أبدى مارك زوكربيرغ، الرئيس التنفيذي لشركة "فيسبوك"، قلقه من قدرة شركة "أبل" على السيطرة والتأثير على تطبيقات التواصل الاجتماعية، بعد تصريحات سابقة أدلى بها تيم كوك، الرئيس التنفيذي للشركة في عام 2018، إذ يرى أن ذلك يهدد وجود "فيسبوك".
وقال كوك في تصريحات لقناة "إم.إس.إن.بي.سي" الأميركية في أبريل 2018 إن شركته "تضع معايير حيال سياسة الخصوصية وتهتم بذلك في متجر أبل"، وعند سؤاله عن شركة "فيسبوك" تحديداً، أجاب كوك: "أتمنى ألا أكون في هذا الموقف (فيسبوك)".
وتواجه "فيسبوك" اتهامات تتعلق بـ"سياسة جمع البيانات" التي طالما انتقدها كوك بشكل غير مباشر، إذ تسعى "أبل" لتطبيق "إشعارات الخصوصية" التي يعتقد الكثيرون في صناعة الإعلان الرقمي أنها ستؤدي إلى رفض بعض المستخدمين السماح باستخدام أدوات استهداف الإعلانات.
ووفقاً لصحيفة "وول ستريت جورنال"، وضعت "أبل" نفسها في قالب "حماية الخصوصية الرقمية"، ودائماً ما توجه انتقادات لاذعة لـ"فيسبوك" بشكل غير مباشر، فيما ترى "فيسبوك" أن "أبل" تجاوزت حدودها في نهج يهدد وجودها .
"اتهامات متبادلة"
أواخر الشهر الماضي، اندلعت مواجهات بين عملاقي التكنولوجيا الأميركيين، كشفت العداء المتأجج بين قادتهما الذين تبادلوا اتهامات حول الخصوصية وأدوات تتبع التطبيقات، ورؤيتهما المتناقضة حول مستقبل الإنترنت.
وخلال المناظرة، أعلنت "أبل" عن أداة خصوصية جديدة تخطط لطرحها، تُقيّد بطريقة ما قدرة "فيسبوك" على جمع بيانات المستخدمين، حيث اتهم زوكربيرغ "أبل" باستخدام نظامها الأساسي للتدخل في كيفية عمل تطبيقات "فيسبوك".
من جهته، دان كوك، من دون تسمية "فيسبوك"، "نظريات المؤامرة التي أحدثتها الخوارزميات في تطبيقات التواصل الاجتماعي، وجاء ذلك بعد أيام من اندلاع أحداث الشغب في مبنى الكابيتول الأميركي في 6 يناير الماضي.
"رؤى مختلفة"
ولدى الشركتين رؤى مختلفة، في حين تستخدم "فيسبوك" التفاصيل الدقيقة لمستخدمي تطبيقاتها لاستثمارها، تسعى "أبل" إلى جذب المستخدمين لعالم الأجهزة والتقنية المتطورة وتسوّق نفسها كـ"شركة تركز على الخصوصية".
ووفق خبراء أميركيين، ستقود حرب الاتهامات في النهاية إلى المحاكم والهيئات التنظيمية، إذ تدافع كلتا الشركتين عن أنفسهما ضد تحقيقات "مكافحة الاحتكار"، ومن المتوقع أن تؤثر تلك القرارات القانونية المحتملة على مئات الملايين من هواتف المستهلكين في السنوات المقبلة.
وقالت داني ليفر، الناطقة باسم "فيسبوك"، إن "الاختيار بين الخدمات الشخصية والخصوصية كان مقايضة خاطئة، وإن فيسبوك يوفر كلتيهما"، مضيفة: "هذا لا يتعلق بشركتين فقط، بل بمستقبل الإنترنت المجاني".
وأكدت أن "الشركات الصغيرة ومطوّري التطبيقات والمستهلكين يخسرون بموجب قواعد أبل الجديدة"، لافتة إلى أن "أبل" تدّعي اتباعها مبدأ الخصوصية ولكنها في الواقع تسعى للربح فقط.
ونفت أن يكون الخلاف بين الشركتين شخصياً، وقالت إن "فيسبوك تقف عمداً في مواجهة أبل نيابة عن الشركات والمطوّرين المتضررين من السياسة الجديدة". ورفض متحدث باسم شركة "أبل" الرد على التعليقات.
وقال السيناتور الجمهوري مايك لي، من اللجنة الفرعية لمكافحة الاحتكار في مجلس الشيوخ: "يكمن هذا الخلاف في العلاقة بين الخصوصية ومكافحة الاحتكار. لا نريد أن نفرض تنظيماً ينتهي به الأمر إلى حماية أصحاب المناصب وترسيخ الاحتكارات".
تباين كبير
ويختلف الرئيسان التنفيذيان اختلافاً كبيراً من حيث الشخصية، إذ إن زوكربيرغ يروّج لنهاية الخصوصية كقاعدة اجتماعية، فيما يُعَد كوك رجلاً شديد الخصوصية ارتقى في الشركة كمتخصص في لوجستيات سلسلة التوريد.
وبنى زوكربيرغ سياسة شركته على مفهوم الانفتاح الجذري، وهو مصمم على إبقاء الشركة في قلب الاتصال العالمي، مع خدمات مجانية مدعومة بالإعلانات المستهدفة.
وقال بعض الأشخاص المطلعين في تصريحات للصحيفة إن زوكربيرغ "أخذ تصريحات كوك على محمل شخصي، مما يشتت انتباهه في وقت تخوض فيه شركته معارك أخرى كثيرة في الولايات المتحدة وخارجها حول مكافحة الاحتكار والاعتدال في المحتوى".
ويخطط كوك، النائب السابق لستيف جوبز المؤسس المشارك لـ"أبل"، لتكوين تجربة للمستخدمين خالية مما يصوره على أنه "تتبع جائر"، إذ يسعى لتطبيق سياسة جوبز في حماية الخصوصية من خلال بيع أجهزة iPhone وiPad وأجهزة الكمبيوتر، وليس الإعلانات.
صراع الأرباح
وتتنافسان الشركتان بشكل متزايد وجهاً لوجه في بعض المجالات، مع احتمال وصول مبيعات iPhone إلى ذروتها، لذا دفع كوك شركته إلى تطوير الخدمات الرقمية.
ويتنافس نظام الدردشة iMessage الخاص بـ "أبل" على جذب انتباه المستخدمين بدلاً من تطبيقات "واتساب" ونظام الدردشة الخاص بـ "فيسبوك"، إذ تستثمر كلتا الشركتين في أنظمة المدفوعات.
وتتلقى "أبل" مليارات الدولارات سنوياً من "غوغل"، التابعة لشركة "ألفابيت"، لجعل عملاق البحث محرك البحث الافتراضي على متصفح "سفاري"، فيما تستمد "غوغل" أرباحها إلى حد كبير من جمع البيانات عن المستخدمين، وهو ما انتقده كوك وغيره من كبار مسؤولي "أبل" بشدة.
وحدد زوكربيرغ شركة "أبل" علناً باعتبارها "واحدة من أكثر المنافسين لشركته"، وقال في أواخر يناير الماضي: "لدى أبل كل الحافز لاستخدام موقعها المهيمن على النظام الأساسي للتدخل في كيفية عمل تطبيقاتنا وتطبيقاتنا الأخرى".
وكانت "أبل" صعّدت من ضوابط الخصوصية الخاصة بها، وتستعد لطرح ميزة جديدة هذا الربيع ستسمح للمستخدمين بالحد من قدرة التطبيقات على تتبع ما يفعلونه على هواتفهم.