في مشهد غير مألوف في أروقة السياسة العالمية، تصدرت سيدة فرنسا الأولى بريجيت ماكرون، زوجة الرئيس إيمانويل ماكرون، محركات البحث ومواقع التواصل الاجتماعي، في أعقاب انتشار مقطع الفيديو الذي سجل "لحظة خاصة" بين الزوجين، وهي تدفعه قبل نزوله من الطائرة، خلال زيارة رسمية إلى إندونيسيا.
اللقطة غير المعتادة، أثارت جدلاً واسعاً وتساؤلات بشأن طبيعة العلاقة بين الرئيس الفرنسي وزوجته، فبينما وصف ماكرون الموقف بأنه كان "مزاحاً بين زوجين"، استمر الجدل ليصل إلى خصائص شخصية بريجيت، وما تمثله بجانب الرئيس، ودورها في الحياة العامة، خاصة أنها تكبره بنحو 25 عاماً.
مجلة GALA الفرنسية، نقلت عن مصدر وصفته بأنه أحد المقربين الذين كانوا على متن الطائرة، قوله إن "الصفعة لم تكن ذات إيماءات عنيفة"، مؤكداً أن "الصورة التي انتشرت عن الواقعة مجتزأة، خاصة أنها دون صوت أو سياق".
واعتبر المصدر، أن "الأمر ببساطة كان عبارة عن لحظة استرخاء بين الزوجين بعد رحلة طيران استمرت 16 ساعة".
مرحة، نشيطة، ومستقلة.. هكذا تصور الصحفية الفرنسية مايل برون، بريجيت ماكرون، في سنوات شبابها التي قضتها في منطقة بيكاردي السياحية، ونشرت بعضاً من حياة السيدة الأولى في كتاب "بيريجيت.. المرأة المتحررة"، ووصفتها بـ"الفتاة الصغيرة البرجوازية الثرية" في منطقة أميان شمالي فرنسا حيث ولدت في خمسينيات القرن الماضي.
امرأة تعيش في الظل
ولدت بريجيت في 13 أبريل 1953 في أميان بفرنسا، وهي تنحدر من عائلة تروجنيوكس المشهورة بصناعة الشوكولاتة الفاخرة، Chocolaterie Trogneux، التي تأسست في عام 1872. واليوم، تستمر مؤسسة العائلة تحت قيادة ابن أخيها جان ألكسندر تروجنيوكس، حيث تنتج حوالي مليوني قطعة "ماكارون" (نوع من أنواع الشيكولاتة) سنوياً في جميع أنحاء فرنسا.
بريجيت، امرأة تعيش في الظل، نشأت في عائلة كاثوليكية. والتحقت بمدرسة "ساكري كور" الخاصة في أميان بشمال فرنسا.
حصلت على درجة الماجستير في الأدب وشهادة الكفاءة في التدريس في التعليم الثانوي (CAPES) في الأدب الحديث. بدأت مسيرتها المهنية كمعلمة لغة فرنسية في باريس، ثم في ستراسبورج بمدرسة "لوسي بيرجر" الثانوية، قبل أن تعود إلى مسقط رأسها في عام 1991 حيث وجدت وظيفة كمعلمة للغة الفرنسية واللاتينية في مدرسة "لا بروفيدانس" الثانوية.
ودرّست في مسقط رأسها لمدة اثني عشر عاماً. كما أدارت نادي الدراما في مدرسة "لا بروفيدانس" الثانوية، التي التحق بها إيمانويل ماكرون. ويدّعي الرئيس الفرنسي أن حبه للأدب نشأ، إلى حد كبير، بفضل هذه الكاتبة.
دور خاص للدراما والمسرح
التقت به بعد ذلك عندما لعب ماكرون، البالغ من العمر 15 عاماً، الدور الرئيسي في مسرحية مدرسية بعنوان "جاك وسيده"، للكاتب التشيكي ميلان كونديرا.
كما طلب ماكرون من أستاذته يوماً أن تساعده في إعادة كتابة أجزاء من مسرحية "فن الكوميديا" لإدواردو دي فيليبو، لتوسيعها لتشمل خمسة عشر دوراً جديداً. وهنا بدأت قصة الحب تتفتح. كان الاثنان يلتقيان كل جمعة لمناقشة النص، وشيئاً فشيئاً انبهرا ببعضهما البعض.
وأقرت السيدة الفرنسية الأولى لاحقاً قائلةً: "شيئاً فشيئاً، أسرني ذكاؤه".
كانت بريجيت، التي قاربت الأربعين، متزوجة من المصرفي أندريه لويس أوزيير، وأم لثلاثة أطفال عندما التقت بماكرون في المدرسة التي كانت تُدرّس فيها الفرنسية واللاتينية.
وتحكي بريجيت عن هذه المرحلة قائلة: "أثارت الكتابة [...] تقارباً لا يُصدق. لقد اكتسب تأثيراً كبيراً عليّ... شعرتُ أنني أتراجع أنا أيضاً... لذلك طلبتُ منه الذهاب إلى باريس، إلى مدرسة هنري الرابع، لقضاء سنته الأخيرة في المدرسة الثانوية. أكد لي أنه سيعود. [...] في السابعة عشرة من عمره، قال لي إيمانويل: "مهما فعلتِ، سأتزوجكِ!".
في 20 أكتوبر 2007، تزوجت بريجيت من إيمانويل ماكرون، الذي يصغرها بأربعة وعشرين عاماً. كان زوجها الشاب آنذاك مفتشاً عاماً للمالية. أقيم حفل الزفاف في لو توكيه، بحضور رئيس الوزراء الفرنسي السابق ميشيل روكار.
وعن حياتها الخاصة بعد زواجها بماكرون، صرّحت بريجيت لصحيفة "باري ماتش" في أبريل 2014: "مع أنني لا أتعامل مع الحياة باستخفاف، إلا أنني أُصغي جيداً. وبما أننا نناقش كل مساء ما دار بيننا ونُكرر ما سمعناه عن بعضنا البعض، عليّ أن أكون مُنصتة لكل شيء، وأن أبذل قصارى جهدي لحمايته".
كانت هذه المرة الأولى التي تُفصح بريجيت ماكرون عن مشاعرها وجزء من حياتها الخاصة للصحافة، وكيف تُواجه الصعود السريع لزوجها بعد تعيينه وزيراً للمالية في عام 2014، وما هي علاقتها بالسلطة؟ وقالت: "يجب الاعتراف بأن عالم السلطة قاس. الزواج من سياسي ليس بالأمر السهل. عليك أن تُصري على موقفك وتلتزمي الصمت. أُكنّ احتراماً كبيراً لزوجات السياسيين، لأن ذلك يعني في المقام الأول "التعامل مع الموقف بشجاعة". ومع ذلك، لا أُمانع أن أكون "زوجة" لهم.
حياة عائلية جديدة
بعد ثمانية أشهر من تعيين زوجها في وزارة المالية في عام 2014، تركت بريجيت ماكرون التدريس لمتابعة مسيرة ماكرون المهنية. انتقل الزوجان إلى الوزارة، "لولاها لما رأيته أبداً". تدّعي بريجيت أنها "لم يكن لديها خيار" في السياسة، وتسترجع ذكريات حياتها: طفولتها "المدللة"، و"متع الأمومة"، وحياتها مع إيمانويل ماكرون.
وبريجيت الآن جدة لسبعة أحفاد، يحرص ماكرون على رعايتهم في عطلات نهاية الأسبوع في منزلهما في "لو توكيه"، وتقسم وقتها بين مسؤولياتها العائلية ودورها كزوجة.
في أكتوبر عام 2016، صرّح صديق مقرب من إيمانويل ماكرون لموقع Challenges: "لم يكن إنجاب الأطفال من اهتمامات إيمانويل؛ فقد ركّز على مسيرته المهنية وتبنّى عائلة". وهذا ما يدعم طموحاته، كما يقول البعض.
عن علاقتها بزوجة ابنها، تصف فرانسواز نوجيز، بريجيت بأنها "صديقة لا مثيل لها"، مشيرة إلى أنهما "يتشاركان الاهتمامات والتفاهم العميق"، حسبما نقلت مجلة "لوبوان" الفرنسية، وذلك على الرغم من توترات عائلية سابقة، على خلفية فارق السن بين الزوجين، في بداية علاقاتهما، إذ أعلنت والدة ماكرون بوضوح رفضها للعلاقة، لأن بريجيت "لديها حياتها بالفعل"، وأن ابنها "لن ينجب أطفالاً"، ولكن مع مرور الوقت تغيرت مواقف عائلة ماكرون بشكل عام.
الطريق إلى الرئاسة
بعد إنشاء حركته "إلى الأمام!"، استقال إيمانويل ماكرون من الحكومة في أغسطس 2016. وبعد بضعة أشهر، في نوفمبر 2016، أعلن ترشحه لانتخابات الرئاسة. ثم انضمت بريجيت ماكرون إلى زوجها في حملته الرئاسية.
وفي 23 أبريل 2017، فاز إيمانويل ماكرون في الجولة الأولى من انتخابات الرئاسة. وفي 7 مايو 2017، فاز في الانتخابات الرئاسية بأكثر من 66% من الأصوات، ليصبح أصغر رئيس للجمهورية الفرنسية. وهكذا أصبحت بريجيت ماكرون السيدة الأولى وانتقلت للعيش معه في قصر الإليزيه.
وخلال فترة ولاية إيمانويل ماكرون الأولى، التزمت بإدماج الأشخاص ذوي الإعاقة وحماية الطفل ومكافحة التنمر في المدارس. في عام 2018، أطلقت مشروع "لايف" لمساعدة الشباب العاطلين عن العمل وتطوير مهاراتهم. افتتحت السيدة الأولى مركزاً لاستيعاب هؤلاء الشباب في كليشي سو بوا، حيث تسافر أحياناً لتقديم دورات تدريبية متقدمة في المسرح والأدب. في يونيو 2019، خلفت بريجيت ماكرون بيرناديت شيراك في رئاسة مؤسسة مستشفيات باريس.
في 24 أبريل 2022، أُعيد انتخاب زوجها لولاية ثانية بنسبة 58.55% من الأصوات. وبذلك، ستبقى بريجيت ماكرون السيدة الأولى للجمهورية الفرنسية حتى عام 2027.
بخلاف زوجها، الذي تُظهر إفصاحاته المالية أصولاً متواضعة نسبياً، تمتلك بريجيت ماكرون ثروة طائلة من خلال الميراث والعقارات. وتعد أثمن الأصول التي تكمتلكها هي فيلا مونيجان، وهي منزل من أربعة طوابق في منطقة لو توكيه (شمال فرنسا)، ورثته عن والديها. وبعد أعمال التجديد الممولة جزئياً بقرض بقيمة 350 ألف يورو، تُقدر قيمة الفيلا الآن بين 2.7 و2.8 مليون يورو. كما أنها تمتلك عقارين تجاريين، مؤجرين لوكالة عقارات ومتجر أزياء.
بفضل هذه الأصول والممتلكات العقارية، تُقدّر وسائل الإعلام الفرنسية أن صافي ثروة بريجيت ماكرون قد يصل إلى حوالي 10 ملايين دولار بحلول عام 2025، مما يجعلها واحدة من أكثر زوجات الزعماء الأوروبيين الذين يتمتعون باستقلالية مالية.