كيف ستعيد "ناسا" رائدين أميركيين عالقين في الفضاء؟

مركبة ستارلاينر CST-100 من بوينج تنطلق من منشأة في مركز كينيدي للفضاء التابع لوكالة ناسا في كيب كانافيرال بولاية فلوريدا. 16 أبريل 2024 - AFP
مركبة ستارلاينر CST-100 من بوينج تنطلق من منشأة في مركز كينيدي للفضاء التابع لوكالة ناسا في كيب كانافيرال بولاية فلوريدا. 16 أبريل 2024 - AFP
دبي-الشرق

تتجه وكالة الفضاء الأميركية "ناسا" لاستخدام مركبة فضائية من شركة "سبيس إكس" المملوكة للملياردير إيلون ماسك، لإعادة رائدَي فضاء عالقين في محطة الفضاء الدولية، بعد أن تعرضت مركبة "ستارلاينر" التابعة لـ"بوينج"، والتي كان مقرراً أن تعيدهما للأرض، إلى مشكلات فنية.

وستتأخر عودة رائدَي الفضاء الأميركيين بوتش ويلمور، وزميلته سوني وليامز حتى فبراير المقبل، ما سيتسبب في تمديد مهمتهما التي كان مخططاً لها أن تستغرق 8 أيام لتصبح نحو 8 أشهر، وفق صحيفة "فاينانشيال تايمز".

وقال مدير "ناسا" بيل نيلسون: "الرحلات الفضائية محفوفة بالمخاطر. رحلة تجريبية بطبيعتها ليست آمنة ولا روتينية، وبالتالي فإن القرار بإبقاء بوتش وسوني على متن محطة الفضاء الدولية وإعادة مركبة بوينج ستارلاينر إلى الوطن بدون طاقم هو نتيجة للالتزام بالسلامة".

بدوره، قال مارك نابي، مدير شركة "بوينج"، المشرف على "ستارلاينر"، في رسالة إنه "يعلم أن هذا ليس القرار الذي كنا نأمله، لكننا على استعداد لتنفيذ الإجراءات اللازمة لدعم قرار ناسا. يظل التركيز في المقام الأول على ضمان سلامة الطاقم والمركبة الفضائية".

وتُعد "بوينج" و"سبيس إكس" جزءاً من برنامج طاقم "ناسا" التجاري، والذي تم تطويره لتشجيع موردي القطاع الخاص على التنافس لنقل رواد الفضاء إلى محطة الفضاء، إذ أطلقت الشركة المملوكة لماسك أول مهمة مأهولة ناجحة لها في 2020.

ويعيد مهندسو "ناسا" و"بوينج" الآن تكوين مركبة "ستارلاينر"، حتى تعود إلى الأرض في سبتمبر بدون طاقم، في حين قال مسؤولون إنهم ما زالوا يتوقعون استخدام المركبة الفضائية في مهام مأهولة، إلا أن هذا يُمثّل ضربة أخرى لسمعة الشركة التي خضعت لتدقيق شديد في السنوات الأخيرة، بسبب إخفاقات الهندسة والتصنيع، بحسب "فاينانشيال تايمز".

ماذا حدث؟

كانت الخطة الأصلية هي أن تأخذ مركبة "ستارلاينر" رائدي الفضاء إلى المحطة الدولية، وترسو بهما هناك، ثم تعود بهما إلى الأرض بعد إنجاز مهمتهما القصيرة.

ولكن "ناسا" أعلنت نهاية الأسبوع أنها ستعيد المركبة إلى الأرض دون رائدي الفضاء، ما سيسمح لها ولـ"بوينج" جمع المزيد من البيانات عن مركبة "ستارلاينر" دون السماح بتعرُّض طاقمها  للمزيد من المخاطر.

وجاءت هذه الخطة بعد أسابيع من محاولات مواجهة مشكلات تم تحديدها خلال رحلة "ستارلاينر" الخارجية في يونيو الماضي، حيث تعرضت المركبة الفضائية لـ3 حوادث تسرّب لغاز الهيليوم، وتعطُّل محركات الدفع الخاصة بنظام التحكم في التفاعل، والتي يبلغ عددها 5 محركات، خلال اقتراب المركبة من محطة الفضاء الدولية.

وقال ستيف ستيتش، مدير برنامج الأطقم التجارية التابع لـ"ناسا"، إن "التحول إلى خطة بديلة جاء بسبب الحاجة إلى مستوى أعلى من اليقين لإتمام عودة مأهولة".

وأعقب القرار محادثات بين ناسا وبوينج التي وصفها أحد المسؤولين في الوكالة بأنها كانت "متوترة".

من جانبها، قالت بوينج إن تركيزها ينصب على "السلامة"، مضيفة أنها "تنفّذ المهمة وفق ما حددته ناسا، وتجهز لعودة آمنة وناجحة إلى الأرض من دون الطاقم".

ما الخطة الجديدة؟

تتمثل خطة "ناسا" الجديدة في استخدام المركبة Dragon SpaceX لإعادة ويليامز وويلمور، وحتى ذلك الحين، سيعمل رائدا الفضاء إلى جانب طاقم بعثة محطة الفضاء الدولية لبقية إقامتهما الممتدة.

ويتم تزويد محطة الفضاء بالإمدادات عن طريق مركبات فضاء شحن أو مأهولة، والتي رست آخرها خلال الشهر الجاري.

ويتمتع ويليامز وويلمور بخلفيات في البحرية الأميركية وخبرات سابقة في الفضاء، وكانت ويليامز قائدة بعثة محطة الفضاء الدولية، فيما قاد ويلمور رحلة مكوك الفضاء Atlantis إلى محطة الفضاء في عام 2009.

كما تدربا على السير في الفضاء وبرامج الروبوتات وغيرها من المهارات اللازمة للمساهمة في عمل مهمة محطة الفضاء الدولية المنتظمة.

بدوره، أعلن إيلون ماسك في منشور عبر منصته "إكس"، أن شركته "تستعد حالياً لإطلاق بعثة Polaris Dawn، لتنفيذ أول عملية تجارية للسير في الفضاء".

وأشارت "فاينانشيال تايمز" إلى أن المشروع يتم تمويله من قِبَل جاريد إسحاقمان، الملياردير المؤسس لشركة معالجة المدفوعات Shift4 Payments، وهو أحد أفراد الطاقم الأربعة.

ما المخاطر؟ 

يتطلب السفر إلى الفضاء جهداً بدنياً ونفسياً، وقد حددت "ناسا" 5 مخاطر تواجه أي مهمة مأهولة إلى المريخ، وجميع رواد الفضاء بدرجات متفاوتة، وهي الإشعاع الفضائي، والعزلة والحبس، والبعد عن الأرض وما يتسبب به من مشكلات في الإمدادات، والتغيرات في الجاذبية وتأثيرها على الجسم، والحفاظ على النظم البيئية الآمنة في الصواريخ ومحطات الفضاء.  

وإذا عادت ويليامز وويلمور في فبراير المقبل، كما هو مخطط، فإن إقامتهما المستمرة "لن تكون طويلة بشكل فريد".

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الرقم القياسي للاستمرار في الفضاء يحمله الروسي فاليري بولياكوف، الذي أمضى 438 يوماً في مهمة إلى محطة الفضاء الروسية Mir بين عامي 1994 و1995.

ماذا يعني هذا لـ"ستارلاينر" و"بوينج"؟ 

اعتبرت "فاينانشيال تايمز" أن قرار "ناسا" اللجوء إلى "سبيس إكس" لإعادة رائديْ الفضاء يمثل "انتكاسة مهينة لشركة بوينج"، مشيرة إلى أنه يتوج 8 أشهر صعبة على الشركة الأميركية التي تخضع لتدقيق دوري مكثف بشأن جودة وسلامة تصنيع طائراتها التجارية بعد انفجار لوحة باب الطائرة 737 Max في الجو في يناير الماضي".

وتعاني مشاريع الدفاع والفضاء التابعة لـ"بوينج" مالياً بدرجة كبيرة، ما أرجعته الصحيفة البريطانية من بين أسباب أخرى إلى العقود ذات الأسعار الثابتة مع "ناسا" ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاجون) إذ تكبدت هذه المشاريع خسائر بقيمة 1.7 مليار دولار في عام 2023.

ويعاني برنامج "ستارلاينر" نفسه من التأخر لعدة سنوات وتجاوز الميزانية، برغم أنه لا يُمثّل سوى جزء بسيط من إيرادات بوينج الإجمالية.

ويبقى القرار بشأن ما ينبغي عمله بحق البرنامج ومواصلة الاستثمار من عدمه بيد الرئيس التنفيذي الجديد كيلي أورتبيرج، الذي تولى منصبه خلال الشهر الجاري.

ماذا يعني هذا لرحلات الفضاء المأهولة؟

ومن غير المرجح، أن تتخلى "ناسا" عن "بوينج"، حيث صممت الوكالة برنامجها التجاري منذ عقد بهدف وجود شركتين أميركتين متنافستين لتأخذا روادها إلى الفضاء.

وبعد تقاعد أسطول مكوكات الفضاء، منحت "ناسا" شركتي "بوينج" و"سبيس إكس" عام 2014 عقوداً بأسعار ثابتة لنقل رواد الفضاء.

وفيما يتعلق بالشحن، تمتلك شركتا "سبيس إكس" و"نورثروب جرومان" عقوداً مع "ناسا"، لتوصيل الإمدادات إلى محطة الفضاء الدولية.

ولعبت "بوينج" على مدار تاريخها دوراً حاسماً في بعثات "ناسا" الفضائية المأهولة، بما في ذلك عمليات هبوط مركبات "أبولو" على سطح القمر.

وحصلت الشركة على عقد أولي بقيمة 4.2 مليار دولار من الوكالة الفضائية، مقارنة بعقد بقيمة 2.6 مليار دولار لشركة "سبيس إكس" في عام 2014، برغم حصول الشركة المملوكة لماسك على طلبات لاحقاً.

وعلى نطاق أوسع، تُظهر حالة "ستارلاينر" الاضطراب الذي يمكن أن تسببه الأعطال الميكانيكية حتى في مهمة قريبة من الأرض، وستتضاعف المخاطر التي تواجهها البعثات المتجهة إلى القمر، أو إلى المريخ، وقد تستغرق الرحلة الخارجية إلى الكوكب الأحمر 9 أشهر.

تصنيفات

قصص قد تهمك