تغير المناخ يرفع مخاطر حرائق الغابات.. "القادم أكثر قسوة"

سحب الدخان تغطي السماء جراء حرائق الغابات بمقاطعة ألبرتا في كندا. 6 مايو 2023 - Twitter@tjkennedyphoto
سحب الدخان تغطي السماء جراء حرائق الغابات بمقاطعة ألبرتا في كندا. 6 مايو 2023 - Twitter@tjkennedyphoto
القاهرة-محمد منصور

حذر تقرير جديد من ارتفاع معدلات انبعاثات الكربون الناتجة عن حرائق الغابات على مستوى العالم، في ظل المخاطر المتزايدة جراء موجات الاحترار، وتغير المناخ، وذلك بحسب ما جاء بدورية Earth System Science Data.

وأضاف التقرير؛ الذي أعده فريق علمي دولي متعدد التخصصات، أن الانبعاثات من الحرائق في الغابات الشمالية الكندية أكثر من 9 أضعاف المتوسط في ​​العقدين الماضيين، وساهمت بنحو ربع الانبعاثات العالمية.

وأشار التقرير إلى أن "الإمكانات المتزايدة لاندلاع حرائق الغابات في ظل تغير المناخ يشكل مصدر قلق ملح، فمع ارتفاع درجات الحرارة العالمية، ترتفع وتيرة وشدة الجفاف والطقس الملائم للحرائق، ما يؤدي إلى انخفاض الرطوبة في الغطاء النباتي، وتجهيز الغابات لحرائق أكثر شدة وكثافة". 

أجواء ضبابية في واشنطن جراء الدخان الذي تسببت فيه حرائق الغابات في كندا. واشنطن، الولايات المتحدة. 8 يونيو 2023.
أجواء ضبابية في واشنطن جراء الدخان الذي تسببت فيه حرائق الغابات في كندا. واشنطن، الولايات المتحدة. 8 يونيو 2023. - AFP

وكانت حرائق الغابات غير المسبوقة في كندا، وأجزاء من الأمازون العام الماضي، أكثر احتمالية بثلاث مرات على الأقل؛ بسبب تغير المناخ، وساهمت في ارتفاع مستويات انبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الحرق على مستوى العالم.

ويتناول التقرير حالة حرائق الغابات الشديدة لموسم الحرائق 2023-2024 ويشرح أسبابها، ويقيم ما إذا كان من الممكن التنبؤ بالأحداث، كما يقيم كيف سيتغير خطر الأحداث المماثلة بالمستقبل، في ظل سيناريوهات مختلفة لتغير المناخ.

ويقول التقرير إنه؛ ولحسن الحظ، كان موسم الحرائق هادئاً في السافانا الإفريقية "وإلا كان موسم الحرائق ليحقق رقماً قياسياً جديداً لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون من الحرائق على مستوى العالم".

بالإضافة إلى توليد انبعاثات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون، أدت الحرائق في كندا إلى إخلاء أكثر من 230 ألف شخص، وفقد ثمانية من رجال الإطفاء حياتهم. 

كما شوهد عدد غير عادي من الحرائق في الأجزاء الشمالية من أميركا الجنوبية، وخاصة في ولاية "أمازوناس" البرازيلية وفي المناطق المجاورة لبوليفيا وبيرو وفنزويلا، وقد أدى هذا إلى أن تشهد منطقة الأمازون واحدة من "أسوأ تصنيفات جودة الهواء على هذا الكوكب".

وفي أماكن أخرى من العالم، أدت حرائق الغابات الفردية التي اشتعلت بشدة، وانتشرت بسرعة في تشيلي، وهاواي، واليونان إلى مئات الوفيات، وكانت هذه من حرائق الغابات التي كان لها تأثيرات كبيرة على المجتمع والاقتصاد والبيئة.

حرائق الغابات.. عوامل مختلفة

بالإضافة إلى تغير المناخ؛ يرجع اندلاع الحرائق إلى عوامل مختلفة، بما في ذلك الأنشطة البشرية، وتغيرات استخدام الأراضي، والتحولات البيئية، وأصبحت حرائق الغابات شائعة بشكل متزايد في جميع أنحاء العالم، مع وقوع أحداث متطرفة في مناطق مثل أستراليا والولايات المتحدة الغربية وسيبيريا وأوروبا وأميركا الجنوبية. 

وتشمل الأحداث البارزة: حرائق الغابات في "الصيف الأسود" بأستراليا بين عامي 2019 و2020، وموسمي حرائق الغابات في عامي 2020 و2021 في غرب الولايات المتحدة، والحرائق غير المسبوقة في عامي 2023 و2024 في كندا وأجزاء من أميركا الجنوبية.

وعلى الرغم من الانخفاض العام في المساحة المحروقة عالمياً منذ بداية القرن الحادي والعشرين، والذي يرجع في المقام الأول لقلة الحرائق في السافانا الإفريقية، فقد شهدت مناطق محددة مثل شرق سيبيريا وغرب الولايات المتحدة وكندا زيادة كبيرة في المساحة المحروقة عالمياً. 

وهذه الزيادة في حرق الغابات والأراضي الخثية مثيرة للقلق بشكل خاص، بسبب الخدمات البيئية الغنية التي توفرها هذه المناطق، بما في ذلك تخزين الكربون والتنوع البيولوجي، ويقول التقرير إن "أحداث حرائق الغابات الشديدة الأخيرة خلفت تأثيرات عميقة على المجتمع والنظم البيئية في جميع أنحاء العالم". 

فمنذ عام 1990، تسببت حرائق الغابات في مقتل أو إصابة ما لا يقل عن 18 ألف شخص بشكل مباشر، على الرغم من أن هذا الرقم من المرجح أن يكون أقل من التقدير الحقيقي؛ بسبب السجلات غير المكتملة والتحيزات في إعداد التقارير.

ونظراً لأن الانبعاثات البشرية من ثاني أكسيد الكربون تظل مرتفعة باستمرار، فإن دور أحواض الكربون الطبيعية في الغابات والأراضي الخثية (الرطبة)، والنظم البيئية الأخرى، أصبح حاسماً بشكل متزايد في تعديل تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي. 

وقد أدت الانبعاثات الهائلة من حرائق الغابات من الغابات الشمالية، وخاصة في سيبيريا وكندا، إلى تدفق إجمالي مماثل لانبعاثات ثاني أكسيد الكربون السنوية من المناطق الصناعية الكبرى، وتشكل هذه الانبعاثات تحدياً كبيراً للجهود الوطنية والدولية لتحقيق صافي انبعاثات صفرية.

ويقول المؤلف الرئيسي للتحليل هذا العام، الدكتور "ماثيو جونز" وهو زميل الأبحاث في مركز تيندال لأبحاث تغير المناخ في جامعة "إيست أنجليا" البريطانية: "في العام الماضي، شهدنا حرائق الغابات تقتل الناس وتدمر الممتلكات والبنية الأساسية، وتتسبب في عمليات إخلاء جماعية، وتهدد سبل العيش وتضر بالنظم البيئية الحيوية".

وأضاف: "أصبحت حرائق الغابات أكثر تواتراً، وكثافة مع ارتفاع درجة حرارة المناخ، ويعاني المجتمع والبيئة من العواقب".

ويقول التقرير إن فقدان مخزونات الكربون من الغابات الشمالية في كندا والغابات الاستوائية في أميركا الجنوبية له آثار دائمة على مناخ الأرض؛ إذ تستغرق الغابات من عقود إلى قرون للتعافي من اضطرابات الحرائق، ما يعني أن سنوات الحرائق الشديدة مثل 2023-2024 تؤدي إلى عجز دائم في تخزين الكربون لسنوات عديدة مقبلة.

طقس الحرائق

وبحسب "جونز" تم تسجيل ما يقرب عقد من انبعاثات الكربون من الحرائق في موسم حرائق واحد يقدر بأكثر من 2 مليار طن من ثاني أكسيد الكربون في كندا وحدها، "وبالتالي، يؤدي هذا إلى زيادة تركيزات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي، وتفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري العالمي".

بالإضافة إلى سرد الحرائق عالية التأثير على مستوى العالم، ركز التقرير على شرح أسباب انتشار الحرائق الشديدة في ثلاث مناطق: كندا، وغرب الأمازون، واليونان.

لقد تحول طقس الحرائق بشكل كبير في جميع المناطق الثلاث المحورية مقارنة بعالم دون تغير المناخ، وأدى هذا التغير إلى زيادة احتمالات اندلاع حرائق شديدة في عامي 2023 و2024 بثلاث مرات على الأقل في كندا، وبعشرين مرة في الأمازون، ومرتين في اليونان.

ووجد الباحثون أن النطاق الواسع لحرائق الغابات في كندا والأمازون في موسم الحرائق 2023-2024، كان بالتأكيد أكبر بسبب تغير المناخ.

وتقول المؤلفة المشاركة في الدراسة الدكتورة "شانتيل بيرتون" كبيرة علماء المناخ في مكتب الأرصاد الجوية البريطاني: "من المؤكد تقريباً أن الحرائق كانت أكبر خلال حرائق الغابات في عام 2023 في كندا والأمازون؛ بسبب تغير المناخ.. سترتفع احتمالات اندلاع حرائق الغابات الشديدة، ولكن يمكن تخفيفها".

وتشير النماذج المناخية المستخدمة في التقرير إلى أن وتيرة حرائق الغابات الشديدة ستزداد بحلول نهاية القرن، وخاصة في السيناريوهات المستقبلية، إذ تظل انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري مرتفعة.

ويُظهر التقرير، أنه وفي ظل سيناريو انبعاثات الغازات المسببة للانحباس الحراري من المتوسطة إلى المرتفعة، ستصبح حرائق الغابات المماثلة في الحجم لموسم 2023-2024 أكثر شيوعاً بست مرات في كندا، بحلول عام 2100.

وقد تشهد منطقة الأمازون الغربية موسم حرائق شديدة، مثل موسم 2023-2024 أكثر تكراراً بثلاث مرات تقريباً، وبالمثل، من المتوقع أن تتضاعف وتيرة اندلاع حرائق على نطاق تلك التي شهدتها اليونان خلال الفترة 2023-2024.

خطر اندلاع حرائق الغابات 

وقال المؤلف المشارك في الدراسة "دوغلاس كيلي" وهو كبير علماء الحرائق في مركز المملكة المتحدة لعلم البيئة والهيدرولوجيا، إنه وطالما استمرت انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري في الارتفاع، فإن خطر اندلاع حرائق الغابات الشديدة سوف يتصاعد.

ويمكن تقليل الزيادة في احتمالات اندلاع حرائق الغابات الشديدة في المستقبل، من خلال تقليل انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي. 

كما يمكن الحد من احتمالات اندلاع حرائق شديدة في المستقبل باتباع سيناريو الانبعاثات المنخفضة، ففي غرب الأمازون، من المتوقع ألا يكون تواتر الأحداث مثل 2023-2024 أكبر في عام 2100 مما هو عليه في العقد الحالي في ظل سيناريو الانبعاثات المنخفضة.

ومهما كان سيناريو الانبعاثات الذي نتبعه، فإن مخاطر حرائق الغابات الشديدة ستزداد في كندا، مما يسلط الضوء على أن المجتمع لا يجب أن يخفض الانبعاثات فحسب، بل يجب أن يتكيف أيضاً مع مخاطر حرائق الغابات المتغيرة، حسب ما يقول "كيلي".

وتسلط هذه التوقعات الضوء على الحاجة الملحة إلى الحد بسرعة من انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري العالمي، وإدارة الغطاء النباتي من أجل تقليل مخاطر وتأثيرات حرائق الغابات الشديدة بشكل متزايد على المجتمع والنظم البيئية.

وبالنسبة لموسم 2024-2025، أشارت التوقعات إلى استمرار احتمالية الطقس الحار، والجاف، والعاصف للحرائق في أجزاء من أميركا الشمالية والجنوبية، والتي قدمت ظروفاً مواتية لحرائق الغابات في كاليفورنيا، وألبرتا، وكولومبيا البريطانية، وفي بانتانال البرازيلية في يونيو ويوليو.

وهذا يعني أن موسم الحرائق القادم، قد يكون أكثر قسوة من الموسم الماضي.

تصنيفات

قصص قد تهمك