أيام الأمراء الوسيمين والشخصيات الكرتونية اللطيفة ولّت

الرعب بات مصدر ربح على مدار السنة في مدن الملاهي

مشهد من عرض (Monsters Unchained: The Frankenstein Experiment) في منتزه "إيبيك يونيفرس" في أورلاندو بولاية فلوريدا - Bloomberg
مشهد من عرض (Monsters Unchained: The Frankenstein Experiment) في منتزه "إيبيك يونيفرس" في أورلاندو بولاية فلوريدا - Bloomberg
دبي-بلومبرغ

كان ضباب يوحي بشرٍّ وشيك يلف بقعة انتصبت فوقها شواهد قبور، فيما صَدَحت موسيقى تصويرية من تأليف داني إلفمان، ثم قدح شرر تيار كهربائي من أعلى برج قوطي لقصر فرانكنشتاين، وشبَّت النار في طاحونة هواء قريبة.

كان كل شيء يبدو وكأننا نشاهد فيلم رعب في موسم الهالوين... لكن تفصيلاً واحداً يبدد هذا الانطباع: إن كل ذلك كان يحدث في صباح ربيعي مشرق في وسط ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة.

ممثل يؤدي دور مساعد الدكتورة فيكتوريا فرانكنشتاين يواجه الزوار في 'إيبيك يونيفرس' في أورلاندو
ممثل يؤدي دور مساعد الدكتورة فيكتوريا فرانكنشتاين يواجه الزوار في "إيبيك يونيفرس" في أورلاندو - Bloomberg

فعاليات مخيفة على امتداد السنة

إقامة مثل هذه الفعاليات المستوحاة من عالم الوحوش والرعب كانت تقتصر على بضعة أسابيع في الخريف، لكنها باتت اليوم محطة ثابتة في عروض مدن الملاهي التي تبحث عن مصادر دخل جديدة من خلال بث الرعب في نفوس الزوار على امتداد السنة.

كانت الفعالية التي استهللنا بذكرها في قرية "العالم المظلم" (Dark Universe) المسكونة في مدينة الملاهي الجديدة الضخمة "إيبيك يونيفرس" (Epic Universe)، التي أقامتها شركة "كومكاست" بكلفة 7 مليارات دولار، ويُرتقب أن تفتح أبوابها للجمهور في أورلاندو في 22 مايو.

تعمل مدن ملاهي أخرى في أرجاء الولايات المتحدة على إنشاء فعاليات تدفع على القشعريرة، ومنها شركة "والت ديزني" الرائدة في هذا المجال، مع سعي قطاع الترفيه للاستفادة من تزايد اهتمام الزوار بكل ما هو غامض ومرعب.

إخافة الزوار ليست فكرة مستجدة كلياً في مدن الملاهي, إذ تستضيف "نوتس بيري فارم" (Knott’s Berry Farm) في جنوب كاليفورنيا فعالية لمناسبة الهالوين تحمل اسم "نوتس سكاري فارم" (Knott’s Scary Farm)، تُقام في عدد من الأمسيات المحددة خلال الخريف، في تقليد يعود إلى 1973 حين قدّم المذيع "سينستر سيمور"، المعروف بلقب "سيد الرعب"، عرضاً هناك.

قصر فرانكنشتاين في قرية
قصر فرانكنشتاين في قرية "العالم المظلم" ضمن منتزه "إيبيك يونيفرس" - Bloomberg

وعلى امتداد مدن الملاهي من باريس إلى بكين، باتت احتفالات الهالوين تبدأ مبكراً في أغسطس وتمتد حتى منتصف نوفمبر. حتى في منتزهات "ديزني"، أصبحت إيرادات موسمي الخريف والشتاء تفوق إيرادات الصيف، بفضل الفعاليات المسائية التي تُباع تذاكرها بشكل منفصل، مثل "أوجي بوجي باش" (Oogie Boogie Bash) في منتزه "كاليفورنيا أدفنتشر"، و"حفلة ميكي غير المخيفة جداً لمناسبة الهالوين" في "عالم والت ديزني".

أما "يونيفرسال"، فبدأت منذ أواخر ثمانينيات القرن الماضي بتنظيم أمسيات هالوين أكثر جرأة، تتضمن مهرجين مخيفين، وأشكال أشلاء بشرية.

وحوش السينما تغزو المنتزهات الترفيهية

لكن فكرة الاحتفاء بفعاليات الرعب على مدى العام جديدة نسبياً، وقد تزامنت مع ارتفاع إيرادات أفلام الرعب على شبابيك التذاكر بأميركا الشمالية؛ إذ تدرّ أفلام الرعب في الولايات المتحدة وكندا نحو مليار دولار سنوياً، أو ما يعادل نحو عشر إجمالي مبيعات التذاكر في صالات السينما.

قال تيد دوهرتي، المؤدي ومصمّم عروض الرعب المخضرم: "يعشق الناس الشعور بالخوف داخل بيئة آمنة، يهربون فيها من الواقع لبعض الوقت".

أسهمت أفلام الوحوش في درّ الأموال على استوديو "يونيفرسال" خلال عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، مع عرض أفلام كلاسيكية على الشاشة الكبيرة مثل "أحدب نوتردام" (The Hunchback of Notre Dame) و"المومياء" (The Mummy).

واليوم، تستثمر وحدة "يونيفرسال ديستينيشنز آند إكسبيرينسز" (Universal Destinations & Experiences) التابعة لشركة "كومكاست" هذا الإرث السينمائي في مدينة الملاهي الجديدة في أورلاندو. وهناك، تنتشر الشخصيات الشريرة الشهيرة في أرجاء القرية، فقد ترى ممثلاً يؤدي دور "الرجل الخفي" (Invisible Man) يتعثر أمامك، ملتفاً بالضماد وعلى عينيه نظارات شمسية، فيما تمضي الدكتورة فيكتوريا فرانكنشتاين، المنحدرة من نسل العالم الشهير، أيامها في مطاردة دراكولا.

قالت مولي ميرفي، رئيسة شركة "يونيفرسال كريياتسف" (Universal Creative) التي تصمم وتطور مدناً ترفيهية، إن إعطاء القصة خلفية نسائية جديدة يأتي في إطار المساعي لتقريب هذه الأفلام الكلاسيكية إلى الجمهور المعاصر.

تجربة تفاعلية

يدخل الزوار منتزه "دارك يونيفرس" (Dark Universe) عند ابتياع تذكرة لمدينة الملاهي "إيبيك يونيفرس" (Epic Universe) التي تحتضنه مقابل 139 دولاراً كسعر ابتدائي للبالغين، من أجل استكشاف هذه التحفة الترفيهية التفاعلية.

هناك، في حانة "بيرنينغ بليد" (Burning Blade)، يمكن للزائر أن يحتسي مشروب "ريبرز ريزيرف" (Reaper’s Reserve) بني اللون، فيما يتناول أعواد خبز بالثوم مصمَّمة على شكل أوتاد لطرد مصاصي الدماء.

وفي لعبة "الوحوش المنفلتة" (Monsters Unchained)، يقترب الزوار من أكثر من عشر شخصيات مرعبة، بينها نسخة طبق الأصل عن وحش فرانكنشتاين، يبلغ ارتفاعها نحو ثلاثة أمتار، ويصل وزنها إلى 360 كيلوجراماً. (وقد اضطرت "يونيفرسال" إلى الحصول على إذن من عائلة الممثل بوريس كارلوف، نجم فيلم "فرانكنشتاين"، لاستخدام ملامحه).

أما تجربة وضع مكياج الوحوش في"داركمور" (Darkmoor)، التي تبدو أقرب إلى صالون تقبيح منها إلى صالون تجميل، فتتيح للزائر أن يتحول إلى أي وحش يختاره. وتتراوح الأسعار بين 45 دولاراً للرسم على الوجه و169 دولاراً لتحوّل كامل قد يشمل تركيب أذني مستذئب تكسوها شعيرات. فهل أنت مستعد للتحدي، يا ميكي ماوس؟

زائرة تخضع لمكياج مرعب
زائرة تخضع لمكياج مرعب - Bloomberg

للأشرار جانبهم من الرواية

لم تقتصر جهود "يونيفرسال" في عالم الرعب على هذا المشروع؛ إذ تستعد الشركة لافتتاح أول منزل رعب دائم ومستقل تحت اسم "يونيفرسال هورور أنليشد" (Universal Horror Unleashed) في 14 أغسطس، بالقرب من شارع لاس فيجاس ستريب.

ستنطلق التجربة مع أربع مناطق تفاعلية، من بينها مناطق مستوحاة من فيلم (The Exorcist: Believer) لعام 2023، وفيلم (The Texas Chain Saw Massacre) من 1974.

تبدأ أسعار التذاكر العادية عند 69 دولاراً، مع تخفيض خاص لسكان نيفادا، كما يضم الموقع حانة تتيح للزوار احتساء مشروب برفقة مصاص دماء.

تمضي "ديزني" بدورها في استكشاف عالم الرعب، وإن بأسلوب أكثر ملاءمة للعائلات؛ إذ تعتزم الشركة إطلاق عرض مسرحي دائم في منتزه "هوليوود ستوديوز" (Hollywood Studios) في أورلاندو بدءاً من 27 مايو، بعنوان "أشرار ديزني: خاتمة قبيحة" (Disney Villains: Unfairly Ever After)، حيث سيروي أشرار ديزني الكلاسيكيون، مثل "كرويلا دي فيل" و"الكابتن هوك" و"ماليفيسنت"، جانبهم من القصة.

رغم أن أشرار "ديزني" ليسوا مخيفين جداً لمعظم الضيوف فوق سن الخامسة، فقد أثاروا ذعر كثير من الصغار حين عُرضت أفلامهم. ويُعدّ العرض مقدمة تمهيدية لمساحة دائمة مخصصة لأشرار "ديزني"، تعتزم الشركة إنشاءها في منتزه "ماجيك كينجدوم" (Magic Kingdom)، لكن افتتاحها لن يكون قبل بضعة أعوام.

إذاً ما الذي يدفع السياح ليصطفوا أرتالاً بانتظار الانغماس في الرعب؟ قال دان ماديجان، المؤلف والمتخصص في أفلام الرعب، لطالما كان الناس مفتونين بحكايات الوحوش منذ نشأت الأساطير اليونانية والإسكندنافية. وغالباً ما تعكس القصص مصادر القلق المعاصرة، بدءاً من الرغبة الجنسية المكبوتة في العصر الفيكتوري لدى دراكولا وحتى الغزوات خارج كوكب الأرض في عصر الفضاء.

قال براين روبنسون، كبير مسؤولي الإبداع في شركة يونيفرسال: "الوحوش منبوذة… يرى كثير من الناس أنفسهم في هذه القصة".

في الأعلى، طبق تحلية في مطعم 'داس ستيكهاوس' (Das Steakhaus) مصمم على شكل تابوت، وفي الأسفل خبز مصمم على شكل وتد من حانة 'بيرنينغ بليد' (Burning Blade Tavern) في 'إيبيك يونيفرس'. - بلومبرغ
في الأعلى، طبق تحلية في مطعم "داس ستيكهاوس" (Das Steakhaus) مصمم على شكل تابوت، وفي الأسفل خبز مصمم على شكل وتد من حانة "بيرنينج بليد" (Burning Blade Tavern) في "إيبيك يونيفرس" - Bloomberg 

قال بيج تومسون، المسؤول التنفيذي في "يونيفرسال"، الذي أسهم في تطوير مشروع "هورور أنليشد" في لاس فيجاس، إن توفير هذه المساحة على امتداد العام سيمنح الزوار وقتاً أطول لاستكشاف الشخصيات والتفاعل مع القصص.

ورغم أن التجربة موجَّهة لمن تبلغ أعمارهم 13 عاماً وما فوق، تخطط "يونيفرسال" لتنظيم فعاليات أقل رعباً، مثل نسخة بإنارة كاملة تكون أخف وقعاً، إضافة إلى جولات خلف الكواليس تتيح للزوار التعرف على تفاصيل متنوعة، مثل كيفية وضع مكياج الوحوش.

مع ذلك، يبقى الرهان الأساسي على البالغين الذين يدفعون السعر الكامل للتذاكر. فاستناداً إلى مبيعات تذاكر "ليالي رعب الهالوين" (Halloween Horror Nights) من "يونيفرسال"، يفضّل الزوار خوض تجارب الرعب مع الأصدقاء وزملاء العمل؛ إذ يتوقع تومسون تنظيم حجوزات جماعية لحفلات توديع العزوبية وغيرها من المناسبات.

إذا حقق مشروع "هورور أنليشد" النجاح المنشود، قد تُفتتح مواقع مشابهة في مدن أخرى. أضاف تومسون: "لقد تلقينا ثلاثة استفسارات عن إقامة حفلات زفاف".

هذا المحتوى من "اقتصاد الشرق مع بلومبرغ".

تصنيفات

قصص قد تهمك