اعتاد اليمنيون إطلاق الرصاص الحي في السماء ابتهاجاً في الأعياد والأعراس والمناسبات المختلفة. عادة يؤدي ذلك إلى سقوط الكثير من الضحايا كل أسبوع تقريباً، بينهم نساء وأطفال يفقدون أرواحهم، أو ينقلون جرحى إلى أقسام الطوارئ في المستشفيات بسبب الرصاص العائد من السماء.
السلاح العشوائي المتفلّت في أيدي المواطنين زاد من حدة هذه الظاهرة في السنوات الأخيرة. كميات كبيرة من القطع الرشاشة الحربية باتت في البيوت، في بلد يعيش حرباً منذ ست سنوات. أضف إلى ذلك أن اليمنيين تاريخياً يهوون اقتناء السلاح.
60 شخصاً قضوا نتيجة الرصاص الراجع من السماء في محافظة عدن وحدها عام 2018، وفق ما أفادت إدارة أمن عدن لـ"الشرق"، فيما أكد نائب مدير مستشفى الجمهورية التعليمي في المدينة طارق مزيدة، لـ"الشرق"، أن "أقسام الطوارئ تستقبل الكثير من المصابين نتيجة الرصاصات الطائشة التي تتساقط على رؤوس الضحايا".
وأشار مزيدة إلى حالة طفل يدعى وسيم الصماحي (11 عاماً)، مكث في غيبوبة لأكثر من 3 أشهر في قسم العناية المركزة بالمستشفى، بسبب رصاصة ارتدت إليه واستقرت في رأسه، تطلّب إخراجها جراحة نوعية، في ظل صعوبة نقله إلى الخارج بسبب خطورة الحالة.
700 ألف كلاشينكوف
الناطق باسم إدارة أمن عدن، النقيب عبد الرحمن النقيب، قال لـ"الشرق" إن المناطق الجنوبية "ما زالت في عمومها تدور في دوامة حرب طاحنة منذ 6 سنوات"، لافتاً إلى أن "هذا ما أدى إلى تسرب كميات كبيرة من السلاح إلى أيادي المواطنين، والشباب منهم تحديداً". وكشف النقيب أن عدد تلك القطع يتجاوز الـ700 ألف قطعة سلاح كلاشينكوف. بالإضافة إلى أسلحة أخرى مختلفة، كانت في مخازن ألوية الجيش والقوى الأمنية اليمنية".
وأضاف النقيب: "اتخذنا بالتنسيق مع قيادة التحالف العربي خطوات عملية في هذا الجانب. وأصدرنا تعليمات صارمة لقوات الأمن بمنع إطلاق الرصاص الحي في المناسبات، وضبط المخالفين وفرض غرامات فورية".
وأكد المسؤول الأمني أن نسبة الإصابات "تراجعت إلى أقل من 17 حالة في الآونة الأخيرة، بعدما تم اعتقال عدد من مطلقي الرصاص، تمهيداً لتقديمهم إلى المحاكمة لاحقاً".
"فرحتك تقتلني"
في محافظة لحج القريبة من عدن، كاد طفل في الخامسة من العمر أن يحوّل حفل زفاف أقيم قبل أسبوع في منطقة الصبيحة إلى مأتم، عندما أطلق النار من سلاح آلي "كلاشينكوف" على جمع من الحضور، ما أدى إلى إصابة 4 أشخاص بجروح متفاوتة نقلوا إثرها الى المستشفى.
وقال والد الطفل، عدنان الجعفري، إن نجله البالغ من العمر 5 أعوام، أطلق النار عن طريق الخطأ من سلاح آلي خاص بجده، على مجموعة من الأشخاص تجمعوا لإحياء حفل عرس أحد شباب قريته في منطقة الصبيحة، موضحاً إلى أن الحادث تسبب بإصابة جد الطفل وطفلين آخرين بالإضافة إلى شخص رابع بإصابات متوسطة.
وأشار الناطق باسم إدارة أمن عدن، إلى أن السلطات الأمنية أطلقت حملات توعوية في شأن خطر استخدام الرصاص في المناسبات. وقال إن حملات توعية تحمل عناوين على شاكلة: "فرحتك تقتلني"و"عدن بلا سلاح أجمل"، ساهمت في تراجع الظاهرة بشكل كبير.
أسواق سلاح مفتوحة
يعد اليمن من أكثر بلدان العالم من حيث نسبة انتشار السلاح وسط السكان. ويأتي في المرتبة الأولى عربياً، بمعدل 52.8 قطعة لكل 100 شخص، بحسب منظمة "Small Arms Survey" المختصة بشؤون التسليح وإحصاء أعداد الأسلحة.
وتعد أسواق بيع الأسلحة في اليمن واستيرادها شرعية، إذ لا يوجد قانون يمنع بيع الأسلحة أو شراءها من قبل المواطنين، بل إن الأمر قد يصل حدّ تملك بعض القبائل في محافظات شمال البلاد أسلحة ثقيلة كالدبابات والمدافع ذاتية الحركة وقاذفات "آر بي جي"، كما أفادت بذلك مصادر لـ"الشرق".
وبحسب المصادر ذاتها، فإن بعض القبائل تملك أيضاً أسلحة مضادة للطيران وصواريخ حرارية محمولة على الكتف.
وأطلق مواطنون في محافظات جنوبية بينها عدن وشبوة مبادرة لتسليم آلاف قطع الأسلحة للسلطات الحكومية، بهدف الحد من انتشار الأسلحة، خصوصاً في عواصم المدن الرئيسة.