"كواكب مارقة".. تلسكوب جيمس ويب يكتشف "أخف" كوكب على الإطلاق

تلسكوب جيمس ويب الفضائي يكتشف 6 كواكب مارقة جديدة تضم أخف كوكب يتم اكتشافه على الإطلاق - وكالة الفضاء الأوروبية.
تلسكوب جيمس ويب الفضائي يكتشف 6 كواكب مارقة جديدة تضم أخف كوكب يتم اكتشافه على الإطلاق - وكالة الفضاء الأوروبية.
القاهرة-محمد منصور

حدَّد تلسكوب "جيمس ويب" الفضائي 6 كواكب مارقة جديدة، وهي أجسام ذات كتلة تشبه الكواكب، تتحرك بحرية في الفضاء، وغير مقيّدة بجاذبية أي نجم.

ومن بين هذه الكواكب المتجولة، رصد التلسكوب أخف كوكب تم اكتشافه على الإطلاق، والذي يمتلك قرصاً غبارياً حوله بشكل مثير للاهتمام.

وقرص الغبار، هو بنية مكونة من الغاز والغبار ومواد أخرى، وتدور حول جسم مركزي مثل نجم، أو كوكب، أو في هذه الحالة كوكب مارق.

اكتشاف مهم

وغالباً ما توجد هذه الأقراص حول النجوم الصغيرة، ويُعتقد أنها موطن الكواكب، والأقمار، والأجرام السماوية الأخرى. ووجود قرص غبار حول كوكب مارق اكتشاف مهم لأنه يشير إلى أن هذه الأجسام قد تتشكل من خلال عمليات مماثلة لتلك التي تخلق النجوم والكواكب العادية.

ويوفر هذا الاكتشاف دليلاً مقنعاً على أن العمليات الكونية المسؤولة عن تكوين النجوم والكواكب قد تلعب أيضاً دوراً مهماً في خلق أجسام أكبر قليلاً من كوكب المشتري.

وتتشكل أقراص الغبار من المواد المتبقية، بعد تشكّل نجم أو كوكب، وهي تحتوي على جزيئات صغيرة من الغبار والغاز التي يمكن أن تتكتل مع مرور الوقت، ما قد يؤدي إلى تكوين كواكب أو أقمار جديدة.

ويمكن أن تحتوي هذه الأقراص أيضاً على عناصر مثل السيليكات، ومركبات الكربون والجليد، والتي تُعد ضرورية لفهم كيمياء النظام.

والعثور على قرص مغبر حول مثل هذا الكوكب المارق الخفيف منخفض الكتلة، أمر نادر، إذ ترتبط الأقراص المغبرة عادة بأجسام أكثر ضخامة، مثل النجوم الصغيرة، أو الكواكب الكبيرة، حيث تكون قوة الجاذبية قوية، بما يكفي للاحتفاظ بالمواد المحيطة.

كيف تتكون الكواكب المارقة؟

هناك نظريتان حول تكوّن الكواكب المارقة، فربما تشكلت في الأصل حول نجم مثل الكواكب في نظامنا الشمسي. ومع ذلك، خلال المراحل المبكرة من تطور النظام النجمي، يمكن أن تتسبب التفاعلات الجاذبية بين الكواكب أو الأجسام الضخمة الأخرى في طرد بعض الكواكب من مداراتها، ثم تصبح هذه الكواكب المطرودة "مارقة"، وتتجول في المجرة بمفردها.

وهناك احتمال آخر، وهو أن تلك الكواكب تتشكل بشكل مستقل في الفضاء بين النجوم، وليس حول نجم، وتتضمن هذه العملية انهيار سحب صغيرة من الغاز والغبار، على غرار كيفية تشكّل النجوم، ولكن على نطاق أصغر كثيراً.

وإذا لم تكن كتلة السحابة المنهارة كافية لإشعال الاندماج النووي، وهي العملية التي تزود النجوم بالطاقة، فإن الجسم يظل "نجماً فاشلاً" أو كوكباً مارقاً.

وغالباً ما يكون من الصعب اكتشاف الكواكب المارقة؛ لأنها لا تُصدر ضوءها الخاص مثل النجوم، ولا تضيئها النجوم القريبة، وهو ما يجعلها خافتة بشكل لا يصدق، ويصعب رصدها بالتلسكوبات.

وقد لا تزال بعض الكواكب المارقة، وخاصة الأصغر سناً، تحتوي على قرص من الغاز والغبار حولها، ويشبه هذا القرص الأقراص الكوكبية الأولية الموجودة حول النجوم الصغيرة، حيث تتشكل الكواكب.

حتى بدون نجم مضيف، يمكن أن يكون للكواكب المارقة غلاف جوي، وقد تحتفظ بالحرارة الناتجة عن تكوينها، أو تولّد الحرارة من خلال عمليات داخلية، مثل تحلل العناصر المشعة، وقد يؤدي هذا إلى ظواهر جوية مثل السحب، والرياح، وربما حتى العواصف.

وتستكشف الدراسة المنشورة في "The Astronomical Journal"، حدود عملية تشكّل النجوم "فإذا كان لديك جسم يشبه كوكب المشتري الشاب، فهل من الممكن أن يصبح نجماً في ظل الظروف المناسبة؟ هذا سياق مهم لفهم كل من تشكُّل النجوم والكواكب"، على حد قول المؤلف الرئيسي آدم لانجفيلد، وهو عالم فيزياء فلكية بجامعة "جونز هوبكنز".

"حضانة" نجمية

وتأتي النتائج من المسح الأكثر شمولاً الذي أجراه تلسكوب جيمس ويب الفضائي لسحابة يُطلق عليها اسم NGC 1333، وهي مجموعة تشكل النجوم تقع على بعد نحو ألف سنة ضوئية في كوكبة (حامل رأس الغول) برشاوس.

ويُعتبر هذا السديم بمثابة "حضانة نجمية" حيث تولد النجوم الجديدة.

وتُظهر صورة جديدة، نشرتها وكالة الفضاء الأوروبية، سديم NGC 1333 بكل تفاصيله، مع سحب من الغاز والغبار مضاءة بضوء النجوم الشابة.

وتوفر الصورة، جنباً إلى جنب مع البيانات من مسح جيمس ويب، رؤية مفصلة لمنطقة تشكل النجوم هذه، وتقدم أدلة حول الظروف التي قد تتشكل فيها النجوم والكواكب المارقة.

وتشير بيانات "جيمس ويب" إلى أن العوالم المكتشفة كواكب غازية أصغر من كوكب المشتري بخمس إلى عشر مرات، وهي أول مرة يكتشف فيها التلسكوب أجساماً بتلك الكتلة.

ويقول الباحثون إن تلك الأجسام من بين أقل الأجسام كتلة التي تم اكتشافها على الإطلاق، والتي نمت من عملية من شأنها أن تنتج عموماً نجوماً، وأقزاماً بنية، وهي أجسام تمتد على الحدود بين النجوم والكواكب التي لا تشعل أبداً اندماج الهيدروجين، وتتلاشى بمرور الوقت.

كيف ساعد "جيمس ويب" في هذا الاكتشاف؟

يستخدم تلسكوب "جيمس ويب" الأشعة تحت الحمراء، وهي نوع من الإشعاع الكهرومغناطيسي بأطوال موجية أطول من الضوء المرئي، وغير مرئية للعين البشرية، للبحث عن الأجرام السماوية، وخاصة الأكثر برودة مثل النجوم الصغيرة والكواكب وحتى الغبار، والتي تنبعث منها بقوة في الأشعة تحت الحمراء.

ويتمتع ذلك التلسكوب بحساسية استثنائية لضوء الأشعة تحت الحمراء، أكثر بكثير من التلسكوبات السابقة، وتسمح هذه الحساسية لجيمس ويب باكتشاف الأجسام الخافتة جداً التي قد تكون غير مرئية بخلاف ذلك.

وعلى سبيل المثال، يمكن للتلسكوب التقاط التوقيعات الحرارية للأجسام البعيدة والخافتة، مثل الكواكب المارقة، أو النجوم الصغيرة جداً التي لا تزال محاطة بالغبار والغاز.

وداخل مجموعة النجوم الشابة الموجودة في ذلك السديم، ليست الأجسام كلها ساطعة أو ضخمة، وبعضها صغير وخافت ويصعب اكتشافه؛ لأنها في الغالب إما نجوم منخفضة الكتلة جداً، أو أقزام بنية، وهي أجسام كبيرة جداً بحيث لا يمكن أن تكون كواكب، ولكنها صغيرة جداً لدعم الاندماج النووي مثل النجوم، أو حتى الكواكب المارقة.

وكان هدف هذه الدراسة هو استخدام قدرات الأشعة تحت الحمراء القوية لتلسكوب جيمس ويب للعثور على هذه الأجسام الخافتة، ومنخفضة الكتلة في المجموعة، والتي قد لا يمكن اكتشافها بأدوات أقل حساسية.

كيف تتكون النجوم؟

تتكون النجوم من انهيار سحب الغاز والغبار تحت تأثير الجاذبية، ومع انهيار السحابة تسخن، ما يؤدي في النهاية إلى إشعال الاندماج النووي إذا كانت الكتلة كافية، وهذه العملية مفهومة جيداً بالنسبة للأجسام مثل النجوم، ولكن بدرجة أقل بالنسبة للأجسام الموجودة في الطرف الأدنى من مقياس الكتلة، مثل الأقزام البنية، والكواكب العملاقة.

وقال المؤلف المشارك في الدراسة، راي جايواردانا، وهو أستاذ وعميد قسم الفيزياء الفلكية بجامعة جونز هوبكنز، إن الفريق استخدم حساسية التلسكوب غير المسبوقة عند أطوال الموجات تحت الحمراء للبحث عن أضعف أعضاء مجموعة النجوم الشابة، سعياً لمعالجة سؤال أساسي في علم الفلك "ما مدى الضوء الذي يمكن أن يتشكل به جسم مثل النجم؟".

وأضاف جايواردانا أن الإجابة على ذلك السؤال يتطلب معرفة الحد الأدنى من الكتلة المطلوبة لجسم ليتشكل بنفس الطريقة التي يتشكل بها النجم، من خلال انهيار سحابة غازية.

ويرى عالم الفيزياء الفلكية أن ذلك السؤال أساسي، لأنه يلمس الحدود بين أنواع مختلفة من الأجسام السماوية "فعلى وجه التحديد، ما مدى صغر حجم الجسم، وما زال يُعتبر أنه تشكل مثل نجم وليس كوكباً؟".

ووجدت الدراسة أن بعض الأجسام الأضعف، والأخف وزناً في مجموعة النجوم، والتي تشكلت من خلال عمليات مماثلة لتكوين النجوم، لها كتلة تتداخل مع كتل الكواكب الخارجية العملاقة، وهذه الأجسام غير مرتبطة بأي نجم، وتطفو بحرية في الفضاء.

وتابع جايواردانا أن ذلك الاكتشاف يطمس الخطوط الفاصلة بين تشكل النجوم والكواكب.

ويُعتقد أن الكواكب تتشكل داخل أقراص حول النجوم الشابة، في حين تتشكل النجوم مباشرة من انهيار سحب الغاز.

ومع ذلك، فإن التداخل في الكتلة بين أصغر الأجسام العائمة الحرة، والكواكب الخارجية العملاقة، يشير إلى أن العمليات المؤدية إلى تشكل النجوم والكواكب قد تكون أكثر ترابطاً مما كان يُعتقد سابقاً.

تصنيفات

قصص قد تهمك