"كومبين".. ذكرى هدنة "منسية" أنهت الحرب العالمية الأولى

طاولة الاجتماعات شهدت توقيع هدنة "كومبين" داخل عربة القطار الشهيرة في 11 نوفمبر 1918 - Getty Images
طاولة الاجتماعات شهدت توقيع هدنة "كومبين" داخل عربة القطار الشهيرة في 11 نوفمبر 1918 - Getty Images
القاهرة-ميّ هشام

تحوز اتفاقية فرساي الشهرة الأكبر، بوصفها اتفاقية السلام التي انتهت بموجبها الحرب العالمية الأولى في الثامن والعشرين من يونيو عام 1919، غير أن بداية النهاية للحرب العالمية الأولى أتت قبل ذلك بنحو عام، في بادرة سلام أقل شهرة هي هدنة كومبين.

ويعتبر توقيع تلك الهدنة المقدمة الأولى للاستسلام الألماني في الحرب، وجرى توقيعها بالتحديد في الحادي عشر من نوفمبر عام 1918، على متن عربة قطار سكة حديد بغابة كومبين الفرنسية.. فماذا نعرف عن تلك الهدنة المنسية في ذكراها؟

الحرب العظمى

قبل اندلاع الحرب العالمية الثانية، كانت الحرب العالمية الأولى (1914- 1918) تُلقب بالحرب العظمى، وقد استمرت على مدار أربعة أعوام وراح ضحيتها الملايين، إلى جانب ملايين آخرين من المصابين.

ووفقاً لـ"ناشيونال جيوجرافيك"، فإن الحرب العالمية الأولى أفسدت المناظر الطبيعية المميزة لقارة أوروبا، وانطوت على سوابق استخدام أكثر من تكنولوجيا قتالية مميتة كالغازات السامة، ووقع في شركها نحو 30 دولة، وتزامنت أيامها الأخيرة مع وباء الأنفلونزا لتتحول إلى مأساة ذات حدين.

بحلول أكتوبر من 1918، كانت الحرب العظمى تستعد لوضع أوزارها، إذ شرعت الجبهات القتالية المتعددة حول العالم في الانطفاء واحدة تلو الأخرى.

ووفقاً للموقع الرسمي للمتحف الوطني الأميركي للحرب العالمية الأولى، فإن هدنة بين الإمبراطورية العثمانية والحلفاء جرى توقيعها في أكتوبر، تلتها هدنة أخرى بين إيطاليا والإمبراطورية النمساوية المجرية.

تداعي الجيش الألماني في تلك الآونة، ما قضى بتسريع التفاوض بين قوات الحلفاء والجانب الألماني، لتعزز أنباء تنازل القيصر ويلهلم الثاني عن العرش في التاسع من نوفمبر عام 1918 من عمليات التفاوض.

شروط قاسية

بالرغم من أن الحديث عن مبادئ الوصول لسلام دون انتصار أي من الأطراف يرجع إلى يناير عام 1918، فوصولاً إلى تلك النقطة من نوفمبر، كان المارشال الفرنسي فرديناند فوش، قائد لجنة تفاوض الحلفاء غير مستعد للتهاون بالمرة مع الجانب الألماني.

وضمّت شروط الهدنة التي قُدمت في الثامن من نوفمبر للجانب الألماني 18 بنداً تتضمن الاستسلام شبه الكامل للجيش الألماني، والجلاء عن فرنسا وبلجيكا والضفة اليسرى لنهر الراين بكاملها، إضافة إلى استسلام  القوات الألمانية في شرق أفريقيا، وانسحاب الجيوش الألمانية في أوروبا الشرقية إلى حدود ألمانيا قبل الحرب.

ووفقاً للموسوعة البريطانية، فإن الهدنة ألزمت الألمان أيضاً بإعادة جميع أسرى الحرب إلى أوطانهم وتسليم الحلفاء كمية كبيرة من عتاد الجيش الألماني، وفي غضون ذلك، كان من المفترض أن يستمر حصار الحلفاء لألمانيا.

وعلى الجانب الآخر، تولى قيادة الجانب الألماني خلال عملية التفاوض السياسي ماتياس ارزبرجر، والذي جرى تفويضه للتوقيع باسم الحكومة الألمانية على بنود الهدنة.

عربة كومبين

استكمالاً للشروط القاسية، طلب المفاوض الألماني من مفاوض الحلفاء بتمديد مهلة التفاوض (27 ساعة) 24 ساعة زيادة، غير أن المارشال فوش رفض. ووفقاً للتفاصيل التي توردها المنصة الرسمية للمتحف الفرنسي المخصص لإحياء ذكرى الهدنة، تلقى الحلفاء في تمام العاشرة من مساء العاشر من نوفمبر رسالة برقية مقتضبة تفيد موافقة الألمان على الشروط، وتفويض ارزبرجر بالتوقيع.

وقد جرى توقيع الهدنة في تمام الساعة 5:30 صباحاً بين المفوضين الألمان والحلفاء لتدخل حيز التنفيذ في 11 نوفمبر الساعة 11 صباحاً بغابة كومبين الفرنسية، وبذلك ينتهي القتال رسمياً على جميع الجبهات.

وتتصل سيرة معاهدة كومبين إلى حد بعيد، بعربة القطار التي وُقعت فيها معاهدة الهدنة، والتي كانت قبيل انتقالها إلى خدمة الجيش الفرنسي، عربة طعام سكة حديد مدنية، لتتحول بعد ذلك إلي مكتب للمارشال فوش، وفقاً لموقع هيستوري.

عربة سكة حديد التي شهدت التوقيع على هدنة كومبين التي أنهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 - Hulton Archive
عربة سكة حديد التي شهدت التوقيع على هدنة كومبين التي أنهت الحرب العالمية الأولى عام 1918 - Hulton Archive

 

وبالرغم من عودة عربة كومبين للخدمة المدنية، في عام 1927، جرى نقلها لتكون محور نصب تذكاري عن الحرب العالمية الأولى بغابة كومبين حيث كُتب "هنا فى الحادي عشر من نوفمبر استسلم كبرياء الرايخ الألماني الآثم مهزوماً بأيدي الشعوب التي حاول استعبادها".

 غير أنها بعد 22 عاماً، وقعت في حوزة الجيش الألماني خلال الحرب العالمية الثانية، كعلامة على استرداد كرامة جيش الرايخ.

أخيراً جرى تفجير العربة قبيل استسلام الجيش الألماني مرة أخرى في الحرب العالمية الثانية من قبل رجال وافن إس إس، كي لا يكون بوسع الحلفاء إهانة الألمان مجدداً بذكرى الهدنة.

6 ساعات دامية

وبالرغم من توقيع الهدنة في الساعة الخامسة والنصف من صباح الحادي عشر من نوفمبر، فدخولها حيز النفاذ في الحادية عشر صباحاً، جعل الست ساعات المتبقية من الحرب بالتوقيت الباريسي نافذة لسقوط المزيد من الضحايا؛ إذ آثر القادة على خط النار استمرار القتال حتى بالرغم من توقيع الهدنة.

ووفًقا لموقع هيئة الإذاعة البريطانية، فإن التقديرات تشير لأن حصيلة ضحايا اليوم الأخير من الحرب العالمية الأولى يصل إلى 11 ألف ضحية.

ويُعد الجندي البريطاني جورج إدوين إليسون آخر جندي بريطاني يقتل في المعركة، في التاسعة والنصف صباحاً، حينما كان يستكشف ضواحي مدينة مونس البلجيكية؛ حيث أُبلغ عن جنود ألمان في الغابة.

أما الجندي  أوغستين تريبوتشون، فكان آخر من سقط على الجانب الفرنسي في تمام الحادية عشر إلا ربع، أثناء قيامه بتبليغ رسالة مفادها أن الحساء سيجري تقديمه للجنود في تمام الحادية عشر ونصف بعد نفاذ الهدنة.

وبالرغم من تلقيب الحرب العالمية الأولى بـ"الحرب التي ستنهي كل الحروب"، من فرط ما قتلت وأظهرت لسكان العالم الوجه القبيح للحرب، فمن المعتقد أن شروط الهدنة القاسية وعقوبات اتفاقية فرساي الشديدة على الجيش الألماني هي التي تسببت في الاضطراب والقلقلة بالقارة الأوروبية، واندلاع الحرب العالمية الثانية أخيراً.