كيف غَيّر "تيك توك" مفهوم السيرة الذاتية لدى "الجيل زد"؟

شعار تطبيق "تيك توك" على شاشة هاتف ذكي في أمريتسار، الهند، 30 يونيو 2020 - AFP
شعار تطبيق "تيك توك" على شاشة هاتف ذكي في أمريتسار، الهند، 30 يونيو 2020 - AFP
القاهرة-ميّ هشام

لا تتوقف منصة "تيك توك" عن اقتحام مساحات جديدة من يومياتنا، من الرقص واللعب وملاطفة الحيوانات الأليفة إلى إعداد الطعام وتسجيل لحظات الصغار الثمينة، وصولاً لعالم التوظيف أخيراً؛ إذ تُعد السيّر الذاتية المُصوّرة وطلبات الوظائف عبر تطبيق مشاركة المقاطع المصورة، أحدث مستجدات التوظيف حول العالم.

وعلى خلفية ذلك الاتجاه فإن "لينكد إن الجيل زد" هو اللقب الجديد الذي حازه تيك توك مؤخراً؛ إذ يرى كثير من المهتمين أن سيّر تيك توك الذاتية ما هي إلا فصل من فصول تأثيرات الجيل زد، الجيل المولود فيما بعد ما عرف باسم جيل الألفية، على ثقافة العمل، والتوظيف كذلك.

CareerTok#

"قائمة بوظائف بالمجال الطبي برواتب عالية، لم تسمع عنها من قبل"، و"لماذا تتطلب وظائف الخريجين حديثاً خبرة عامين لثلاثة أعوام؟"، "حيلة مهنية لدارسي علوم الكمبيوتر"، "كيف تُجيب إذا كان عرض العمل أقل كثيراً من توقعاتك؟".. ما سبق أمثلة لمضمون المحتوى على هاشتاج careertok# المتصاعد على تيك توك.

منذ بدء التدوين عليه، حظي هاشتاج careertok# بملايين المشاهدات والتفاعُلات التي وصلت حد 140 مليون مشاهدة، إذ تحوّل لما يشبه المظلة التي تضُم تحتها المئات من المقاطع المصوّرة -على طريقة تيك توك- في السياق المهني.

وجنباً إلى جنب مع النصائح المهنية التي يزخر بها الهاشتاج، يحتوي أيضاً على المئات من مقاطع السيّر الذاتية المُصوّرة، والتي يستخدم أصحابها المنصة لاستهداف أصحاب الأعمال الذين رُبما يبحثون عن سيرة ذاتية غير تقليدية.

وتتسم السيّر الذاتية المصوّرة على تيك توك بأسلوب خاص مُغاير للسير الذاتية المعهودة، فبجولة سريعة بين تلك المقاطع، يُلاحظ أن التكثيف هو السمة الأساسية للنمط الجديد من طلب الوظائف، بحيث لا يُعتبر الإسهاب والتطويل ميزة؛ إذ سيجبره قطعاً الزمن المحدود لمقاطع تيك توك على اختزال مميزاته في زمن لا يتعدى الدقيقة.  

وتميل أيضاً سِيّر "تيك توك" الذاتية، إلى التخلّي عن بعض الرسمية المهنية مقابل لمحة محدودة من خفة الظل، إضافة إلى حرص أصحاب تلك السِيّر على إبراز أمثلة حية من سابقة أعمالهم -إن وجدت. 

برنامج تجريبي

غير أن تسخير إمكانيات تيك توك للتوظيف ترجع إلى الصيف الماضي، حينما أطلقت المنصة برنامجاً للتوظيف بصفة تجريبية بالولايات المتحدة الأميركية، تحت عنوان TikTokResumes#، والذي استمر رسمياً قرابة الشهر، غير أن الهاشتاج لا يزال نشطاً حتى الآن.

وبحسب تقرير لشبكة سي إن بي سي في يوليو الماضي، فإن المبادرة المحدودة زمنياً، خرجت من رحم الثقافة الفرعية واسعة الانتشار على تيك توك تحت مظلة هاشتاج CareerTok# بما تحويه من نصائح العاملين والمدربين المهنيين وحيلهم للنفاذ في عالم العمل، لتختبر فعالية تيك توك في القدرة على التوظيف.

وخلال تلك التجربة، عملت منصة تيك توك كحلقة وصل بين 40 شركة بالولايات المتحدة، وبين المستهدفين بالتوظيف من الجيل زد، والأصغر سناً من جيل الألفية.

وشهد البرنامج التجريبي إقبالاً واسعاً خلال فترة تفعيله، فعلى سبيل المثال استقبل خلال الثماني وأربعين ساعة الأولى منذ تدشينه 800 سيرة ذاتية مصوّرة، تضاعفت على مدار الشهر بالتأكيد.

وقد حصدت بعض السيّر الذاتية التي جرى نشرها عبر الهاشتاج تفاعُلاً استثنائياً، فأحد المستخدمات، ماكينا يي، الطالبة ذات الواحد وعشرين عاماً، حصلت على قرابة 182 ألف مشاهدة لمقطعها المعنون "هذه هي الأسباب التي تجعلك تفكر بتعييني"، ووفقاً لنيويورك تايمز، جلب المقطع القصير 15 عرض توظيف لماكينا.

مستقبل التوظيف

وفي حين يجد ذلك النمط من طلبات شغل الوظائف رواجاً لدى مستخدمي تيك توك، فإن استمراريته تتوقف على مدى قبوله لدى أصحاب الأعمال والموظِفين، والمميزات التي تجعلهم يعتمدونها نموذجاً مقبولاً.

وتنتقص بعض الأصوات من النموذج الجديد بوصفه يفتقر للمصداقية ويعتمد على قدرة صاحب المقطع على الإبهار، فيبخس أصحاب الكفاءات جدارتهم ببعض الوظائف.

في تدوينة لها على منصة التوظيف "لينكد إن"، تتساءل المدربة المهنية كريستين بيري، عما إذا كان سيّر تيك توك الذاتية هي مستقبل التوظيف، وبالرغم من أنها ترى أنها محاولة ناجحة من تيك توك ليكون "لينكد إن" للقاعدة الجماهيرية الأحدث سناً، ومساحة جديدة لمديري التوظيف لتوسعة نطاق بحثهم، فإنها تنتقدها أيضاً.

وتتخوف كريستين من أن حصر التوظيف على تيك توك، قد يكون عقبة أمام من لا يستخدمون المنصة أو يحبذون التصوير، فضلاً عن مخاطر انتهاك البيانات الشخصية، واحتمالات التمييز والتحيز اللاواعي على أساس المظهر والعرق والعمر والقدرة البدنية.

ووفقًا لتقرير لشبكة بي بي سي، فإن 80% من مديري التوظيف الذين استطلعتهم منصة تيك توك يجدون أن السيّر الذاتية المصورة تصبح أكثر أهمية عندما يتعلق الأمر بالتفاعل مع المرشحين للوظائف، غير أن تلك الأهمية ليست مطلقة.

ففي حين من غير المرجح أن تستخدم شركات المحاماة وبنوك الاستثمار تيك توك للتوظيف، فإن المنصة لديها القدرة على المساعدة في التوظيف في مجالات مثل وسائل التواصل الاجتماعي والتسويق والوظائف التي تواجه العملاء، حيث يعتمد التقييم على عامل الشخصية.

ثقافة جديدة

ويتزامن الحديث عن تغيُر دفة التوظيف والآلية التي يتم بها مع موجة من التغيُرات في ثقافة العمل، يعزيها الخبراء إلى تأثيرات الجيل زد، الذي اقتحم لتوه سوق العمل حول العالم، على تلك الثقافة.

ووفقاً لبيزنس إنسايدر، فإن تلك الثقافة المستجدة تمتد إلى كل شيء، بدءاً من لغة التواصل الرصينة المُميزة للعمل بالمؤسسات الكُبرى، التي يستبدلها الموظفون الجدد في أوائل عشرينياتهم بالتهكم على مديريهم واستخدام الإيموجيز الساخرة أثناء المحادثات على تطبيقات العمل مثل "سلاك"، والقابلية لمراجعة وانتقاد جدوى كافة تفاصيل العمل حتى عدد ساعات العمل.

الاهتمام بصحتهم النفسية، والرغبة في أعمال يهتمون لها حقاً، تمثل أولويات الجيل زد وملامح ثقافة العمل التي أتوا بها، وبالرغم مما تبدو عليه من بداهة، قد تشكل أزمة لمديريهم.

ورصد تقرير لنيويورك تايمز بعنوان "البالغون من العمر 37 عاماً يخافون من البالغين 23 عاماً الذين يعملون لديهم"، مواجهة الموظِفين من الأجيال الأكبر سناً صعوبات كبيرة في التكيف مع عادات العمل لدى الجيل زد.

اقرأ أيضاً: