لم يكن مصطلح "ميتافيرس" جديداً بالنسبة للمطلعين على مجال التقنيات الحديثة وعالم الكمبيوتر عندما ذكره مارك زوكربيرج، لكنه اكتسب زخماً كبيراً بعد ذلك، إذ يعتبر إعلان مؤسس فيسبوك تغيير اسم شركته إلى "ميتا" إحدى العلامات الفارقة في 2021.
باتت الشركة الأم التي تضم فيسبوك وإنستجرام وواتساب تحمل اسماً مشتقاً من ذلك العالم، في إطار تحول يريده زوكربيرج كاملاً نحو ما يعرف بـ"ميتافيرس"، بعيداً عن الشكل الذي نعرفه اليوم لوسائل التواصل الاجتماعي.
زوكربيرج سبق أن قال إنه يرغب في أن ينتشر استخدام "ميتافيرس" بحيث يستعمره مئات الملايين من المستخدمين، وبالطبع فإن ما يهم مؤسس فيسبوك هو خلق فرص ضخمة للتسويق والإعلانات تدر على شركاته مليارات الدولارات.
وأضاف أنه يرى أن هذه التكنولوجيا ستكون "وريثة إنترنت الهاتف المحمول"، ووضع خطة تقوم خلالها فيسبوك بتوظيف 10 آلاف شخص في أوروبا خلال السنوات الـ5 المقبلة بهدف تحويل "ميتافرس" إلى حقيقة.
من أين جاءت الفكرة؟
على الرغم من أن كلمة "ميتافيرس" تحمل معاني مرتبطة بالمستقبل، إلا أن أصلها يعود إلى الماضي، وتحديداً إلى عام 1992، إذ استخدمها للمرة الأولى المؤلف نيل ستيفنسون في روايته "تحطم الثلج" (Snow Crash).
الفكرة بشكلها البدائي، رأيناها في "Second Life" وهي لعبة عالم افتراضي ثلاثي الأبعاد، ظهرت على الإنترنت عام 2003، وتتلخص الفكرة في أن يكون لكل مستخدم صورة تشخيصية "Avatar" تمثله، ويعيش في عالم افتراضي، يتعرف إلى أشخاص آخرين، ويعيش "حياة ثانية".
هذه الخاصية كانت موجودة لكن ما كان غائباً هو تقنيات الواقع الافتراضي الحديثة والواقع المعزز وإمكانية دخول المستخدم بحواسه كلها في اللعبة، بدلاً من مشاهدتها على شاشة الكمبيوتر.
على مر العقود الماضية، كانت هناك روايات عديدة وأفلام كثيرة تحدثت عن إمكانية أن نعيش حياة موازية، تكون جزءاً من عالم تمت برمجته من خلال أجهزة كمبيوتر متطورة، تراعي أدق التفاصيل، بحيث تجعلنا غير قادرين على التمييز بين ما هو حقيقي في عالمنا الواقعي، وبين ما هو افتراضي في الكون الذي برمجته مجموعة من الـ Geeks.
فيلم الخيال العلمي “Surrogates”، الذي أُنتج عام 2009، قدم لمحة عن تكنولوجيا الخطوة الكبيرة القادمة في عالم الإنترنت، ومنها توفر إمكانية ابتكار شخصية خاصة بنا، بهوية جديدة، ووظيفة نحددها نحن، وأسلوب حياة نختاره، نعيشها في عالم آخر خارج إطار واقعنا، عالم يضم خيار المشاركة في ألعاب إلكترونية، التسوق في محلات تجارية، التعرف إلى آخرين، ويسمح للمستخدم أيضاً بأن يجني أموالاً يمكنه الاستفادة منها في العالمين، الحقيقي و"الكمبيوتري".
"ميتافيرس" يختلف عما نعرفه اليوم بصيغة الواقع الافتراضي، فهو سيكون عالماً يربط الافتراضي بالواقع المعزز Augmented Reality، ما سيمكّن الـ Avatars من التحرك بحرية من نشاط إلى آخر في ذلك العالم، كما شاهدنا في فيلم Free Guy هذا العام.
كيف تصبح جزءاً من الميتافيرس؟
الدخول إلى "ميتافيرس" لن يختلف كثيراً عن عملية Login عادية تقوم بها كل يوم، عبر التسجيل في المرة الأولى، بإدخال معلوماتك الشخصية، وباسوورد، أو بصمة أصبع مثلاً، لكنك لن تفعل ذلك من أمام شاشة كمبيرتر، بل باستخدام خوذة أو نظارة واقع افتراضي VR Headset مزودة بآلية لتتبع الحركة، مثل جهاز "ميتا" Facebook Wristband.
وكما هو الحال مع الإنترنت اليوم، فإن "ميتافيرس"، لن يكون تقنية واحدة يتم تشغيلها في لحظةٍ ما، بل سيكون نظاماً بيئياً Ecosystem متكاملاً، يتم بناؤه تدريجياً وتكوين عناصره بمرور الوقت، من قبل شركات عديدة يتخصص كل منها بتقنيات معينة، بحيث تكون عناصر النظام البيئي تلك، مترابطة ومتوافقة في ما بينها، وقابلة للتشغيل المتبادل.
الرئيس التنفيذي لشركة "مايكروسوفت"، ساتيا ناديلا، قال إن شركته تعمل على بناء "ميتافيرس" موجه لقطاع الأعمال، فيما أعلنت شركة "Epic Games" عن تمويل بقيمة مليار دولار لدعم طموحاتها في هذا المجال.
المتخصص في رأس المال الاستثماري، ماثيو بول، ساعد في إطلاق صندوق متداول في البورصة حتى يتمكن الجميع من الاستثمار في مساحة تكون مخصصة لـ"ميتافيرس"، وهو ما قامت به شركات مثل "Nvidia" ومنصة الألعاب "Roblox".
الدور الصيني
الشركات الصينية، بالطبع، لن تترك هذه الفرصة من دون العمل على التقدم فيها والمنافسة بشكل قوي، لذلك أعلنت شركة "Roblox" الأميركية المتخصصة في الألعاب الإلكترونية، والمعروفة بأنها رائدة في "ميتافيرس" توقيع اتفاقية شراكة استراتيجية مع شركة "Tencent" الصينية التي تعد أكبر بائع ألعاب إلكترونية في العالم، للمساعدة على دعم الجيل القادم من "المبدعين الصينيين".
وبدأت شركة "بايت دانس" المالكة لتطبيق الفيديوهات القصيرة "تيك توك" استثمار أكثر من 15 مليون دولار في الشركة الأميركية، فيما تخطط الشركات الصينية لإنشاء نسخة خاصة بها من عالم الواقع الافتراضي.
اليوم، هناك لمحات من "ميتافيرس" بدأت الظهور، مثل خاصية الواقع الافتراضي ومحاكاة حركة الرأس والعينين في التعامل مع النسخة الجديدة من برنامج محاكي الطيران Flight Simulator الذي تصدره "مايكرسوفت"، فالمستخدم بات قادراً على النظر في أي اتجاه داخل كابينة الطيار وكأنه موجود فعلياً فيها.
وتتضمن البنية التحتية لـ"ميتافيرس" أنواعاً مختلفة من شبكات الاتصال من الجيل الخامس 5G أو حتى 6G، إضافة إلى تقنيات الواقع الافتراضي، الواقع المعزز، واي فاي بأحدث إصدارتها، أجهزة قابلة للارتداء، نظارات، ساعات، أساور، فضلاً عن وجود استخدامات البلوك تشين، والـ cloud computing وedge computing وغير ذلك.