تسعى الصين إلى إصدار قواعد لتنظيم استخدام الذكاء الاصطناعي، في مسعى إلى "تحقيق التوازن" بين تشجيع الشركات المحلية على تطوير هذه التكنولوجيا، ورغبتها في "التحكم في المحتوى".
وقال مصدران مقربان من الجهات التنظيمية في تصريحات لصحيفة "فاينانشيال تايمز" إن إدارة الفضاء السيبراني الصينية تهدف إلى "وضع نظام لإجبار الشركات على الحصول على رخصة، قبل أن تتمكن من إطلاق أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي الخاصة بها".
وأوضح أحد المصادر أن نظام الترخيص الجديد، الذي يمثل جزءاً من اللوائح التنظيمية التي سيتم الانتهاء منها الشهر الجاري، يشير إلى "محاولات بكين الحثيثة" من أجل التوفيق بين طموح تطوير تكنولوجيا بقدرات عالمية من جانب، وإحكام قبضة منظومة الرقابة الصينية الراسخة على الجانب الآخر.
وتسعى الصين إلى الاستجابة لتطور أنظمة الذكاء الاصطناعي التوليدي، التي تنتج نصوصاً وصوراً وغير ذلك من المحتوى الذي ينتجه البشر كاستجابة لمحفزات بسيطة.
"موازنة الأهداف"
بدوره، قال مات شيهان الزميل في مؤسسة "كارنيجي للسلام الدولي" إن هذه هي المرة الأولى التي تجد فيها السلطات الصينية نفسها مضطرة إلى الموازنة بين هدفي الحزب الشيوعي الأساسيين، المتمثلين في دعم ريادة الذكاء الاصطناعي والتحكم في المعلومات".
وقال شخص مقرب من المداولات داخل إدارة الفضاء السيبراني الصينية للصحيفة إنه "إذا كانت بكين تعتزم فرض سيطرة ورقابة كاملتين على المعلومات التي ينتجها الذكاء الاصطناعي، فستطلب من جميع الشركات الحصول على موافقة مسبقة من السلطات".
وتابع: "لكن يجب أن تتجنب اللوائح خنق الشركات المحلية في سباق التكنولوجيا"، مشيراً إلى "حالة التذبذب" التي تمر بها السلطات بهذا الصدد.
"لا تنتهك القواعد"
وقال مصدران آخران مقربان من الجهات التنظيمية لـ"فاينانشيال تايمز"، إن الشركات التي طرحت تطبيقات ذكاء اصطناعي توليدي خلال هذا العام، مثل "بايدو" و"علي بابا"، دأبت على التواصل مع الجهات التنظيمية خلال الأشهر الأخيرة الماضية للتأكد من أن تطبيقاتها "لا تنتهك القواعد".
وذكر مدير إدارة الفضاء السيبراني الصينية شوانج رونج وين، مؤخراً أن إدارته "يجب أن تضمن موثوقية الذكاء الاصطناعي وإمكانية التحكم فيه، نظراً لأن بكين كانت قلقة بشأن البيانات المستخدمة فيه".
وقالت أنجيلا تشانج، أستاذة القانون المشاركة في جامعة "هونج كونج"، لـ"فاينانشال تايمز" إن "التدابير التنظيمية الصينية ترتكز بالأساس على التحكم في المحتوى".
بدورها، رجحت هيلين تونر مديرة الاستراتيجيات والمنح البحثية التأسيسية في مركز الأمن والتكنولوجيا الناشئة بجامعة جورج تاون، أن تكون الشركات "أكثر حرصاً وتحفظاً بشأن الذكاء الاصطناعي الذي تنتجه"، عازية ذلك إلى "قسوة التداعيات الناجمة عن انتهاك القواعد".
وأوضحت السلطات الصينية في مسودتها أن شركات التكنولوجيا التي تصنع نماذج الذكاء الاصطناعي ستكون "مسؤولة تماماً عن أي محتوى تنتجه"، ما رجحت تونر أن "يقلل من رغبة الشركات في إتاحة نماذجها، لأنها قد تتحمل مسؤولية مشكلات خارجة عن سيطرتها".
"قيم الاشتراكية"
لكن "فاينانشيال تايمز" رأت أن هذا الشرط "يفاقم من صرامة" مسودة اللوائح الصادرة في أبريل الماضي، والتي منحت الشركات مجالاً أكبر للمناورة حيث تتيح لها 10 أيام عمل لتسجيل منتجها لدى السلطات الصينية بعد الإطلاق.
ووفقاً لمسودة القواعد الصادرة في أبريل، فإن المحتوى يجب أن "يجسد القيم الاشتراكية الأساسية"، ولا يحتوي على أي شيء يمكن أن "يقوض سلطة الدولة، أو يدعو إلى الإطاحة بالنظام الاشتراكي، أو يحرض على تقسيم البلاد، أو يقوض الوحدة الوطنية".
ووضعت مسودة اللوائح التي أصدرتها السلطات الصينية في أبريل الماضي جميع متطلبات البيانات التي استخدمتها شركات التكنولوجيا لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي التوليدي، مع مطلب خاص لضمان "الصدقية والدقة والموضوعية والتنوع".
ويوضح هذا المطلب أن الصين تتبنى اتجاهاً مشابهاً لأوروبا، حيث تمثل جودة البيانات المستخدمة لتدريب نماذج الذكاء الاصطناعي مساحة أساسية للتدقيق اللائحي.
وتتسابق حكومات وسلطات أخرى لوضع تشريعات ضد إساءة الاستخدام المحتملة لهذه التكنولوجيا، إذ اقترح الاتحاد الأوروبي بعض القواعد التي وصفتها "فاينانشال تايمز" بأنها "الأكثر صرامة في العالم"، ما أثار غضب الشركات والمديرين التنفيذيين بالمنطقة، فيما تناقش واشنطن تدابير التحكم في الذكاء الاصطناعي، وتطلق المملكة المتحدة مراجعة لقواعدها.