أثارت حملة دعائية أطلقتها الجامعة الفرنسية في مصر، على صفحتها الرسمية في "فيسبوك"، ردود فعل غاضبة وجدلاً واسعاً بين رواد مواقع التواصل الاجتماعي، بعد استعانتها بشخصية القائد العسكري الشهير نابليون بونابرت الذي قاد الحملة الفرنسية على مصر أواخر القرن الثامن عشر (1798-1801)، كبطلٍ للإعلان.
واستهدف الإعلان الترويج للجامعة عن طريق مشهد تمثيلي تظهر فيه شخصية "بونابرت" فى عام 2020، باعتباره صاحب إنجازات كبيرة خلال حملته على مصر، منها تعليم المصريين اللغة الفرنسية، وتأسيس المعهد المصري، وإدخال الطباعة إلى مصر، وأنه من قام بـ"فكّ رموز حجر رشيد".
واعتبر معلقون على مواقع التواصل الاجتماعي محتوى الإعلان بمثابة تمجيد من إدارة الجامعة للاحتلال الفرنسي لمصر، وإبراز الحملة في صورة مغايرة للحقائق التاريخية، بتجاهُل سلوكها ضد المصريين وحركة المقاومة الشعبية وقتها، ما جعل القائمين على "الإعلان الدعائي" يتراجعون ويحذفونه من على صفحة "الجامعة".
"نابليون" يعود في 2020
"التعرف على الثقافة الفرنسية ونشر قيمة الفن والذوق والجمال"، رسالة واضحة حملها الإعلان الدعائي للجامعة، الذي يستهدف الترويج لها، فعلى أنغام اللحن الفرنسي ذائع الصيت "la vie en rose" تظهر شخصية نابليون في عام 2020 بزيّه العسكري، متحدثاً بالمصرية العامية بنبرة ساخرة تمتزج فيها الفكاهة بإشارات تاريخية مبتورة إلى تاريخ الحملة الفرنسية في مصر.
رسائل متنوعة حملها الإعلان الدعائي، واعتبرها سرداً لإنجازات "بونابرت" في القاهرة، كان أهمها أنه رغم قضاء بونابرت 3 أعوام فقط في مصر، إلا أن اسمه لا يزال على ألسنة المصريين حتى اليوم، وأن حملته كان قوام العلماء فيها أكثر من الجنود، وأن بفضلها تعلم المصريون اللغة الفرنسية وأصبح لديهم فرص ثقافية وتجارية في بلدان تتحدث الفرنسية، إضافة إلى أنه من أسس المعهد المصري، وأدخل الطباعة إلى مصر، وأنه من "فكّ رموز حجر رشيد".
وبدعوة واضحة:"شارك حملة نابليون 2020.. وادرس في الجامعة الفرنسية"، يوجّه الإعلان في نهايته حديثه إلى الجمهور المستهدف، سعياً لجذب الطلاب المحتملين.
غضب على مواقع التواصل
سلسلة من التعليقات الغاضبة تلقتها صفحة الجامعة على "فيسبوك"، دار أغلبها حول انتقاد ما سمته "تمجيد إدارة الجامعة للاحتلال الفرنسي لمصر".
تامر أحمد كتب على صفحته: "عار عليكم تعملوا حملة وفيديو بالشكل ده، نابليون المحتل اللي دخل الأزهر الشريف بالخيل، عملتوه شعار وحملة!"، فيما تساءل حساب يحمل اسم أشرف غيث، محاولاً دحض بعض المعلومات المذكورة في سياق الفيديو "نابليون هو اللي فك رموز حجر رشيد؟!".
تجاهل جوهر الحملة الاستعماري
وقال أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر، الدكتور محمد عفيفي، لـ"الشرق"، إن مضمون الفيديو يحتوي على الكثير من المبالغات بشأن الآثار الإيجابية الناتجة عن تفاعل الحملة الفرنسية مع الثقافة المصرية، فيما دحض بعض الرسائل التي جاءت على لسان "نابليون" في الإعلان الدعائي وتتضمن حقائق تاريخية مغلوطة.
يستنكر عفيفي جملة: "جبت علماء أكثر من الجنود"، فيرى أنها قابلة للتشكيك تاريخياً ومنطقياً، فكيف حارب نابليون إذا كان العلماء في حملته عددهم يفوق عدد الجنود، مشيراً إلى أن العديد من علماء الحملة كانوا ضباطاً بالجيش في الوقت ذاته، الأمر الذي لا يُعد سابقة في الجيوش والحملات العسكرية في هذه الآونة.
معلومة أخرى يدحضها عفيفي، مشيراً إلى أن نابليون لم يكُن الشخص الذي "فكّ رموز حجر رشيد"، إذ كان للحملة الفضل في اكتشاف الحجر بالفعل، لكن فكّ رموزه جاء على يد العالم الفرنسي شامبليون، لاحقاً، بعد رحيل الحملة الفرنسية عن مصر بسنوات، كما أن حقيقة أن الحملة الفرنسية دشنت عصر الطباعة في مصر، فالأمر أيضاً كان لأهداف عسكرية، إذ استُخدمت المطابع لطباعة الأوامر العسكرية، وتواصُل القيادة الفرنسية مع المصريين.
"عفيفي" الذي شارك في إعداد بحث تاريخي معمّق نشر في كتاب عن الحملة الفرنسية، بصحبة المستشرق الفرنسي أندريه ريمون قبل أعوام، يؤكد أن الفخ الذي وقع فيه الفيديو الترويجي للجامعة الفرنسية في مصر كان المبالغة الشديدة وتفخيم الجوانب الإيجابية للحملة الفرنسية وتجاهل جوهر الحملة الاستعماري.
الجامعة الفرنسية تتراجع
على خلفية التعليقات الغاضبة من المقطع القصير ومدته 50 ثانية فقط، اضطر القائمون على صفحة الجامعة في "فيسبوك" إلى حذفه، بعد يومين من محاصرة ردود الأفعال السلبية بحذف التعليقات الغاضبة، قبل أن يأتي القرار بحذف المقطع المصوّر، والتراجع عن الحملة أخيراً.
وكشف مصدر في الجامعة أن قرار حذف الفيديو جاء من منطلق عدم رغبة إدارة الجامعة في إثارة أي غضب لدى المتابعين على مواقع التواصل.
وقال المصدر - الذي طلب عدم ذكر اسمه - إن حقيقة كون الحملة الفرنسية "استعمارية" لا خلاف عليها ولا ينكرها أحد، مشيراً إلى أنه لم يكن يتوقع أن "تكون ردود الأفعال بهذه الحدة والغضب، إذ كان الهدف من الحملة الانطلاق من أن الحملة الفرنسية، خلاف حملات عسكرية عديدة أفادت مصر في بعض النواحي، لكن يبدو أن هذه الرسالة أُسيء التعبير عنها، ولم تُفهم بالشكل المقصود".
وأوضح "المصدر" أن الجمهور المستهدف من المقطع المحذوف، هو الجمهور العام والطلاب المحتملون، وأن سلسلة منشورات وفيديوهات كانت ستتبع هذا الفيديو الافتتاحي للتعريف بالجامعة والشهادة المزدوجة المصرية الفرنسية التي تمنحها والمنح الدراسية التي تقدمها للطلاب، لكن جاء القرار بتعليقها لأجل غير مسمّى، نزولاً عند رغبة التعليقات الغاضبة.
وبعد مرور يومين، عادت الجامعة ونشرت اعتذاراً رسمياً عبر حسابها في موقع فيسبوك عن الفيديو، مشيرة إلى حذفه و"إزالته تماماً"، مع الالتزام بمراعاة عدم تكرار ذلك مستقبلاً.
تاريخ نشأة الجامعة الفرنسية في مصر
وبحسب موقع الجامعة الرسمي، فإن الجامعة الفرنسية، المؤسسة المصرية الخاصة، أنشئت عام 2002 وجرى افتتاحها في 2006 بواسطة سوزان مبارك، قرينة الرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك، وبرناديت شيراك، قرينة الرئيس الفرنسي الراحل چاك شيراك.
ووفقاً لكلمة رئيس الجامعة الحالي، د.طه عبدالله، على الموقع ذاته، فإن الجامعة أنشئت بموجب قرار جمهوري 26 لعام 2002، وهي جامعة خاصة، وفقاً لإطار تشريعي مستمد من القانون رقم 101 لسنة 1992، وبروتوكول تعاون خاص بين الجامعة ووزارة الخارجية الفرنسية، بهدف إنشاء مركز بحثي في مصر بالشراكة مع الجامعات الفرنسية في مجالات الاهتمام المشترك بين الدولتين. وبموجب القانون وبروتوكول التعاون، تتلقى الجامعة الدعم المادي من حكومتي مصر وفرنسا، إضافة إلى شركات مصرية وفرنسية.