OpenAI ومايكروسوفت.. لعبة كراسي موسيقية في مجال الذكاء الاصطناعي

شعار شركتي مايكروسوفت وOpenAI على شاشة هاتف ذكي - Bloomberg
شعار شركتي مايكروسوفت وOpenAI على شاشة هاتف ذكي - Bloomberg
القاهرة-محمد عادل

رغم المصالح التي تجمع مايكروسوفت، وOpenAI إلا أن علاقة الشركتين باتت مثيرة للجدل في نظر مراقبين؛ فبينما ينفق عملاق Windows المليارات نقداً، أو في دعم لوجيستي عبر إمكانات خوادم خدمتها السحابية Azure AI، تقدم مطورة ChatGPT، نماذجها العملاقة لتشغيل منتجات الأولى، لتبدأ لعبة كراسي موسيقية بين الجانبين.

أحد الكراسي التي نالتها مايكروسوفت، بعد عزوف OpenAI عنها، هي الصين، ففي الوقت الذي أعلنت فيه مطورة ChatGPT عن إيقاف إمكانية وصول المطورين إلى منصتها الذكية للدردشة، وكذلك واجهاتها البرمجية لنماذجها الذكية داخل الصين بشكل كامل، تستمر مايكروسوفت في تقديم خدماتها هناك.

وقال متحدث باسم مايكروسوفت، لموقع PYMNTS، إن الحظر الذي فرضته OpenAI على وصول المطورين الصينيين إلى نماذجها الذكية "لا ينطبق على وصولهم إلى خدمات Azure السحابية"؛ حيث سيظل المطورون قادرون على الاستفادة من الواجهات البرمجية لمايكروسوفت، والتي تؤدي في النهاية إلى استخدام نماذج OpenAI أيضاً.

أحد مقار مايكروسوفت في العاصمة الصينية بكين
أحد مقار مايكروسوفت في العاصمة الصينية بكين - Bloomberg

وبينما توقف OpenAI وصول المطورين الصينيين إلى نماذجها الذكية، تستمر مايكروسوفت في مدّ هؤلاء المطورين بإمكانية الوصول لنفس النماذج، ولكن تبقى الجدوى من ذلك غير مفهومة.

كما دخلت مايكروسوفت إلى المشهد التقني التعليمي في هونج كونج، من خلال شريكها التقني Gamenoodlesoup، حيث استطاعت الشركة الأميركية عقد شراكات مع 8 جامعات في المنطقة، إلى جانب التعاون مع مدرسة ابتدائية، لدعمها بأدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي، والسماح للطلاب بالاستفادة من نماذج الذكاء الاصطناعي عبر خوادم الشركة، في الوقت الذي خرجت فيه OpenAI بشكل كامل، ورسمي من السوق هناك، بحسب تقرير نشره موقع "South China Morning Post".

الذكاء الاصطناعي.. ساحة حرب

قد يكون للأمر ظلال سياسية، حيث تحول سوق الذكاء الاصطناعي إلى ساحة حرب جديدة بين القوى العظمى، وعلى رأسها الصين، والولايات المتحدة، لذلك تستخدم واشنطن شركة مايكروسوفت، باعتبارها شريكة OpenAI رائدة الذكاء الاصطناعي التوليدي في العالم، كي تتمكن من إجراء تحركات استراتيجية على الساحة.

ساتيا ناديلا مدير مايكروسوفت (إلى اليمين) والرئيس الأميركي جو بايدن (إلى اليسار) خلال لقاء بالبيت الأبيض
ساتيا ناديلا مدير مايكروسوفت (إلى اليمين) والرئيس الأميركي جو بايدن (إلى اليسار) خلال لقاء بالبيت الأبيض - Bloomberg

وعندما وطدت الصين علاقاتها مع شركة G42 الإماراتية المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، ووصلت العلاقة إلى تعاون الشركة الإماراتية مع "هواوي" لتزويدها بمعدات وأدوات تقنية، تدخلت مايكروسوفت باستثمار مالي ضخم بقيمة 1.5 مليار دولار، وهي خطوة استحسنتها الإدارة الأميركية بشكل رسمي.

لكل ذلك، فمن المرجح أن يكون استمرار تقديم مايكروسوفت لخدماتها السحابية وتقنياتها للذكاء الاصطناعي في الصين وهونج كونج، استراتيجية منسقة مع واشنطن للإبقاء على التأثير الأميركي داخل السوق الصيني، خاصة وأن الشركات الصينية العاملة في الذكاء الاصطناعي بدأت التنافس بشراسة على جذب العملاء المحليين ممن كانوا يعتمدون على خدمات OpenAI، لإقناعهم باستخدام نماذج الذكاء الاصطناعي محلية التطوير، مما قد يحقق للصين اكتفاءً ذاتياً، واستقلالية كاملة عن الشركات الأجنبية، والأميركية منها في المقدمة.

روبوتات الدردشة

الكرسي الثاني، كان من نصيب OpenAI، ويخص روبوتات الدردشة AI Agents، وهي ميزة أتاحتها الشركة لأول مرة في نوفمبر 2023، وتسمح للمستخدمين المشتركين في خدمة ChatGPT Plus المدفوعة بإنشاء روبوتات دردشة خاصة بهم، مع تزويدها بأوامر معينة وخلفيات معلوماتية، لتساعد في تنفيذ أوامر معينة.

خروج مايكروسوفت كان درامياً من هذه المنافسة، فبعد 3 أشهر فقط من تقديم ميزة إنشاء روبوتات الدردشة Copilot GPT Builder، أعلنت الشركة في العاشر من يونيو الماضي أنها ستوقف تقديم تلك الميزة لمستخدميها من الأفراد المشتركين في إصدارها المدفوع من مساعدها الذكي Copilot، وستكون متاحة فقط لقطاع الأعمال والشركات، وذلك بداية من العاشر من يوليو الحالي.

منتجات مايكروسوفت

لم تحقق أي من منتجات مايكروسوفت نجاحاً مبهراً على مستوى الأفراد، على عكس خطواتها مبهرة النجاح مع قطاع الأعمال والشركات، فمن هواتفها الذكية Lumia إلى مساعدها الذكي كورتانا، وتطبيقاتها المكتبية للهواتف الذكية، وأخيراً متصفحها للويب بينج ومساعدها Copilot، جميعها كانت محاولات باء بعضها بالفشل، والآخر حقق تقدماً محدوداً.

شعار مساعد مايكروسوفت كوبايلوت الذكي
شعار مساعد مايكروسوفت كوبايلوت الذكي - Microsoft

لذلك، فإن خروج عملاق ويندوز من الساحة تركها مفتوحة أمام OpenAI؛ فباقتها المدفوعة ChatGPT Plus ستصبح أكثر جذباً للمستخدمين، خاصة، وأن الشركة اتبعت استراتيجية جديدة عبر جعل عدد من المزايا المدفوعة متاحة لعموم المستخدمين بشكل مجاني، مثل الوصول إلى متجرها لروبوتات الدردشة GPTs Store، وكذلك تحليل الصور، والملفات، بحيث يمكنهم رفعها إلى GPT-4o الأحدث، وطرح أي أسئلة بخصوصها، إلى جانب ذلك، تم تفعيل ميزة تصفح الويب من خلال طرح أسئلة على ChatGPT، ليجري عملية بحث على الإنترنت للإجابة عن تلك الاستفسارات، مدعوماً بمحرك بحث مايكروسوفت "بينج".

ولكن الإصدار المجاني يصبح محدوداً بعد مرور وقت قصير من الاستخدام اليومي، وعندها يجد المستخدم أنه اعتاد الحصول على تجربة فائقة، فلن يقبل بأقل منها، وعندها سيكون مستعداً لدفع 20 دولار شهرياً مقابل الاشتراك في ChatGPT Plus.

كلمة السر.. أبل

إفساح ساحة إنشاء روبوتات الدردشة الشخصية أمام OpenAI في هذا التوقيت يعتبر قراراً مثالياً من جانب مايكروسوفت، فالشركة الناشئة استطاعت أن يلمع نجمها في مؤتمر أبل للمطورين WWDC 2024، عندما كانت الشريك الوحيد الذي تتيح أبل منصته للذكاء الاصطناعي على متن أجهزة آيفون، وآيباد، وماك، سابقة بذلك جميع المنافسين: ميتا، وجوجل، وأنثروبيك، وغيرها.

وبحسب "بلومبرغ"، فإن OpenAI لم تحصل على مقابل مالي مباشر لإتاحتها منصة ChatGPT على متن أجهزة أبل، وإنما العوائد للطرفين ستأتي من تشجيع مستخدمي أبل على الاشتراك في الباقة المدفوعة ChatGPT Plus، وعندها تحصل OpenAI على نصيب الأسد من الاشتراكات، بعد منح أبل حصة 30% من كل اشتراك تتم عبر تطبيق ChatGPT المُثبت عبر متجرها الرسمي "آب ستور".

وصول منصة ChatGPT داخل أجهزة أبل
وصول منصة ChatGPT داخل أجهزة أبل - Apple

كما ستحصل مايكروسوفت على أموال طائلة عندما تحتاج OpenAI إلى حيز أكبر من خوادم Azure لمعالجة الأوامر النصية المعقدة التي يُدخلها المشتركون في باقتها المدفوعة عبر أجهزة أبل، وبذلك سنرجع إلى السبب الأول، أن مايكروسوفت هي الأفضل في تقديم خدماتها لقطاع الأعمال، لذلك كان منطقياً أن تترك مايكروسوفت هذا الكرسي لـ OpenAI، لتحقق الثانية عوائد ضخمة، فتصب في النهاية في جيب الأولى.

مايكروسوفت ومجلس إدارة OpenAI

وفي السياق، تخلت مايكروسوفت عن مقعد مراقب في مجلس إدارة شركة OpenAI، قائلة إن ذلك ليس ضرورياً بعد أن تحسنت إدارة شركة الذكاء الاصطناعي الناشئة بشكل ملحوظ على مدى الأشهر الثمانية المنقضية.

وذكرت صحيفة "فاينانشال تايمز" نقلاً عن مصدر مطلع أن شركة أبل المصنعة لآيفون، كان من المتوقع أيضاً أن تتولى دور مراقب في مجلس إدارة OpenAI، لكنها لم تفعل، ولم ترد شركة أبل لطلب من "رويترز" للحصول على تعليق.

وحصلت مايكروسوفت على مقعد مراقب دون حق تصويت في مجلس إدارة OpenAI، في نوفمبر، بعد أن استعاد الرئيس التنفيذي سام ألتمان مقاليد الشركة التي تدير برنامج الذكاء الاصطناعي التوليدي ChatGPT.

شعارات شركتي OpenAI ومايكروسوفت على شاشة حاسوب شخصي
شعارات شركتي OpenAI ومايكروسوفت على شاشة حاسوب شخصي - Bloomberg

ويعني الحصول على مثل هذا المقعد إمكانية حضور اجتماعات مجلس إدارة OpenAI، وإتاحة الوصول إلى معلومات سرية لكن دون حقوق تصويت على أمور تشمل انتخاب أو اختيار المديرين.

وأثارت مسألة مقعد المراقب واستثمار مايكروسوفت ما يزيد على عشرة مليارات دولار في الشركة، قلقاً بين جهات الرقابة المعنية لمكافحة الاحتكار في أوروبا وبريطانيا والولايات المتحدة بشأن مدى السيطرة التي تمارسها بذلك مايكروسوفت على OpenAI.

وعزت مايكروسوفت سبب تخليها عن مقعد المراقب في مجلس إدارة الشركة، إلى إقامة OpenAI لشراكات جديدة، وما شهدته من ابتكار ونمو لقاعدة العملاء منذ عودة ألتمان.

تصنيفات

قصص قد تهمك