كيف يفرق الدماغ بين الموسيقى والكلام؟

تصوير بتقنية الرنين المغناطيسي يظهر الدماغ من جهات مختلفة - Mayo Clinic
تصوير بتقنية الرنين المغناطيسي يظهر الدماغ من جهات مختلفة - Mayo Clinic
القاهرة-محمد منصور

توصلت دراسة علمية منشورة في دورية "بلوس" PLOS، إلى أن النظام السمعي البشري يستخدم "معلمات صوتية" بسيطة وأساسية بشكل مدهش للتمييز بين الموسيقى والكلام، وهو ما قد يمهد الطريق لتطوير علاجات لاضطرابات من بينها "الحبسة الكلامية".

والمعلمات الصوتية هي خصائص أساسية للصوت يمكن قياسها وتحليلها لفهم الأنواع المختلفة من الإشارات السمعية، ما يساعد على التمييز بينها، وتشمل "السعة والتردد والمدة والتناغم والسرعة الإيقاعية والإيقاع والانتظام".

وأشارت الدراسة إلى أن الدماغ يعتبر المقاطع الصوتية الثابتة والأبطأ "موسيقى"، في حين يفسر المقاطع غير المنتظمة والأسرع على أنها "كلام".

وتساعد هذه الخطوة على تطوير علاجات لاضطرابات عديدة، من بينها "الحبسة الكلامية" التي أصيب بها الممثل الأميركي الشهير بروس ويليس.

واعتمد البحث على قياس الإشارات الصوتية بـ"الهرتز"، الذي يحدد عدد الدورات في الثانية، فعلى سبيل المثال، يمكن قياس الأنشطة البشرية اليومية بوحدة القياس هذه.

وبحسب الدراسة، فإن المشي يحدث عادة بمعدل 1.5 إلى 2 خطوة في الثانية، أي ما يعادل 1.5 إلى 2 هرتز، وبالمثل، فإن إيقاع أغنية Superstition للمغني "ستيفي ووندر" (عام 1972) يبلغ نحو 1.6 هرتز، في حين أن أغنية Roller Girl لـ"آنا كارينا" (عام 1967) تبلغ نحو 2 هرتز، وفي المقابل يكون للكلام تردداً أعلى، عادة ما بين 4 إلى 5 هرتز.

4 تجارب و300 مشارك

وعلى الرغم من انتشار الموسيقى والكلام في كل مكان، إلا أن العلماء كانوا يفتقرون في السابق إلى فهم واضح لكيفية التعرف تلقائياً على الصوت إذا كان موسيقى أو كلام.

ولفهم هذه العملية أجرى العلماء 4 تجارب استمع فيها أكثر من 300 مشارك إلى سلسلة من المقاطع الصوتية من الموسيقى المركبّة والضوضاء الشبيهة بالكلام ذات سرعات تعديل مختلفة السعة والانتظام.

وفي الدراسة استخدم الباحثون مقاطع ضوضاء غامضة لفحص كيفية تمييز المشاركين بين الموسيقى والكلام بناء على الحجم والسرعة فقط.

كما تم إخبار المشاركين أن هذه المقاطع كانت عبارة عن نسخ مخفية للضوضاء من الموسيقى أو الكلام، وطُلب منهم تصنيفها وفقاً لهذا.

وتم تصميم المقاطع لإخفاء الميزات السمعية الأخرى، ما يسمح للمشاركين بالاعتماد فقط على تردد الأغنية وسرعتها لإصدار أحكامهم.

ومن خلال فرز المئات من مقاطع الصوت هذه، كشف المشاركون عن تصوراتهم بشأن ما يجعل مقطع الصوت يشبه الموسيقى أو الكلام، وسلطت هذه العملية الضوء على مدى تأثير السرعة والانتظام على قراراتهم.

وأظهرت التجربة أنه حتى مع الحد الأدنى من المعلومات السمعية، فإن بعض الميزات يمكن أن تدفع المستمعين إلى تصنيف الضوضاء على أنها موسيقى أو كلام.

رؤية الوجوه في السحاب

وتشبه هذه الظاهرة "رؤية الوجوه في السحاب"، حيث يتعرف الدماغ على أنماط مألوفة من خلال المحفزات الغامضة.

وخلصت الدراسة إلى أنه إذا كان مقطع الضوضاء يحتوي على ميزات تتوافق مع مفهوم المستمع للموسيقى أو الكلام، فمن الممكن أن يُنظر إليه على هذا النحو، وتكشف هذه الرؤية قدرة الدماغ على فرض النظام والمعنى على مدخلات سمعية تبدو عشوائية.

ولفتت النتائج إلى أنه بالنسبة للمشاركين في التجارب، فإن المقاطع ذات المعدلات الأبطأ (أقل من 2 هرتز) وتعديل السعة أكثر انتظاماً بدت لهم أشبه بالموسيقى، في حين أن المقاطع ذات المعدلات الأعلى (أكبر من 4 هرتز) وتعديل السعة غير منتظمة بدت أشبه للكلام بالنسبة لهم.

ولاحظ الباحثون أن معرفة كيفية تمييز الدماغ البشري بين الموسيقى والكلام يمكن أن تفيد الأشخاص الذين يعانون اضطرابات سمعية أو لغوية، مثل فقدان القدرة على الكلام "الحبسة الكلامية" من خلال تصميم برامج إعادة تأهيل فعالة مخصصة لمسارات المعالجة العصبية الفريدة للموسيقى والكلام.

وقال الباحثون إن أحد الأساليب الواعدة التي ستستفيد من هذا الفهم، هو العلاج بـ"التنغيم اللحني" الذي يُستخدم لمساعدة من يعانون فقدان القدرة على الكلام، وهي حالة تضعف القدرة على التواصل، وغالباً ما تكون ناجمة عن تلف في الدماغ، مثل السكتة الدماغية.

ولا تساعد هذه الأفكار في تطوير علاجات للحبسة الكلامية فحسب، بل لها أيضاً آثار إيجابية أوسع على الاضطرابات السمعية واللغوية الأخرى.

وقد يستفيد الأشخاص الذين يعانون عُسر القراءة أو اضطرابات المعالجة السمعية من العلاجات التي تتضمن عناصر إيقاعية ولحنية لتعزيز مهارات معالجة الكلام واللغة لديهم.

تصنيفات

قصص قد تهمك