روبوتات تتولى أعمال الري ورش الأسمدة ومراقبة النباتات والقضاء على الحشرات الضارة

الذكاء الاصطناعي يطلق ثورة زراعية في البرازيل

روبوتات تقوم بأعمال زراعية في أحد حقول البرازيل اعتماداً على الذكاء الاصطناعي - X@Solinftec_NA
روبوتات تقوم بأعمال زراعية في أحد حقول البرازيل اعتماداً على الذكاء الاصطناعي - X@Solinftec_NA
ساو باولو-هاني الدرساني

من قلب المزارع الشاسعة التي تغطي ملايين الهكتارات من الأراضي البرازيلية، يشق الذكاء الاصطناعي طريقه ليصبح الحليف الجديد للمزارعين، حاملاً معه وعوداً بثورة زراعية لا مثيل لها. 

قَبل عقدٍ من الزمن، كان الحديث عن الذكاء الاصطناعي في الزراعة يبدو كأنه جزء من فيلم خيال علمي، لكن الواقع أصبح اليوم مختلفاً تماماً، إذ تُستخدم الطائرات بدون طيار لتحليل صحة المحاصيل، وتراقب أجهزة الاستشعار التربة وترسل بيانات دقيقة إلى المزارعين، بينما تعمل الروبوتات وحدها في الحقول. كل هذا بفضل تطور الذكاء الاصطناعي ودمج قواعد البيانات بالآلات الميكانيكية.

 

الزراعة الرقمية

تُعتبر الزراعة جزءاً أساسياً من اقتصاد البرازيل. فبحسب دراسة لعام 2023 أجرتها مؤسسة سيبيا (مركز الدراسات المتقدمة في الاقتصاد التطبيقي)، شكّل الناتج المحلي الإجمالي للأعمال الزراعية 23.8% من إجمالي الناتج المحلي للبلاد. كما وصلت صادرات البرازيل من المنتجات الزراعية إلى 168 مليار دولار، في حين بلغ عدد العاملين في مجال الأعمال الزراعية 28.34 مليون شخص.

في لقاء أجرته "الشرق" مع "ليو كارفاليو"، المدير الهندسي لـ "Solinftec"، وهي شركة برازيلية رائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات الزراعية، قال إن سوق الذكاء الاصطناعي في البرازيل ينمو بشكل كبير وبات في متناول أغلب المنتجين. 

وأوضح أن هناك أكثر من 30% من المنتجين الزراعيين باتوا يعتمدون بشكل كامل على ما يسمى بالزراعة الرقمية، وذلك لما توفره من بدائل اقتصادية أكثر شمولية. 

وذكر كارفاليو أن أول استخدام للذكاء الاصطناعي في شركتهم كان في عام 2010، من خلال إنشاء قاعدة بيانات كبيرة خاصة بمعالجة النباتات والتعرف على الأعشاب الضارة؛ للمساعدة في زيادة إنتاجية أنواع مختلفة من المحاصيل مثل الصويا والذرة والقمح وقصب السكر.

وأضاف: "بعد سنوات مضنية من العمل وإنفاق ملايين الدولارات على الأبحاث العلمية، استطعنا عام 2022 إطلاق الروبوت Solix، وهو أحد أهم الروبوتات المتكاملة لدينا، إذ يتمتع بوظائف عدة من عمليات التحليل وجمع البيانات إلى تطبيق الري والرش الموضعي على النباتات وصولاً إلى القضاء على الحشرات الضارة، بدون تدخل بشري ويعمل عن طريق محركات كهربائية تتزود بالطاقة من خلال الألواح الشمسية". 

وأشار إلى أن الشركة لديها حالياً "50 روبوت في البرازيل، و50 آخرين في الولايات المتحدة، و5 في كندا، وقريباً في كولومبيا، ونخطط لبيع 150 روبوت في البرازيل خلال العام المقبل، و150 أخرى لأميركا الشمالية. لذلك نريد أن نصل إلى إمكانية وجود ما يقرب من 1000 روبوت في السنتين أو الثلاث سنوات القادمة، لأننا ندرك أننا قادرون على إحداث فارق في الزراعة وطريقة إنتاج الغذاء العالمي".

زيادة الإنتاج وخفض التكاليف

وفقاً لدراسة أجرتها مؤسسة Embrapa البرازيلية للبحوث الزراعية، يمكن لاستخدام الذكاء الاصطناعي في الزراعة أن يزيد من الإنتاجية بنسبة تصل إلى 46%، إذ تعمل الأنظمة القائمة على الذكاء الاصطناعي على تحليل بيانات التربة والمناخ والنباتات، مما يساعد المزارعين على تحديد أفضل الأوقات للزراعة والحصاد.

وتقول آنا باولا، مديرة الإنتاج في "Agrobrasil" وهي إحدى أكبر شركات الإنتاج الزراعي في البرازيل: "لقد بدأنا باستخدام الذكاء الاصطناعي في الحقول منذ عامين تقريباً، وأصبح اعتمادنا على هذه التقنيات يتزايد بشكل تدريجي، خاصة بعد تحليلنا لنتائج استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في عملية رش الأسمدة.. لدينا روبوتات يمكنها وضع السماد في النقطة التي تحتاجها النباتات، وليس في جميع أرجاء الحقل. هذه الخطوة وحدها وفرت علينا الكثير من الوقت والمال". 

وتابعت: "نعتقد أن بوسعنا تحقيق تقدم كبير مستقبلاً، فخلال فترة قصيرة جداً استطعنا توفير 5% من إجمالي نفقات الشركة، وبالنسبة لنا هو إنجاز هائل وسوف يتضاعف في السنوات القادمة مع ازدياد اعتمادنا على الذكاء الاصطناعي. ومن ناحية الإنتاج، سجلت بعض المزارع زيادة عشرة أكياس من فول الصويا للهكتار الواحد، وذلك مقارنة ببعض المزارع الأخرى التي لا تتم إدارتها بتقنيات الذكاء الاصطناعي".

وأشارت آنا باولا إلى أن الذكاء الاصطناعي بات يُستخدم أيضاً في مراقبة قطعان الماشية، فشركة "Agrobrasil" تمتلك طائرات بدون طيار تقوم بعملية المسح الحراري التي تتيح مراقبة القطعان وتسجيل معلومات متعلقة بصحة الماشية.

وتعتقد أنه كما هو الحال في الكثير من مجالات الخدمات الأخرى، التي باتت تعتمد على استخدام الذكاء الاصطناعي بشكل كبير، ستستفيد الزراعة وستحقق الكثير من المكاسب من استخدامه.

حلول بيئية أكثر استدامة

ويواجه العالم أزمات بيئية عدة نتيجة التغير المناخي، باتت تتسبب بموجات جفاف وتراجع في معدلات هطول الأمطار، ما ألحق الضرر بشكل مباشر بقطاع الزراعة، ووضعته أمام تحدٍ كبير يتمثل في زيادة الإنتاج نتيجة ارتفاع الطلب، وبنفس الوقت الحاجة إلى التأقلم مع الظروف البيئية. 

ويرى كارفاليو أن "الذكاء الاصطناعي أصبح اليوم قادراً على توفير حلول بيئية عالية الفاعلية"، ويقول: "نعلم أن الأعمال التجارية الزراعية هي أحد أكبر القطاعات المستهلكة للمياه، لذا فإن الاعتماد على الذكاء الاصطناعي من شأنه تخفيض 80% من المياه المستخدمة في الري، عبر استخدام تقنية الري الموضعي للنباتات والذي يعمل بشكل أوتوماتيكي عبر مطابقة معلومات قاعدة البيانات مع المسح الذي تقدمه الروبوتات، التي تقوم لاحقاً بضخ كمية المياه اللازمة فوق نقاط محددة بدقة".

ويضيف: "يمكننا أيضاً تقليل قرابة 90% من استخدام المنتجات الكيميائية، عبر رشها بشكل موضعي على النباتات المصابة دون اللجوء إلى الرش العشوائي على كافة الأراضي، وتستطيع التقنيات الحديثة قتل 99% من الحشرات الضارة عبر الصعق بالليزر، دون اللجوء إلى استخدام المبيدات الحشرية الضارة. كل هذه الأعمال تتم دون انبعاثات كربونية، فالروبوتات الحديثة تعمل باستخدام الطاقة المتجددة فقط".

كما تشير دراسة لشركة "Pantera" إلى أن مراقبة حرائق الغابات والأراضي الزراعية باتت أكثر فاعلية، فأدوات الذكاء الاصطناعي تساعد المزارعين بنسبة 98% على احتواء الحرائق وعدم انتشارها، إذ تعمل أجهزة مراقبة ثابتة وأخرى متحركة على رصد اندلاع أي حرائق على مدار الساعة وكشفها خلال 3 ثوانٍ، لتقوم مباشرة بتحديد الموقع عبر الأقمار الاصطناعية وإرسال معلومات مثل درجة الحرارة وسرعة الرياح بالإضافة إلى مكان اندلاع الحريق، ليتم التعامل مع الحريق بشكل فوري من قبل المختصين. 

ومن شأن هذه التقنيات توفير الكثير من المال لأصحاب المزارع، فعلى سبيل المثال، قيمة الضرر لهكتار واحد من مزارع قصب السكر يتجاوز 2800 دولار، بينما احتراق هكتار من أشجار الغابات تقدر أضراره بحوالي 9000 دولار.

لذلك، يعول الكثيرون على الذكاء الاصطناعي لفتح آفاق جديدة للزراعة في البرازيل، مما سيساهم في تحقيق الإنتاجية العالية والبيئة المستدامة.

ومع استمرار الابتكار والاستثمار في هذا المجال، من المتوقع أن يصبح الذكاء الاصطناعي جزءا لا يتجزأ من القطاع الزراعي، مما يعزز مكانة البرازيل كواحدة من أكبر الدول الزراعية في العالم.

تصنيفات

قصص قد تهمك