يستعد شيا شورونج (30 عاماً) لإجراء عملية تجميل لوجهه أملاً في أن يفتح له مظهره الجديد آفاقاً مهنية جديدة، شأنه في ذلك شأن ملايين الرجال الذين يلجؤون إلى الجراحات التجميلية في الصين.
ومعايير الجمال صارمة في البلد، وهي تقتضي أن تكون البشرة فاتحة، إذ إن البشرة الداكنة غالباً ما تنسب إلى فئة الفلاحين، والعينان كبيرتين نسبياً والأنف بارزاً بما فيه الكفاية.
ولم يعد شورونج، الباحث في العلوم، يطيق مظهره الذي يذكر بالمهووسين بالمعلوماتية والتكنولوجيات الحديثة، وهو يريد اعتماد أسلوب يفتح له مزيداً من الأبواب في الحياة. وهو يقول: "في عمري، ينبغي أن أكون شاباً بهي الطلعة، في حين أنني أشبه رجلاً في عقده الرابع".
وتقوم العملية التي يستعد للخضوع لها على إعادة رسم ملامح وجهه من خلال إدخال مكونات صغيرة مصنوعة من مادة شبيهة بالعظم.
وسبق للشاب أن أنفق 40 ألف يوان (5200 يورو) على جراحة أولى في بداية العام جرى خلالها شفط فائض الدهون من جزء من جسمه لزرعه في الوجه بغية تغيير ملامحه. ويروي شيا شورونج: "أمضيت طفولتي في الريف ولم تكن بشرتي جميلة بل كانت داكنة اللون. ولم يكن مظهري فاتناً إن جاز القول". ويقر "لطالما عانيت من عقدة الدونية".
التأثير السلبي لشبكات التواصل
ولا يخفي شورونج الدور الذي لعبته شبكات التواصل الاجتماعي في هذا الخصوص حيث يتباهى المستخدمون بمظاهرهم على الصور ويقدّم المؤثّرون نصائح تجميلية.
وحاله حال عدد متزايد من الرجال المثقفين في الصين، الذين لا يتوانون عن زيارة عيادات التجميل التي تعرض عليهم مجموعة واسعة من الخدمات.
وأظهرت دراسة أجرتها مجموعة "آي ريسيرتش" التي تتخذ في شنجهاي مقراً لها أن 17% من الصينيين الموظفين في مناصب مسؤولة لجؤوا إلى هذا النوع من العمليات، في مقابل 30% من النساء، وذلك قبل بلوغهم الثلاثين من العمر في أغلب الأحيان.
وكثيرون منهم موظفون حكوميون يسعون إلى تجميل الوجه كي لا يكون شكلهم الخارجي عائقاً في مسارهم المهني، على ما توضح روز هان من سلسلة مراكز الجراحات التجميلية "بوكير".
ويكشف شيا شورونج أن "ليس الأمر بمثابة شراء حقيبة جوتشي. فالعلاج التجميلي يحسن فرصك في الحياة". وأضاف أن "الثقة بالنفس تجلب المزيد من الإيجابيات إلى الحياة المهنية والخاصة". ويؤكد الطبيب الذي أجرى له العملية أن ثمة إقبالاً متزايداً من الشباب على هذا النوع من الجراحة.
ويقول شيا جنجيي إن "الجراحة التجميلية تغير ملامح الوجه وتجعله أنعم، ما يعكس المزيد من الحميمية والمودة حيال من نتكلم إليهم ويعود بالنفع على العلاقات".
تغير مصيري
ويزداد الإقبال في أوساط الشباب العشرينيين خصوصاً على تجميل الأنف أو العينين. وهؤلاء أكثر انفتاحاً من الجيل السابق، بحسب تطبيق "سويانج" الصيني المتخصص في هذا الشأن.
ويساهم ارتفاع مستوى العيش الذي سجل زيادة حادة خلال العقدين الماضيين في الصين بدوره في ازدهار عمليات التجميل.
كان جانج شياوما موظفاً في شركة معلوماتية قبل أن تعرفه شبكات التواصل الاجتماعي مؤثراً. وهو يشارك على هذه المنصات تجربته في مجال عمليات التجميل. ويقول: "كلما ازدادت جاذبيتكم، ازدادت فرص استدعائكم أمام الكاميرات"، وهي مهام أجورها مرتفعة عموماً في الصين.
ومن بين العمليات التي أجراها الشاب، عملية مثيرة للجدل تُعرف بـ "أذني كائنات الآلْف" تقضي بضخ حمض الهيالورونيك في الأذنين لجعلهما أكثر بروزاً، فيبدو الوجه بذلك أصغر.
أما ناي وين، وهو ممثل ثلاثيني، فهو يقر بأنه أجرى 60 عملية تجميل. ويكشف الشاب أن "الأمر بسيط جداً. من الرائع أن يبدو المرء دوماً شاباً من دون أن تظهر عليه ملامح الشيخوخة". ويقول "تغير مصيري بفضل هذه العمليات".
إدمان
وبات السوق الصيني لعمليات التجميل (الجراحية منها وغير الجراحية مثل الليزر وحقن المواد) توازي 197 مليار يوان (26 مليار يورو) بحسب "آي ريسيرتش"، وازداد حجمها ثلاث مرات مقارنة بعام 2015.
غير أن هذه العمليات قد تنطوي على مخاطر. ففي عام 2020 وحده، قُدمت 7200 شكوى إلى الجمعية الوطنية للمستهلكين. وتصدرت الممثلة الصينية جاو ليو، عناوين الأخبار في مطلع العام بعد نشرها صوراً على شبكات التواصل تظهر أنفها المسود طرفه بسبب تنخر ناجم عن عملية تجميل.
ويدعو كثيرون إلى تنظيم القطاع بشكل أكثر صرامة. ويعتبر ناي وين أن عمليات التجميل قد تستحيل "إدماناً" في بعض الأحيان.
وبعد عملية استغرقت عدة ساعات في بكين، يأمل شيا شورونج وجهه في المرآة. ويقول "الأمر مختلف بعض الشيء عما كنت أتصوره. لكنني أعتقد أنني بحاجة إلى مزيد من الوقت لبلوغ الهدف المنشود".