"أبل" و"ميتا" تواجهان توغل شركات التجسس في إدارة ترمب

صورة توضيحية تظهر شعار مجموعة NSO الإسرائيلية على شاشة هاتف ذكي. 4 مايو 2022 - REUTERS
صورة توضيحية تظهر شعار مجموعة NSO الإسرائيلية على شاشة هاتف ذكي. 4 مايو 2022 - REUTERS
القاهرة -الشرق

تعهدت شركتا "أبل" و"واتساب" التابعة لشركة "ميتا بلاتفورمز" بمواصلة تحذير مستخدميهما حول العالم، بما في ذلك داخل الولايات المتحدة، في حال استهداف هواتفهم من قِبَل حكومات تستخدم برمجيات تجسس متطورة ضدهم، وذلك في ظل تحركات شركتي Paragon Solutions وNSO Group، وهما من أبرز الشركات الإسرائيلية المطورة لبرمجيات التجسس، لتعزيز حضورهما داخل السوق الأميركية عبر علاقات متنامية مع إدارة الرئيس دونالد ترمب.

وجاءت تصريحات الشركتين رداً على استفسارات من صحيفة "الجارديان" البريطانية، بعدما كثّفت شركتا برمجيات تجسس - تأسستا في إسرائيل، وتملكهما حالياً جهات استثمارية أميركية - تحركاتهما لدخول السوق الأميركية بعد سنوات من الحظر والملاحقة القانونية.

"صفقة باراجون"

وكشفت الصحيفة البريطانية أن شركة "باراجون سوليوشنز"، المطورة لبرنامج التجسس الشهير Graphite، أبرمت اتفاقاً في سبتمبر الماضي مع إدارة ترمب، يمنح وكالة الهجرة والجمارك الأميركية (ICE) حق الوصول إلى واحدة من أكثر أدوات القرصنة تعقيداً في العالم.

ويأتي الاتفاق بعد أن قررت وزارة الأمن الداخلي الأميركية رفع التجميد عن عقد تبلغ قيمته مليونَي دولار، كان قد عُلّق في عهد إدارة الرئيس السابق جو بايدن، بانتظار مراجعة قانونية حول توافقه مع أمر تنفيذي أصدره البيت الأبيض في مايو 2023، يحظر استخدام برمجيات تجسس أجنبية في حال كانت تشكل تهديداً للأمن القومي، أو ارتُكبت عبرها انتهاكات لحقوق الإنسان.

وبحسب مصادر مطلعة، كانت Paragon قد دخلت في اتفاق أوّلي مع وكالة الهجرة في عام 2024، في عهد إدارة بايدن، إلا أن الصفقة مرت دون ملاحظة البيت الأبيض حتى كُشف عنها لاحقاً عبر تقارير لمجلة Wired. وبعد مراجعة الأمر التنفيذي، تم تعليق العقد مؤقتاً، قبل أن تُعيد إدارة ترمب تفعيله هذا العام، لتفتح الباب أمام استخدام أداة Graphite على الأراضي الأميركية.

ورفضت الشركة الإسرائيلية الرد على طلبات التعليق من الصحيفة البريطانية، في حين عبّر أعضاء في الكونجرس عن قلقهم من تداعيات هذا الاتفاق.

وقال السيناتور الديمقراطي رون وايدن، العضو في لجنة الاستخبارات، إن "استخدام وكالة ICE لبرامج التجسس وتقنيات التعرف على الوجه يزيد المخاوف من انتهاكات لحقوق الأميركيين"، مضيفاً أن الوكالة "تمارس سياسات تخرق الإجراءات القانونية وتضر بالأبرياء".

فضائح Graphite في أوروبا

وحتى مطلع عام 2025، لم تكن Paragon قد تورطت في أي فضائح تجسس كبرى، على عكس شركة NSO Group التي أُدينت سابقاً باستخدام برنامجها Pegasus ضد صحافيين ونشطاء حول العالم.

لكن في يناير 2025، أعلنت "واتساب" أنها رصدت هجوماً رقمياً استهدف نحو 90 شخصاً، بينهم صحافيون ونشطاء من المجتمع المدني في أوروبا، باستخدام برنامج Graphite التابع لـ Paragon.

ووفقاً لتقارير إعلامية، جرى استهداف عدد من الصحافيين ورجال الأعمال والمدافعين عن حقوق الإنسان في إيطاليا، بينهم الرئيس التنفيذي لأحد أكبر المصارف في البلاد.

وأشارت التحقيقات إلى أن أجهزة حكومية إيطالية استخدمت البرنامج بشكل جزئي، بينما نفت حكومة رئيسة الوزراء جورجيا ميلوني مسؤوليتها المباشرة عن عمليات الاختراق.

ووصف رئيس الوزراء الإيطالي الأسبق ماتيو رينزي القضية بأنها "فضيحة ووترجيت الإيطالية"، مشيراً إلى أن "استخدام برنامج تجسس بهذه القوة ضد صحافيين أمر لا يمكن تبريره في أي نظام ديمقراطي".

وبعد انكشاف القضية، أنهت Paragon علاقتها مع الحكومة الإيطالية، متهمة إياها بانتهاك شروط الاستخدام التي تحظر استهداف أفراد المجتمع المدني أو الصحافيين.

عودة NSO إلى الواجهة

في موازاة تحركات Paragon، أعلنت شركة NSO Group – التي سبق أن اتهمتها إدارة بايدن في عام 2021 بالقيام بأنشطة "مخالفة للأمن القومي والمصالح الخارجية للولايات المتحدة" – عن تعيين ديفيد فريدمان، السفير الأميركي السابق لدى إسرائيل خلال ولاية ترمب الأولى، رئيساً تنفيذياً لمجلس إدارة الشركة القابضة التي تملك NSO.

وتأتي هذه الخطوة بعد انتقال ملكية الشركة إلى مستثمرين أميركيين، من بينهم المنتج السينمائي المعروف روبرت سيموندز، في إطار عملية إعادة هيكلة تهدف إلى إعادة تأهيل الشركة ورفع العقوبات الأميركية المفروضة عليها.

وقال فريدمان، في اتصال هاتفي من إسرائيل مع "الجارديان"، إنه "يأمل في رفع العقوبات المفروضة على NSO"، لكنه أوضح أنه لم يتحدث بعد مع الرئيس ترمب بشأن هذا الموضوع، معتبراً أن "الوقت ما زال مبكراً لاتخاذ خطوات رسمية في هذا الاتجاه".

وكانت الشركة قد تلقت ضربة قضائية جديدة في أكتوبر الماضي، حين قضت محكمة أميركية لصالح واتساب بعد معركة قضائية استمرت ست سنوات، إذ أصدرت حكماً يمنع NSO بشكل دائم من استهداف مستخدمي تطبيق التراسل حول العالم.

ما الذي تفعله برامج التجسس؟

كل من Graphite وPegasus يمثلان ذروة التطور في تقنيات التجسس الرقمي، فهذه البرمجيات قادرة على اختراق أي هاتف ذكي دون علم المستخدم، وتتيح لمن يتحكم بها قراءة الرسائل النصية، وسماع المكالمات، وتتبع الموقع الجغرافي، وتشغيل الكاميرا أو الميكروفون عن بُعد.

وقالت الشركتان إن برامجهما صُممت لاستخدامها فقط في "مكافحة الجرائم الخطيرة والإرهاب"، إلا أن تقارير حقوقية عديدة – من بينها دراسات صادرة عن Citizen Lab في جامعة تورونتو – أكدت أن هذه البرمجيات استُخدمت في استهداف صحافيين ومعارضين سياسيين ونشطاء حول العالم.

رد رسمي

أكدت أبل في بيان رسمي أن "إشعارات التهديد تهدف إلى تنبيه المستخدمين الذين قد يكونون تعرّضوا لهجمات من برمجيات تجسس مرتزقة، ولا يُؤخذ الموقع الجغرافي في الاعتبار عند إرسال هذه الإشعارات".

من جانبها، قالت واتساب إن "أولوية الشركة هي حماية المستخدمين من خلال تعطيل محاولات الاختراق وبناء طبقات حماية جديدة، وتنبيه الأفراد الذين تعرضت أجهزتهم لمحاولات تجسس، أينما كانوا حول العالم".

قلق أمني متصاعد

وأشار جون سكوت-رايلتون، الباحث البارز في Citizen Lab، إلى أن انتشار برامج التجسس التجارية يمثّل "تهديداً عالمياً صامتاً"، مضيفاً أن "الولايات المتحدة ليست جاهزة بعد لمواجهة هذا النوع من التهديدات داخل حدودها، ولا المستشفيات أو المحامون أو القضاة أو الصحافيون أو حتى المواطنون العاديون".

وأضاف الباحث: "آخر ما تحتاجه أميركا الآن هو وباء صامت من التجسس الإلكتروني".

أما كريستوفر راي، المدير السابق لمكتب التحقيقات الفيدرالي (FBI)، فقد أكد أمام الكونجرس أن المكتب اختبر برنامج Pegasus التابع لـ NSO لكنه قرر في النهاية عدم استخدامه، بسبب التعقيدات القانونية المتعلقة باستخدام أدوات تجسس أجنبية ضد مواطنين أميركيين.

تصنيفات

قصص قد تهمك