النقل الآني للمعلومات.. خطوة جديدة نحو "الإنترنت الكمي"

باحثون بجامعة ديلفت الهولندية خلال تشغيل أحد النقاط الثلاث داخل نظامهم الكمي - QuTech
باحثون بجامعة ديلفت الهولندية خلال تشغيل أحد النقاط الثلاث داخل نظامهم الكمي - QuTech
القاهرة-الشرق

في خطوة جديدة نحو الإنترنت الكمي، طور باحثون هولنديون تقنية جديدة باسم "الانتقال الكمي الآني" أو (Quantum Teleportation)، لنقل البيانات بين 3 مواقع جغرافية بعدما كانت مقتصرة على موقعين.

بحسب ما نشره موقع مجلة "Nature"، فإن التقنية الجديدة، التي طورها باحثون من "جامعة ديلفت التقنية" من المرجح أن تغير بشكل جذري طريقة نقل البيانات من مكان لآخر، في خطوة جديدة نحو عصر الإنترنت الكمي.

الحوسبة الكمية

خلال السنوات الخمس الأخيرة، فرض مصطلح "الحوسبة الكمية Quantum Computing" نفسه بقوة على اهتمام الباحثين والشركات التقنية، باعتبارها فرصة ذهبية للوصول إلى مستويات متقدمة من معالجة البيانات شديدة التعقيد، خلال أقل وقت ممكن.

الحواسيب الكمية تختلف عن الحواسيب الشخصية التقليدية في المنازل والشركات في الوقت الحالي، فالأخيرة تعتمد على لغة رقمية قائمة على وحدة قياس "Bit"، وهي أصغر وحدة لقياس حجم البيانات حالياً، وهذا "البت" يحمل قيمة من اثنتين، إما صفر أو 1، ولا يمكنها أن تحمل القيمتين معاً.

سوندار بيتشاي، المدير التنفيذي لشركة جوجل، بجوار حاسوب الشركة الكمي - Google
سوندار بيتشاي، المدير التنفيذي لشركة جوجل، بجوار حاسوب الشركة الكمي - Google

أما على مستوى الحواسيب الكمية، فإن البيانات في تلك الحالة تقاس بوحدة "كيوبت Qubit"، وتلك الوحدة يمكنها أن تحمل قيمة واحدة، 0 أو 1، أو تحمل القيمتين معاً في الوقت ذاته، وهذا هو سر قوة تلك الحواسيب، لقدرتها على معالجة بيانات ضخمة خلال ساعات قليلة، بينما قد يستغرق أقوى حاسوب تقليدي سنوات طويلة لمعالجتها.

يُذكر أن شركة جوجل أعلنت في 2019 أنها تمكنت من الوصول إلى مرحلة تُعرف باسم "السيادة الكمية Quantum Supermacy"، التي تعكس من خلالها أن حاسوبها الكمي تمكن من حل مشكلات وأداء مهام رقمية تعجز الحواسيب التقليدية عن أدائها، إلا أن الباحثين في ذلك الوقت انتقدوا الشركة الأميركية مؤكدين أن العالم ما يزال بعيدا عن تلك المرحلة بسنوات طويلة.

ما هي ميكانيكا الكم؟

لكي نتمكن من إدراك فكرة التقنية الجديدة، لابد في البداية من التوقف أمام مصطلح ميكانيكا الكم والتي تعتبر هي جوهر التقنية الجديدة.

ميكانيكا الكم هي علم من علوم الفيزياء، وهو متخصص في دراسة سلوك جزيئات المادة والضوء، على المستوى الذري ودون الذري، فأبعاد تلك الجزيئات تُقاس بالنانومتر أو أصغر من ذلك.

الجسيمات التي تهتم ميكانيكا الكم بدراستها مثل البروتونات والنيترونات والإلكترونات، وكذلك الفوتونات، وهي جزيئات الضوء.

والفوتونات هي الجزيئات التي استخدمها الفريق البحثي خلال تجربته المعملية، والتي أثبت من خلالها مدى عملية إرسال البيانات بواسطة تكوين نظام كمي ضخم يتكون من أنظمة كمية موزعة في مواقع مختلفة.

أسلوب "التشابك"

أوضح الباحثون أن جزءاً كبيراً من التحدي الذي واجههم خلال تجربتهم هو أن جزيئات البيانات داخل الأنظمة الكمية، والمقصود هنا "الكيوبت"، تنكسر بمجرد قراءة البيانات المخزنة بداخلها، وهي حالة تُعرف باسم Decoherence، وعندها تفقد "الكيوبتات" قدرتها على تخزين بيانات متعددة، وتكون قادرة فقط على تخزين حالة واحدة للبيانات، إما 0 أو 1، فحالها يصبح كالـ"بيتات" التقليدية.

لذلك لجأ الباحثون إلى تطوير أسلوب جديد لحل تلك المشكلة، وهو أسلوب "التشابك Entanglement "، الذي يعتمد على بناء نظام ضخم مكون من شبكات كمية متعددة، بحيث يمكن نقل البيانات بين أرجائها بسهولة، وذلك اعتماداً على ميزة مزامنة التغييرات التي تحدث في حالة جزء من هذا النظام، بحيث يتم تطبيق تلك التغييرات على جزء آخر بعيد عنه مكانيا.

صورة تعبيرية أصدرتها جامعة دلفت الهولندية عن بروتوكول
صورة تعبيرية أصدرتها جامعة دلفت الهولندية عن بروتوكول "النقل الآني الكمي" لإعداد شبكة في مختبر الجامعة. 25 مايو 2022 - AFP

وقال تراسي إليانور، الباحث بمعهد الفيزياء التجريبية في جامعة إنسبروك، إن مع استخدام هذا الأسلوب، لا يمكن معاملة أي من الشبكات الكمية المختلفة داخل نظام واحد بأنها مستقلة، فجميعها يتم معاملتها ككيان واحد متماسك، بحسب تصريحاته إلى موقع نيويورك تايمز.

دكتور رونالد هانسون، رئيس الفريق البحثي القائم على تطوير التقنية الجديدة، قال إن فريقه استخدم مساحة مفرغة من النيتروجين، مصممة بداخل ماس مُصنع، حيث يتم بداخلها التحكم في تنقل بعض الإلكترونات.

عملية النقل

طور الفريق البحثي ثلاثة أنظمة كمية، أطلقوا عليها أسماء "أليس" و"بوب" و"تشارلي"، جميعها متصلة معا ببعض الألياف الضوئية، واستخدم الفريق جزيئات من الضوء، فوتونات، لتطبيق أسلوب التشابك بين الأنظمة الثلاثة.

في البداية، ربط الباحثون جزيئين من الإلكترونات، أحدهما من نظام "أليس" والآخر من "بوب"، ومن ثم تم تطبيق حركة دائرية عليهما، ومن ثم ارتبط الإلكترونان معاً، وعند تلك اللحظة تشارك الجزيئان نفس البيانات، وهي قيمة مزدوجة مكونة من 0 و1.

ونقل الباحثون بعد ذلك حالة الإلكترونين إلى جزيء "كيوبت" آخر، وهو عبارة عن ذرة من الكربون، تقع داخل نظام "بوب"، وعند تلك النقطة يتمكن الباحثون من تحرير إلكترون "بوب" من ارتباطه بإلكترون "آليس"، ليتمكن من الارتباط بإلكترون آخر داخل نظام "تشارلي".

عينات الماس المتواجدة داخل أحد الحواسيب الكمية بجامعة ديلفت الهولندية - QuTech
عينات الماس المتواجدة داخل أحد الحواسيب الكمية بجامعة ديلفت الهولندية - QuTech

وعبر إجراء عملية كمية على جزيئيّ (الكيوبت) "بوب"، يصبح بإمكان الباحثين الربط بين الأنظمة الثلاثة عن طريق التصاق ارتباط "بوب" و"آليس" بارتباط "بوب" و"تشارلي" معا.

ونتيجة لارتباط الأنظمة الثلاثة، يرتبط نظاما "آليس" و"تشارلي" معا، وعند ذلك يصبح من السهل نقل البيانات بين الأنظمة الثلاثة، والتي يصبح كلا منها بذلك نقطة داخل نظام كمي كبير.

وأوضح "هانسون" أن نقل البيانات داخل النظام الكمي يسهل نقلها افتراضيا بشكل سريع، دون الحاجة إلى نقل الوسائط المخزنة على متنها تلك البيانات، وبالتالي فإن وضع أي بيانات داخل نقطة في هذا النظام، يؤدي مباشرة لظهور تلك البيانات على بقية النقاط داخل النظام.

النظام
النظام "آليس" الكمي والذي كان جزءا من تجربة أسيلوب نقل البيانات الآني الكمي - QuTech

ويؤكد الفريق البحثي أن الاعتماد على نقل البيانات داخل نظام كمي باستخدام تقنية النقل الآني الكمية Quantum Teleportation يضمن مستوى فائقاً من التشفير، والذي يعتبر نظريا غير قابل للكسر.

ويسعى الفريق حاليا نحو تطبيق تقنيته الجديدة على مستوى أنظمة كمية مبنية على نطاق أوسع من النطاق المعملي، بحيث يمكن تطبيق التقنية على نظام كمي ضخم، تفصل نقاطه عن بعضها البعض مسافات كبيرة.

تصنيفات