بعد جدل قانوني استمر 20 عاماً، قررت محكمة أميركية السماح لشركة تنقيب باستخراج جهاز راديو لاسلكي من حطام سفينة "تيتانيك" الشهيرة. ويعود الفضل إلى هذا الجهاز في إنقاذ حياة مئات الركاب، بعد أن اصطدمت السفينة العملاقة التي كانت تبحر من إنجلترا إلى نيويورك، بجبل جليدي وسط المحيط الأطلسي.
ليلة المأساة
بعد منتصف ليل الـ 15 من شهر أبريل عام 1912، أطلق طاقم سفينة "تيتانيك" على مدى ساعتين نداءات استغاثة عاجلة بواسطة جهاز الراديو اللاسلكي، الذي اخترعه الإيطالي غولييلمو ماركوني الحائز جائزة نوبل للفيزياء في عام 1909. وبعد أقل من 3 ساعات، ابتلع المحيط الأطلسي أحدث وأكبر باخرة ركاب في ذلك الوقت، ليلقى 1514 شخصاً حتفهم. لكن نداءات النجدة المتكررة لم تذهب سدى، إذ التقطت سفينة الركاب "كارباثيا" تلك الإشارات اللاسلكية، وأبحرت إلى موقع غرق "تيتانيك" ونجحت في إنقاذ حياة 705 أشخاص.
إرث تاريخي كبير
يقبع حطام سفينة "تيتانيك" منذ أكثر من 108 أعوام في قاع البحر على عمق 3800 متر وعلى بعد 645 كيلومتراً جنوب شرقي نيوفاوندلاند. ومنذ اكتشاف الحطام في عام 1985، تم رفع ما يقارب 5500 قطعة من سطح السفينة من ضمنها أطباق من البورسلان وعملات ذهبية وفضية، إلا أن السلطات الأميركية منعت استخراج أي شيء من داخل السفينة، بحسب صحيفة "برلينر تسايتونغ" الألمانية.
لكن القاضية الفيدرالية ريبيكا بيش سميث من محكمة نورفولك بولاية فيرجينيا، التي يعود إليها النظر في كل القضايا الخاصة بسفينة "تيتانيك"، سمحت في سابقة هي الأولى من نوعها لشركة "أر أمي أس تيتانيك" الأميركية للتنقيب بالدخول إلى السفينة من أجل استرداد جهاز الراديو اللاسلكي. وأوضحت القاضية في بيان الحكم أن "جهاز ماركوني له قيمة تاريخية وتعليمية وعلمية وثقافية كبيرة".
صراع قانوني طويل
قرار المحكمة يحسم جدلاً قانونياً استمر عقدين من الزمان، بعد أن عارضت الإدارة الوطنية الأميركية للمحيطات والغلاف الجوي عمليات التنقيب داخل السفينة بسبب تعارضها مع القانون الفيدرالي الأميركي واتفاقية أبرمت مع السلطات البريطانية، كما أشارت إلى ذلك صحيفة "فيلت" الألمانية.
وشددت الإدارة الوطنية الأميركية على أن مهمة الاستكشاف "تنتهك احترام بقايا رفات أكثر من 1500 شخص" لقوا حتفهم أثناء غرق السفينة، المدرجة على لائحة اليونسكو للتراث الثقافي المغمور بالمياه منذ 2012.
ويوجد جهاز الراديو وسط السفينة بالقرب من المدرج الرئيسي. وتخشى شركة التنقيب أن "ينهار هيكل السفينة قريباً، ويدفن بذلك أشهر جهاز راديو للأبد بسبب تدهور وضع الحطام".
اختراع ثوري
يعتبر جهاز الراديو اللاسلكي، الذي طوره الإيطالي غولييلمو ماركوني في عام 1902، اختراعاً أسطورياً في مجال الملاحة البحرية. إذ سمح "الإبراق اللاسلكي" للسفن في الأطلسي بالتواصل فيما بينها. وكان جهاز ماركوني في ذلك الوقت أقوى راديو لاسلكي، يمكن له إرسال إشارات على نطاق 350 ميلاً بحرياً مهما كانت الظروف الجوية.
عملية تنقيب صعبة
وفقاً للخطة التي كشفت عنها صحيفة "بيرلنر تسايتونغ" الألمانية، سترسل شركة التنقيب روبوتاً للغوص، يتم التحكم فيه من بعد إلى السطح العلوي للسفينة. بعدها سيتم اختراق غرفة الراديو عبر إزالة الرمال وقطع أجزاء من السقف الصدئة. وبعد الدخول إلى الغرفة، سيتم توجيه أذرع الروبوت للإمسك بما تبقى من جهاز الراديو ونقله إلى الخارج. ومن المتوقع أن تبدأ الشركة العمل على المشروع في شهر أغسطس أو سبتمبر القادم.