكشف عن نشاط الدماغ، مثل جهاز تخطيط كهربائية الدماغ (EEG) والتصوير بالرنين المغناطيسي الوظيفي (fMRI).

أما النوع الآخر، الذي تتبعه شريحة "نيورالينك"، فهو "واجهات الدماغ" و"الآلة الغازية"، ويتضمن زرع أقطاب كهربائية أو أجهزة استشعار مباشرة في أنسجة المخ أو على سطح الدماغ، مما يسمح بتسجيلات عصبية عالية الدقة، والتحكم الدقيق، ولكن يتطلب ذلك عملية جراحية تنطوي على بعض المخاطر.

تحديات أساسية

وتواجه هذه الواجهات تحديين أساسيين: كيفية استخراج المعلومات الصحيحة من الدماغ، وكيفية إدخال المعلومات للدماغ.

التحدي الأول يتمثل في محاولة التقاط إشارات الدماغ وتسجيل ما تقوله الخلايا العصبية، في حين يتعلق التحدي الثاني بإدخال المعلومات في التدفق الطبيعي للدماغ، أو تغيير ذلك التدفق أو تحفيز الخلايا العصبية.

يأتي دور "شريحة ماسك" الدماغية كحل مبتكر، ففي عرض تقديمي مباشر في أكاديمية كاليفورنيا للعلوم في عام 2019، كشف فريق "نيورالينك" عن تقنية النموذج الأولي التي كانوا يعملون عليها، والتي تتضمن إدخال مجسات رفيعة للغاية في الدماغ واستخدام روبوت لجراحة الأعصاب لتنفيذ العمليات، بالإضافة إلى نظام إلكتروني لمعالجة المعلومات من الخلايا العصبية.

وتتكون مجسات "نيورالينك" بشكل رئيسي من مادة البوليميد، وهي مادة متوافقة حيوياً مع موصلات رقيقة من الذهب أو البلاتين. يتم إدخال هذه المجسات في الدماغ من خلال عملية آلية يقوم بها روبوت جراحي، ويحتوي كل مسبار على أقطاب كهربائية متعددة قادرة على اكتشاف الإشارات الكهربائية في الدماغ، بما يصل إلى 3072 قطباً كهربائياً في كل تشكيل.

FDA: جهاز متطور

وطورت الشركة دائرة متكاملة خاصة بالتطبيقات (ASIC) لإنشاء نظام تسجيل يضم 1536 قناة، مع مكبرات للإشارة ومحولات تناظرية إلى رقمية، وأجهزة تحكم بالدوائر الطرفية لرقمنة المعلومات العصبية ومعالجتها.

وتضمن شريحة "نيورالينك" إبرة مصنوعة من التنجستن والرينيوم، قادرة على إدخال ما يصل إلى ستة أسلاك (192 قطباً كهربائياً) في الدقيقة، مع وجود مجموعة تصوير لتحقيق عرض، وتحقق الإدخال في الوقت الفعلي.

وفي يوليو 2020، حصلت شركة "نيورالينك" على تصنيف جهاز متطور من إدارة الغذاء والدواء الأميركية (FDA)، مما يسمح بإجراء اختبارات بشرية محدودة بموجب إرشادات إدارة الغذاء والدواء للأجهزة الطبية.

وأجرت الشركة تجارب على القرود بالتعاون مع جامعة كاليفورنيا.

تشمل الشريحة على إلكترونيات مدمجة لمعالجة الإشارات العصبية، بما في ذلك تضخيم الإشارات وتصفية الضوضاء وتحويل الإشارات التناظرية إلى بيانات رقمية.

وتنقل البيانات لاسلكياً من الشريحة إلى أجهزة خارجية لمزيد من التحليل والتفسير، مما يتيح رصد نشاط الدماغ في الوقت الفعلي، والاتصال الثنائي الاتجاه بين الدماغ والتكنولوجيا الخارجية.

وبالإضافة إلى تسجيل النشاط العصبي، تتيح شريحة ماسك الدماغية أيضاً التحفيز الكهربائي لمناطق معينة من الدماغ، وهذه القدرة تسمح للباحثين بدراسة تأثير تحفيز دوائر عصبية محددة على وظائف المخ وسلوكه، عن طريق ربط الشريحة بأجهزة التكنولوجيا.

ويمكن للمستخدمين التفاعل مع الأجهزة باستخدام أفكارهم فقط، وتجاوز الطرق التقليدية للإدخال مثل لوحات المفاتيح أو شاشات اللمس.

ويمكن استخدام واجهات الدماغ والحاسوب للتحكم بالأطراف الاصطناعية أو الهياكل الخارجية، مما يمكن الأشخاص المصابين بالشلل أو بتر الأطراف من استعادة مستوى معين من الحركة والاستقلالية.

وتركز شركة "نيورالينك" حالياً على مساعدة الأشخاص غير القادرين على التحدث أو الكتابة على التواصل مع الآخرين، من خلال السماح لهم بالتحكم بفأرة الكمبيوتر أو لوحة المفاتيح، أو إرسال الرسائل من خلال الإشارات الدماغية.

تحديات أمام "شريحة ماسك"

على الرغم من إمكاناتها الهائلة في تحسين الرعاية الصحية والاتصالات، تواجه "شريحة ماسك" الدماغية العديد من العقبات، إذ يعد تفسير إشارات الدماغ وفك رموزها تحدياً كبيراً، نظراً لتعقيد الدماغ وتباين نشاطه بين الأفراد والسياقات.

كما تشمل تحديات متعلقة بالمتانة طويلة الأمد للشريحة المزروعة، والخصوصية والأمان في استخدام واجهات الدماغ والحاسوب.

يُذكر أن سوق الشرائح الدماغية يشهد حالياً منافسة شرسة، إذ نجح بالفعل عدد كبير من المختبرات والشركات الأخرى في إنجاز عمليات مماثلة، ما أتاح لمرضى تنفيذ مهام عبر الكمبيوتر من خلال تفكيرهم، وحتى استعادة السيطرة على بعض أعضائهم.

وسبقت شركة "ساينكرون"، المنافسة الأولى لـ"نيورالينك"، في هذا السوق عندما نجحت في يوليو 2022 بزرع أول جهاز لها في مريض أميركي، لتتفوق على "نيورالينك"، بحسب تقرير لوكالة "بلومبرغ".

وزرعت "ساينكرون" جهازاً بحجم 1.5 بوصة في دماغ مريض بالتصلب الجانبي الضموري في مركز "ماونت سيناي ويست" الطبي في نيويورك.

يُذكر أن سوق الشرائح الدماغية، وصلت قيمته في عام 2022 إلى 5.85 مليار دولار، ومن المتوقع وصول حجمه إلى 11.92 مليار دولار بحلول 2030، بحسب أحدث إحصائية من مؤسسة Precedence Research البحثية.

تصنيفات

قصص قد تهمك