الخفض السريع لانبعاثات الغازات الدفيئة نحو صافي الصفر سيحد من مستوى الاحترار

الاحتباس الحراري الناجم عن البشر "في أعلى مستوياته على الإطلاق"

الدخان يتصاعد من أكبر محطة كهرباء تعمل بالفحم في أوروبا، روجويش بولندا. 22 نوفمبر 2023 - Reuters
الدخان يتصاعد من أكبر محطة كهرباء تعمل بالفحم في أوروبا، روجويش بولندا. 22 نوفمبر 2023 - Reuters
القاهرة-محمد منصور

كشف التقرير السنوي الثاني لمؤشرات تغير المناخ العالمي، الذي تقوده جامعة ليدز بالمملكة المتحدة، أن الاحترار الناجم عن البشر ارتفع إلى 1.19 درجة مئوية خلال العقد الماضي (2014-2023)، وهي زيادة عن الدرجة المسجلة في العام الماضي، والتي بلغت 1.14 درجة مئوية ما بين عامي 2013، و2022.

وبالنظر إلى عام 2023 بمعزل عن بقية السنوات، يقول التقرير إن الاحترار الناجم عن النشاط البشري وصل إلى 1.3 درجة مئوية في عام 2023، وهذا يعني أنه بسبب الأنشطة البشرية، مثل: حرق الوقود الأحفوري، وإزالة الغابات، والعمليات الصناعية، كان متوسط درجة الحرارة العالمية في عام 2023 أعلى بمقدار 1.3 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الصناعة.

وفي العام نفسه، بلغ إجمالي الاحترار الذي شهده العالم 1.43 درجة مئوية، وهذه هي الزيادة الفعلية الملحوظة في متوسط درجة الحرارة العالمية لعام 2023، مقارنة بمستويات ما قبل الصناعة.

ظاهرة إل نينيو

ويقول التقرير إن التقلبات المناخية الطبيعية، وخاصة ظاهرة إل نينيو، لعبت دوراً كبيراً، فالفرق بين الاحترار الذي يسببه الإنسان (1.3 درجة مئوية)، والاحترار الإجمالي (1.43 درجة مئوية) هو 0.13 درجة مئوية، ويُعزى هذا الاحترار الإضافي إلى تقلب المناخ الطبيعي، مثل ظاهرة إل نينيو؛ وهي نمط مناخي يحدث في المحيط الهادئ، ويمكن أن يؤدي إلى ارتفاع درجات الحرارة العالمية بشكل مؤقت.

ويظهر التحليل أيضاً أن ميزانية الكربون المتبقية -مقدار ثاني أكسيد الكربون الذي يمكن انبعاثه قبل وصول ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية- لا تتجاوز حوالي 200 جيجا طن، أي ما يعادل حوالي خمس سنوات من الانبعاثات الحالية.

في عام 2020، قدَّرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغير المناخ (IPCC)، ميزانية الكربون المتبقية عند 1.5 درجة مئوية، بما يتراوح بين 300 إلى 900 جيجا طن من ثاني أكسيد الكربون.

ومع استمرار انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والاحتباس الحراري منذ ذلك الحين، بلغت ميزانية الكربون المتبقية عند 1.5 درجة مئوية، في بداية عام 2024، ما بين 100 إلى 450 جيجا طن.

ويُظهر التحليل أيضاً أن مستوى الاحتباس الحراري الناجم عن النشاط البشري استمر في الزيادة خلال العام الماضي، رغم أن العمل المناخي أدى إلى تباطؤ ارتفاع انبعاثات الغازات الدفيئة؛ إذ لا تزال درجات الحرارة العالمية تسير في الاتجاه الخاطئ، وبسرعة أكبر من أي وقت مضى.

تم تصميم ذلك التحليل لتتبع الاتجاهات طويلة المدى الناجمة عن الأنشطة البشرية، ودرجات الحرارة التي يرصدها التقرير هي نتاج هذا الاتجاه طويل المدى الذي تتحكم فيه التغيرات الطبيعية على المدى القصير.

ويأتي هذا التحذير في الوقت الذي يجتمع فيه خبراء المناخ في بون للتمهيد لمؤتمر المناخ "كوب 29" الذي سيعقد في نوفمبر في باكو، عاصمة أذربيجان.

ويرافق التقرير الجديد منصة علمية للبيانات المفتوحة تحمل مؤشرات تغير المناخ العالمي لتتبع تغير المناخ، والتي توفر سهولة الوصول إلى المعلومات المحدثة حول مؤشرات المناخ الرئيسية.

الهباء الجوي وسحب الكبريت

كما يقدم أحدث تقرير للمؤشر، والذي نشره أكثر من 50 عالماً، في دورية "Earth System Science Data"، رؤية جديدة لآثار خفض انبعاثات الكبريت من صناعة الشحن العالمية.

وللكبريت تأثير في تبريد المناخ من خلال عكس ضوء الشمس مباشرة إلى الفضاء، ومن خلال المساعدة على تكوين المزيد من السحب العاكسة، لكن الخفض المستمر في تلك الانبعاثات قلل من هذا التأثير.

ورغم أنه تم تعويض هذا الخفض، العام الماضي، من خلال انبعاثات الهباء الجوي من حرائق الغابات الكندية، إلا أن التقرير يقول إن الاتجاه طويل المدى يشير إلى أن كمية التبريد التي يمكن أن نتوقعها من انبعاثات الهباء الجوي مستمرة في الانخفاض.

ويقول التقرير إن المعدل المرتفع من الاحترار ناجم عن مزيج من انبعاثات غازات الدفيئة التي تكون مرتفعة باستمرار، أي ما يعادل 53 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون سنوياً، بالإضافة إلى التحسينات المستمرة في جودة الهواء، والتي تقلل من قوة التبريد الناتج عن النشاط البشري من الجزيئات الموجودة في الغلاف الجوي.

وتؤثر مستويات انبعاث الغازات الدفيئة المرتفعة أيضاً على توازن الطاقة على الأرض، حيث تتتبع عوامات المحيطات والأقمار الصناعية تدفقات غير مسبوقة من الحرارة إلى محيطات الأرض، والكتل الجليدية، والتربة، والغلاف الجوي.

انبعاثات الوقود الأحفوري

ويقول الباحثون إن انبعاثات الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري تشكل حوالي 70% من جميع انبعاثات الغازات الدفيئة، ومن الواضح أنها المحرك الرئيسي لتغير المناخ، ولكن مصادر التلوث الأخرى، الناتجة عن إنتاج الأسمنت، والزراعة، وإزالة الغابات، وخفض مستوى انبعاثات الكبريت تساهم أيضاً في ظاهرة الاحتباس الحراري.

ويؤكد الفريق العلمي، الذي وضع التقرير، أن الخفض السريع لانبعاثات الغازات الدفيئة نحو صافي الصفر سيحد من مستوى الاحتباس الحراري. 

وفي الوقت نفسه، هناك حاجة إلى بناء مجتمعات أكثر مرونة؛ فالدمار الذي أحدثته حرائق الغابات، والجفاف، والفيضانات، وموجات الحرارة التي شهدها العالم في عام 2023 يجب ألا يصبح الوضع الطبيعي الجديد.

تصنيفات

قصص قد تهمك