بات بإمكان أيّ شخص، بمجرد التقاط صورة "سيلفي" ذاتية بسيطة لنفسه، أن يجسّد الشخصية الشهيرة التي يحلم بأن يتقمصها، بفضل تطبيقات "Deep Fake" (التزييف العميق) القائمة على الذكاء الاصطناعي، والتي يتوقع أن تُحدِث ثورة في صناعتَي الترفيه والإعلام.
في نهاية 2020، لجأ مسلسل "بلو بل لا في" الفرنسي إلى "Deep Fake"، وهي حيلة رقمية لها طابع شديد الواقعية تتمثل في استبدال وجه بآخر، للتعويض عن غياب إحدى ممثلاته بسبب احتكاكها بشخص مصاب بفيروس كورونا، من دون أن يتنبه المشاهدون إلى شيء، حتى أولئك منهم الأكثر شغفاً بالمسلسل.
ويسعى عدد من التطبيقات إلى إحداث ثورة في إنشاء المحتوى، سواء على الشبكات الاجتماعية أو في الإنتاج السمعي البصري، من خلال تقنية تركيب الصور المتطورة هذه القائمة على الذكاء الاصطناعي.
تطبيق "ريفايس"
باستخدام صورة شخصية بسيطة، يحلل تطبيق "ريفايس" ملامح وجه المستخدم لتركيبها على الشخصية التي يختارها في مشاهد متحركة من نوع "GIF" تتسم بدقة كبيرة.
ويتيح ذلك مثلاً لأي معجب بشخصية هاري بوتر أن "يرتدي" ملابس الساحر الشاب ثم يستولي على جسم دواين جونسون المفتول العضلات في ثوانٍ قليلة. وأُطلق تطبيق "ريفايس" في يناير 2020 ، وتم تنزيله حتى الآن أكثر من 180 مليون مرة.
وذكّر المؤسس المشارك للتطبيق إيفان ألتسيبييف، على هامش قمة "ويب ساميت"، الحدث الرقمي السنوي الكبير الذي يقام في العاصمة البرتغالية لشبونة، أن "تيك توك احتاج إلى 31 شهراً و"سناب تشات" إلى 28 شهراً لتجاوز عتبة المئة مليون تحميل".
قدرات غير محدودة
نظراً إلى إدراك رجل الأعمال الأوكراني مدى قدرة "Deep Fake" غير المحدودة، يتوقع أن تفتح هذه التقنية الطريق إلى مستقبل "تكون فيه كل أنواع المحتوى ذات طابع مشخصن" وخصوصاً في السينما أو المسلسلات التلفزيونية.
وتابع قائلاً "تخيل أن تُعرَض حلقة جديدة (من مسلسل) ويظهر فيها صديقك أو تكون فيها أنت"، مستشهداً بحلقة "باندر سناتش" من مسلسل "بلاك ميرور"، حيث يمكن للمشاهد المشاركة "في استهلاك تفاعلي للمحتوى".
وفي مؤشر إلى الاهتمام المتزايد من استوديوهات الإنتاج في هوليوود بهذه التقنية، ضمت شركة "لوكاس فيلم" إلى صفوفها في يوليو الفائت مستخدم "يوتيوب" خبيراً في "ديب فايك" يدعى شاموك، بعدما أبهر الجمهور بتعديل مشهد في الموسم الثاني من مسلسل "ذي ماندالوريان".
وهذا المسلسل التلفزيوني المنبثق من عالم "حرب النجوم" وتدور أحداثه بعد خمس سنوات من زمن قصة فيلم "ريتورن أوف ذي جيداي" الذي عرض عام 1983، ينتهي بالظهور المفاجئ للممثل مارك هاميل في إطلالة يبدو فيها شاباً ليتولى مجدداً دور لوك سكاي ووكر.
وأعدّ شاموك نسخة من هذا المشهد كهاوٍ، اعتبر كثيرون من مستخدمي الإنترنت أنها أفضل من المشهد الأصلي في المسلسل الذي عرضته "ديزني".
وأوضحت الشركة آنذاك أنها "استثمرت مدى السنوات الأخيرة في تقنيتي التعلم الآلي والذكاء الاصطناعي كوسيلة لإنتاج تأثيرات خاصة مقنعة"، معتبرة أنه "من المدهش رؤية الزخم يتراكم مع تقدم التكنولوجيا".
تحدي الأخبار الكاذبة
ولكن رغم هذه الاحتمالات الجديدة التي يوفرها "ديب فايك"، لا يزال مرتبطاً بنشر أخبار كاذبة على الإنترنت إذ يمكن استخدام "التزييف العميق" لخداع مستخدمي الإنترنت أو للتشهير من خلال جعل أشخاص يقولون أو يفعلون ما لم يصدر عنهم فعلياً.
فعلى سبيل المثال، انتشر على نطاق واسع في الصيف الفائت مقطع فيديو يوحي بأن رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن تدخن الكوكايين، إلا أن الحقيقة هي أن وجه المسؤولة رُكّب على وجه مستخدمة "يوتيوب" في مشاهد أصلية التُقطت عام 2019.
وتعمل شركات الإنترنت العملاقة الرئيسية على إعداد تقنيات تتيح احتواء هذه الظاهرة. وكشف علماء من "فيسبوك" في يونيو الفائت عن طريقة من شأنها أن تسمح، بفضل الذكاء الاصطناعي، بالتخلص من "التزييف العميق" وكذلك تحديد مصدره.
كذلك ابتكرت "مايكروسوفت" العام الفائت برنامجاً يمكن أن يساعد في تحديد "التزييف العميق" للصور أو مقاطع الفيديو، بينما وفرت "جوجل" في نهاية 2019 للباحثين الذين يرغبون في تطوير طرق لاكتشاف الصور المتلاعب بها آلاف النماذج من "التزييف العميق" أعدتها فرقها.