كشفت شركة مايكروسوفت عن انخفاض عدد الأجهزة النشطة التي تعمل بنظام التشغيل "ويندوز" بمقدار 400 مليون جهاز خلال ثلاث سنوات ونصف فقط، في تراجع كبير يعكس تغيرات جوهرية في سلوك المستهلكين، وتراجع اعتمادهم على الحواسيب التقليدية لصالح الأجهزة المحمولة واللوحية.
الرقم المفاجئ جاء ضمن منشور مطول نُشر عبر مدونة الشركة الرسمية، يتناول تفاصيل خطط الدعم لما بعد انتهاء دعم "ويندوز 10"، حيث ذكرت الشركة أن "ويندوز" يشغّل حالياً أكثر من مليار جهاز نشط شهرياً.
ورغم أن التصريح بدا إيجابياً، إلا أن المقارنة بالبيانات السابقة تكشف فقداناً حقيقياً في قاعدة الأجهزة النشطة.
ففي تقريرها السنوي المنشور في يناير 2022، كانت مايكروسوفت قد أكدت عمل 1.4 مليار جهاز نشط بنظامي "ويندوز 10" و"ويندوز 11"، بعد أن كان العدد 1.3 مليار في العام الذي سبقه. وبذلك، فإن السوق فقد خلال الفترة من يناير 2022 وحتى يونيو 2025 ما يعادل أكثر من ربع القاعدة النشطة، أي ما يقارب 400 مليون جهاز.
وأشار موقع ZDnet، إلى أن الأرقام التي تنشرها مايكروسوفت في مثل هذه التقارير، لا تصدر عشوائياً أو بناءً على تقديرات أولية، بل تخضع لمراجعة قانونية دقيقة نظراً لتأثيرها على الأسواق المالية وأسعار أسهم الشركة، ما يعني أن انخفاض عدد الأجهزة إلى مليار لا يمكن اعتباره طارئاً أو هامشياً.
هذا التراجع الحاد يثير تساؤلات بشأن مستقبل سوق الحواسيب، ويعكس تحولات ملحوظة في سلوك المستخدمين، إذ أصبح كثيرون يفضلون الاعتماد على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية في إنجاز المهام اليومية، بدلاً من استبدال الحواسيب المكتبية أو المحمولة القديمة.
تغيرات ملموسة
وقبل جائحة فيروس كورونا، كانت المؤشرات تشير إلى انكماش سوق الحواسيب الشخصية، وهو ما ظهر جلياً في عام 2019، خاصة مع قرب انتهاء دعم "ويندوز 7"، ما دفع العديد من المؤسسات لتحديث أجهزتها، وحينها، استحوذ السوق المؤسسي على الحصة الأكبر، من خلال عقود ضخمة أبرمتها شركات كبرى مثل Lenovo وHP وDell لتزويد مئات الآلاف من الأجهزة دفعة واحدة، بحسب إحصائيات مؤسسة IDC البحثية لعامي 2017 و2018.
في المقابل، تراجع السوق الاستهلاكي بصورة لافتة، باستثناء فئتين: اللاعبين، والمحترفين من ذوي الدخل المرتفع الذين ما زالوا يحتاجون قدرات الحواسيب التقليدية أو أجهزة "ماك".
وكانت التوقعات آنذاك تشير إلى أن عام 2019 قد يكون آخر عام مستقر في مبيعات الحواسيب، إلى أن جاءت الجائحة.
وأدت جائحة فيروس كورونا إلى انتعاش مفاجئ في سوق الحواسيب، نتيجة التحول نحو العمل والدراسة عن بُعد.
وتشير التقديرات إلى أن المصنعين باعوا نحو 130 مليون جهاز إضافي خلال عامي 2020 و2021، مقارنة بما كان متوقعاً في سيناريو طبيعي.
ويرى محللون أن اضطرابات سلاسل التوريد حالت دون بيع المزيد من الأجهزة خلال تلك الفترة. لكن مع انحسار الجائحة، عادت السوق إلى مسارها التراجعي، ويُعتقد أن عام 2023 شكّل ذروة مبيعات الحواسيب في هذا العقد.
أجهزة "ماك" لم تسلم من التراجع
لم تكن حواسيب "ويندوز" وحدها المتأثرة، إذ تراجعت مبيعات أجهزة "ماك" التي تنتجها شركة أبل أيضاً بعد أن بلغت ذروتها عند أكثر من 40 مليار دولار في 2022، لتنخفض بنسبة تقارب 27% لاحقاً، بحسب مستندات رسمية للشركة.
ومن المقرر أن تنهي مايكروسوفت الدعم الرسمي لنظام "ويندوز 10" في 14 أكتوبر 2025، وهي خطوة تأمل الشركة أن تُحفّز موجة تحديث للأجهزة، خصوصاً بين المستخدمين المؤسسيين.
غير أن المخاوف تزداد من أن يقرر المستخدمون، لا سيما الأفراد، عدم استبدال أجهزتهم القديمة، ما قد يؤدي إلى انخفاض عدد الأجهزة النشطة إلى أقل من مليار، للمرة الأولى منذ سنوات.
إيرادات "ويندوز"
في السنوات الأخيرة، عملت "مايكروسوفت" على تنويع مصادر دخلها. حيث باتت إيرادات قسم Xbox تقارب ما يحققه "ويندوز"، فيما أصبحت خدمات Azure السحابية وترخيصات Microsoft 365 للمؤسسات، تمثل الركيزة الأساسية لعائدات الشركة.
ورغم أن مايكروسوفت كانت تشير خلال الفترة من 2013 إلى 2018 إلى أن عدد الحواسيب الشخصية في العالم يبلغ 1.5 مليار، إلا أن هذا الرقم بات محل شك في ضوء التغيّرات الأخيرة، إذ من المرجح أن معدل الإحلال (استبدال الأجهزة القديمة بجديدة) لم يعد يواكب معدل التقادم، ما يؤدي إلى تقلص قاعدة الحواسيب الفعلية.
ويؤكد محللون أن الأحداث الاستثنائية لعام 2020 (الجائحة)، عطّلت مؤقتاً هذا التوجه، لكن السوق استأنف مسار التراجع مجدداً بعد الجائحة، ما يثير تساؤلات حول مستقبل الحواسيب الشخصية في عصر تزداد فيه هيمنة الأجهزة المحمولة والسحابية.