في 21 يناير الماضي، وبعد أقل من 24 ساعة على توليه منصبه رسمياً، وقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب في قاعة روزفلت بالبيت الأبيض ليعلن إطلاق مشروع Stargate الذي يهدف إلى تعزيز الريادة الأميركية في مجال الذكاء الاصطناعي، وتوفير مئات الآلاف من فرص العمل، وتحقيق فوائد اقتصادية ضخمة على مستوى العالم.
هذا المشروع كان مقدمة لخطة شاملة أطلقتها إدارة ترمب في وقت لاحق، بشأن الذكاء الاصطناعي، ليس فقط من خلال امتلاك أقوى الأنظمة الذكية، بل عبر توظيفها بأساليب إبداعية تُحدث تحولاً جذرياً في الاقتصاد والخدمات العامة والأمن القومي، وتعكس الخطة رؤية الإدارة القائمة على دعم القطاع الخاص كمحرك أساسي للابتكار، في بيئة تنظيمية مرنة ومحفزة.
ترمب عندما أعلن عن "ستارجيت" كان إلى جانبه عدد من رؤساء كبرى الشركات التكنولوجية، بينهم سام ألتمان، الرئيس التنفيذي لشركة OpenAI، وماسايوشي سون، الرئيس التنفيذي لمجموعة SoftBank، ولاري إليسون، رئيس مجلس إدارة Oracle، والذين أعلنوا عزمهم ضخ استثمارات تصل إلى 500 مليار دولار لتأسيس البنية التحتية للذكاء الاصطناعي في الولايات المتحدة.
ويتمثل الشركاء الأساسيون في المشروع في شركات سوفت بنك التي تتحمل المسؤولية المالية، و OpenAI التي تتولى المسؤولية التشغيلية، بينما يشغل ماسايوشي سون منصب رئيس مجلس إدارة المشروع.
وبعد ساعات من الإعلان ارتفعت أسهم الشركات التكنولوجية إلى مستويات قياسية.
ما أهداف مشروع Stargate؟
تبلغ الاستثمارات الأولية للمشروع 100 مليار دولار لإنشاء مراكز بيانات ومنشآت لتوليد الطاقة، وسط توقعات بتوفير نحو 100 ألف وظيفة مباشرة وغير مباشرة في قطاع التكنولوجيا والبنية التحتية، وهو ما يعزز فرص عمل واسعة النطاق في مجالات متقدمة مثل هندسة الحوسبة والذكاء الاصطناعي.
ولا يقتصر المشروع فقط على دعم إعادة التصنيع في أميركا، بل يسعى أيضًا إلى توفير قدرة استراتيجية لحماية الأمن القومي للولايات المتحدة وحلفائها.
وبحسب OpenAI، فإن المشروع يحاول دفع عجلة واشنطن على مسار الذكاء الاصطناعي، وخاصة الذكاء الاصطناعي العام (AGI) – وهو مستوى من الذكاء الذي تكتسبه الأنظمة الرقمية ويضاهي الذكاء البشري - مع تأكيد أهمية هذه الخطوة كجزء أساسي من الطريق نحو المستقبل، وتمكين المبدعين من استخدام الذكاء الاصطناعي لرفع مستوى الإنسانية.
يعتمد المشروع على بناء مراكز بيانات ضخمة في ولايات مثل تكساس، حيث يجري بناء منشآت كبيرة الحجم تضم أحدث تقنيات الحوسبة والطاقة المصممة لدعم تدريب أنظمة الذكاء الاصطناعي المتقدمة، إلى جانب الدعم من شركات كبرى مثل NVIDIA في تصميم الرقائق، ومايكروسوفت في الحوسبة السحابية.
ستارجيت.. ورقة نفوذ في يد ترمب
يعتبر مشروع ستارجيت بمثابة بطاقة نفوذ قوية في يد ترمب، تساعده على تعزيز نفوذ واشنطن على الساحة الدولية، فبعد أشهر قليلة من تقديم المشروع، كشفت OpenAI النقاب عن قطاع جديد من المشروع يركز على التعاون مع الدول الحليفة للولايات المتحدة لإنشاء نسخة "ستارجيت" الحاصة بها، لتكون بمثابة البنية التحتية لتشغيل الذكاء الاصطناعي في تلك الدول.
ويهدف القطاع الجديد من المشروع إلى بناء شراكات متقدمة مع الحكومات حول العالم، لتعزيز سيادتها الرقمية وتمكينها من تشييد بنية تحتية قوية للذكاء الاصطناعي.
وتُمثل هذه المبادرة ركيزة أساسية في المشروع الأوسع، إذ تسعى OpenAI إلى تمكين دول عدة من تطوير قدراتها المحلية في هذا المجال الحيوي.
وتشمل المبادرة تعاونًا مباشرًا مع الحكومات لبناء مراكز بيانات آمنة داخل حدود الدول، ما يسهم في دعم سيادة البيانات الوطنية، ويفتح المجال أمام تنمية صناعات تكنولوجية محلية، ويُتيح استخدام الذكاء الاصطناعي بطريقة مخصصة وآمنة ومتوافقة مع الأنظمة القانونية المعمول بها في كل دولة.
وتسعى OpenAI إلى توفير نسخة محلية من ChatGPT للمواطنين في كل دولة شريكة، مصمّمة خصيصًا لتلبية الاحتياجات المحلية في مجالات الصحة والتعليم والخدمات العامة. هذه النسخ ستكون مدعومة باللغة المحلية، وتراعي الثقافة الوطنية، في إطار يحترم المعايير العالمية المستقبلية، ما يعزز فاعلية الذكاء الاصطناعي على المستوى المجتمعي.
وتولي الشركة اهتمامًا بالغًا لمعايير الأمان والسلامة، إذ تواصل استثمارها في تطوير نظم الحماية المرتبطة بمراكز البيانات والبنية الفيزيائية والبرمجية لتشغيل وحماية النماذج.
وتؤكد الشركة على أهمية احترام الحريات والحقوق الديمقراطية، وتدعو إلى تطوير آليات تشاركية عالمية تضمن توجيه الذكاء الاصطناعي بما يخدم المجتمعات بشكل عادل ومسؤول.
وتسعى المبادرة أيضًا إلى تأسيس صناديق قومية لدعم الشركات الناشئة في مجال الذكاء الاصطناعي، بالشراكة بين رؤوس أموال محلية وتمويل من OpenAI، بهدف خلق منظومات وطنية قوية تفتح المجال أمام فرص عمل جديدة، وشركات مبتكرة، وإيرادات تدعم النمو الاقتصادي محليًا.
وتستهدف الشركة ضم 10 دول أو أقاليم جغرافية كعملاء لخدمتها الجديدة خلال المرحلة الأولى من قطاع OpenAI for Countries، والبداية كانت مع إطلاق منصة Stargate UAE في الإمارات، بالتعاون مع الشركة الإماراتية G42، وأوراكل، وNVIDIA، وسيسكو، وSoftBank، في شراكة استراتيجية نُسّقت عن كثب مع الحكومة الأميركية.
ويشمل مشروع "ستارجيت الإمارات" استثمارات ثنائية، أبرزها إنشاء قوة حوسبة "Stargate UAE" في أبوظبي بقدرة 1 جيجاواط، منها 200 ميجاواط من المتوقع أن تدخل الخدمة في عام 2026.
ويتضمن المشروع شقًا استثماريًا من الجانب الإماراتي داخل الولايات المتحدة، في سياق الشراكة الأميركية الإماراتية لتسريع تبنّي الذكاء الاصطناعي، والتي أُعلن عنها خلال زيارة ترمب للإمارات، في مايو، بقيمة 1.4 تريليون دولار.
ويُنتظر أن يسهم المشروع في تمكين الإمارات من توظيف أدوات OpenAI في قطاعات حيوية مثل الحكومة والطاقة والرعاية الصحية والتعليم والنقل، بما يُسهم في تسريع الابتكار ودفع عجلة النمو الاقتصادي المستدام.
ومن المنتظر أن تكون الإمارات أول دولة في العالم تُوفر لمواطنيها إمكانية الوصول إلى ChatGPT على نطاق وطني شامل، في خطوة تُرسّخ ريادتها في تبنّي تقنيات الذكاء الاصطناعي. ويُتوقع أن توفر منصة Stargate UAE بنية تحتية للحوسبة الذكية ضمن نطاق يمتد لمسافة 2000 ميل، ما يُتيح لها إتاحة استخدام تلك القدرات الحاسوبية لما يقارب من نصف سكان العالم.
خطة لتوسيع المشروع عالمياً
وسعياً وراء البحث عن الوجهة التالية لمشروع "ستارجيت" بعد الإمارات، أجرى جايسون كوون، مدير OpenAI للتعاون الاستراتيجي، مباحثات مع مسؤولين في عدد من دول آسيا والمحيط الهادئ، بهدف جذب حكومات ومستثمرين محليين للمشاركة في تطوير مشروعات مراكز بيانات Stargate العملاقة، في كل من الهند، واليابان، وكوريا الجنوبية، وأستراليا، وسنغافورة، إلى جانب بحث إمكانية إطلاق مشروعات مماثلة في عدد من الدول الأوروبية، من بينها بريطانيا، وفرنسا، وألمانيا.
وبينما يواصل مشروع Stargate التمدد خارج حدود الولايات المتحدة، يبدو أن المبادرة لم تُصمم فقط لتكون استثمارًا تقنيًا ضخمًا، بل أداة استراتيجية في يد واشنطن لاستعادة موقعها في صدارة مشهد الذكاء الاصطناعي العالمي، إذ يسعى ترمب إلى إعادة تكريس الريادة الأميركية عبر تحالفات دولية تُمكّن الحلفاء من الوصول إلى بنية تحتية متقدمة، مع الحفاظ على مركز التحكم في قلب الولايات المتحدة.