الخسائر وموجات التسريح تفقد زوكربيرج ثقة موظفي "ميتا"

الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" مارك زوكربيرج يغادر مقر محكمة فيدرالية في سان هوزيه، كاليفورنيا. 20 ديسمبر 2022 - REUTERS
الرئيس التنفيذي لشركة "ميتا" مارك زوكربيرج يغادر مقر محكمة فيدرالية في سان هوزيه، كاليفورنيا. 20 ديسمبر 2022 - REUTERS
القاهرة- الشرق

تراجعت معدلات ثقة الموظفين والقيادات العليا في شركة "ميتا" في مديرها التنفيذي ومؤسسها مارك زوكربيرج، وذلك على خلفية تزايد موجات التسريح المتتالية، إلى جانب عدم وضوح رؤيته بشأن مستقبل الشركة، وفق تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية.

وقالت الصحيفة، إن "عثرات الشركة المتتالية أفقدت زوكربيرج، إيمان موظفي ميتا بقدرته على رؤية مستقبل الشركة بشكل واضح".

وأضافت أن الخسائر المستمرة لقطاع تطوير تقنيات الذكاء الاصطناعي والتي وصلت خلال 2022 إلى أكثر من 13 مليار دولار، إلى جانب تراجع عوائد قطاع الإعلانات، واتباع "ميتا" لسياسة خفض حجم عمالة الشركة لتقليل الخسائر، مع وصول إجمالي المُسرحين إلى 21 ألف موظف، أدت إلى فقدان الثقة الموظفين والإدارة في زوكربيرج.

وأجرت الصحيفة لقاءات مع 24 موظف سابق وحالي بالشركة، وتحدثوا جميعاً إليها دون الكشف عن هويتهم، وذلك خوفاً من مقاضاة الشركة لهم.

"استراتيجية جديدة"

وأوضح أحد الموظفين للصحيفة الأميركية أنه بعد سنوات طويلة من تطبيق "ميتا" استراتيجية "تحرك سريعاً، وحطّم الأشياء Move Fast, Break Things"، تحولت نحو استراتيجية جديدة "تعتمد على تحطيم الأشياء أيضاً ولكن مع الحركة ببطء".

وتستهدف "سياسة الخطوات البطيئة" بشكل رئيسي عدم التعثر، خاصة مع المنافسة الشديدة التي تواجهها منصاتها أمام "تيك توك"، إضافة إلى اضطرابات الاقتصاد العالمي وانحسار الإنفاق الإعلاني، ويضاف إلى ذلك "عدم قدرة ميتا على مواكبة تحركات المنافسين السريعة في سوق الذكاء الاصطناعي التوليدي Generative AI، حيث لم تصل الشركة بأي منتج لها إلى السوق".

وقالت "واشنطن بوست" إن "ميتا" اكتفت حتى الآن بإعلان تطوير نموذج لغوي ضخم، مع وعود ببدء وصول مزايا هذا النموذج في صورة أدوات وخدمات جديدة إلى منصتي "فيسبوك"، و"انستجرام"، وكذلك مزايا لـ"ماسنجر"، و"واتساب"، إضافة إلى أدوات إعلانية متطورة بنهاية العام.

تسريح الموظفين

وقالت "واشنطن بوست" إن تسريح آلاف الموظفين، ورغم إسهامه في زيادة ثقة المستثمرين في "ميتا"، إلا أنه كان من أهم أسباب تراجع ثقة الموظفين الحاليين في إدارة زوكربيرج، والذي أعلن مطلع العام الجاري بأن 2023 هو عام الكفاءة، وذلك ليعكس تغير استراتيجية الشركةوتحولها نحو خفض نفقاتها بجميع الأشكال الممكنة.

وأوضحت بعض المصادر لـ"واشنطن بوست" أن أندرو بوزورث، المدير التقني بميتا، أعلن خلال اجتماع للشركة الشهر الماضي، أن زوكربيرج اتخذ قرارات تعيين موظفين جدد، بمعدل وصل إلى 41 ألف موظف خلال أزمة كورونا، رغم معارضة بعض المديرين التنفيذيين، كما أن مؤسس "ميتا" لم يلتفت إلى نصائحهم بشأن تسريح بعض الموظفين.

وأشار التقرير إلى أن زوكربيرج كان يشارك بنفسه في عمليات تسريح الموظفين، رغم انشغاله بمولوده الثالث، وأنه أوكل لفريق من كبار المديرين بالشركة إلى جانب عدد من المسؤولين بأقسام المالية، والشؤون القانونية، والموارد البشرية مهمة عمليات التسريح، في محاولة لإعادة بناء الهيكل الإداري للشركة وجعلها أكثر فاعلية وكفاءة.

تراجع الثقة

وبحسب التقرير، كشف استطلاع رأي داخلي في أكتوبر الماضي انخفاض ثقة موظفي "ميتا" في الإدارة ليظهر الاستطلاع أن 31% فقط من الموظفين يثقون في الإدارة، انخفاضاً من 42% في فبراير من العام الماضي.

ووعد زوكربيرج خلال إعلان الشركة لنتائجها الفصلية الأسبوع الماضي بأن تعود "ميتا" إلى حالة الاستقرار من جديد، وذلك بمجرد انتهاء إعادة الهيكلة.

لكن مدى احتمالية تحقيق هذا الوعد باتت "موضع شك"، خاصة مع تراجع ثقة الموظفين الحاليين بالشركة بعد مرورهم بالعديد من موجات التسريح خلال 7 أشهر.

وأكد موظف حالي في الشركة أن فريق الشركة لطالما كانت لديه روح الانتماء والشعور بأنها شركتهم، وكانوا على استعداد دائم للدفاع عنها في أصعب الأوقات، حيث كانت الشركة تقف في مرمى انتقادات الجميع، ولكن ذلك "تغير بعد موجات التسريح، فأصبح لدى الموظفين شعور بالخيانة".

نموٌ هَشْ

وخلال فترة تفشي جائحة كورونا، حققت "ميتا" عوائد إعلانية هي الأعلى في تاريخها خلال الفترة بين 2019 و2022، إذ أدت فترة العزل والبقاء في المنازل لإقبال المستخدمين على شبكات التواصل الاجتماعي وعلى رأسها فيسبوك وانستجرام، وهو ما أدى إلى تهافت المعلنين على إطلاق حملات إعلانية لاستهداف المقيمين في المنازل، لترويج المنتجات والخدمات.

كما توسعت "ميتا" في خدماتها التسويقية للمنتجات على "فيسبوك"، و"انستجرام"، مثل خدمة Shops لإنشاء متاجر رقمية لعرض المنتجات، وكذلك خدمة التسوق من عروض البث المباشر "Live Shopping"، وتواكب مع ذلك زيادة أعداد الموظفين الجدد المنضمين للشركة بمعدلات قياسية.

على مدى سنوات طويلة، كانت "ميتا" على قمة الشركات التقنية في وادي السليكون من حيث الأجور والمزايا الوظيفية المقدمة لموظفيها، مما جعلها وجهة لأفضل الكوادر، وقد توسع الوضع خلال فترة كورونا، حيث اتجهت الشركة نحو منح موظفيها حصصاً متزايدة من أسهمها، بالتزامن مع تضاعف الحجم الإجمالي لقوتها البشرية.

ولم يقتصر نمو "ميتا" فقط على المزايا التسويقية على "فيسبوك" و"انستجرام"، فدخول الشركة بشكل رسمي إلى سوق الميتافيرس، وتحول اسمها من فيسبوك إلى ميتا، كان معتمداً بشكل رئيسي على انتعاش سوق الخدمات الرقمية خلال فترة كورونا، ووصل الأمر إلى حد اعتبار "زوكربيرج" أن الميتافيرس هو المنصة الحاسوبية الجديدة التي ستحل محل الهواتف الذكية.

ميتافيرس وذكاء اصطناعي

ورغم استثمارات الشركة الضخمة على مدى سنوات طويلة في تطوير تقنيات الواقع المعزز والافتراضي، إلا أنها لم تتمكن حتى الآن، من تحقيق استفادة اقتصادية ملموسة في هذا السوق، على الرغم من أنها من رواده، منذ استحواذها على شركة "أوكيلوس" المتخصصة في نظارات الواقع الافتراضي في 2014.

وأكد موظفون سابقون لـ"واشنطن بوست" أن خطوات ميتا في سوق المنتجات المادية، مثل جهاز المكالمات المصورة Portal وكذلك نظارات الواقع الافتراضي "كويست"، لم تحقق مبتغاها، بل أنها حتى لم تتمكن من تحقيق أهدافها على مستوى المبيعات المحققة فعلياً.

وأوضحوا أن مالكي أجهزة "بورتال" لم يعودوا يستخدمونها بشكل دوري، ورغم أنها لم تحقق نجاحاً يذكر، إلا أن الشركة استمرت في محاولة تسويقها بشكل مختلف، فتحولت خطتها الترويجية لـ"بورتال" من جهاز شخصي للمحادثات المصورة، إلى جهاز موجه لقطاع الأعمال يساعد الموظفين خلال فترة كورونا والعمل عن بعد، ولكن في النهاية اضطرت الشركة لإيقاف تطويره في 2022.

وعلى مستوى الواقع الافتراضي، لم تفلح استثمارات الشركة المليارية في تحقيق نجاح، إذ أن مستخدمي نظاراتها الذكية يقضون معها أسابيع قليلة بعد شرائها، ثم ينفرون سريعاً من تطبيقات الشركة على متن نظاراتها، ويتحولون أكثر إلى تطبيقات اجتماعية أخرى منافسة مثل "Rec Room"، و"VRChat".

وانتقد جون كارماك، مؤسس "أوكيلوس"، استراتيجية "ميتا" في التعامل مع قطاع الواقع الافتراضي، مشيراً إلى أن الشركة تمتلك من الإمكانيات التقنية والبشرية ما يمكنها من تحقيق إنجازات قياسية، إلا "أننا دائماً ما ندمر ونبذر جهدنا".

وأكد في رسالته لموظفي "ميتا" عند استقالته في ديسمبر، أنه لا توجد طريقة لتجميل الوضع، منتقداً عمل الشركة بـ"نصف الفاعلية والكفاءة التي تمكنه من أن يكون راضياً عما ينجزه القطاع".

اجتماع نوفمبر

ومع تسرب تقارير عن موجات تسريح وشيكة للموظفين، رأت القيادات التنفيذية في الشركة أن التزام الصمت هو الموقف الأمثل، خاصة وأن موظفي الشركة ما زالوا يعملون بشكل جيد ولم تتضح بعد خطة الشركة للتسريحات، بحسب تسجيلات صوتية لاجتماع عام للشركة حصلت عليه "واشنطن بوست".

في نفس الاجتماع، اعترف مارك زوكربيرج بأنه يتحمل بشكل كامل مسؤولية التسريحات القادمة، لأنه أساء تقدير حجم النمو الذي شهدته ميتا خلال فترة كورونا.

وشدد على أن "ميتا" في حاجة إلى جعل الشركة أكثر فاعلية وكفاءة بخفض تكاليفها، وهو ما أعلنه في رسالة علنية لموظفيه مطلع نوفمبر قبل بدء التسريحات.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات