تنتقل ملايين العملات الأميركية يومياً من يد لأخرى ومن دولة لأخرى، وتتبدل قيمة الدولار من حين لآخر، لكن وجه جورج واشنطن أول رئيس للولايات المتحدة الأميركية على الدولار، لا يتغير.
مسيرة جورج واشنطن التي انتهت في مثل هذا اليوم بوفاته في 14 ديسمبر 1799، لا تنحصر في كونه أول رئيس للبلاد في أعقاب الاستقلال عن التاج البريطاني، إذ إن شخصية الأب المؤسس تتمتع بأوجه عدة بينها المحارب والمزارع والسياسي فضلاً عن كونه هو وجه ورقة الدولار.
المزارع
في 30 أبريل من عام 1789 أدى جورج واشنطن القسم كأول رئيس للوطن الأميركي الناشئ آنذاك، كان يبلغ من العمر 57 عاماً، بيد أنه أمضى أغلب سنوات حياته التالية مكرساً وقته للعمل، يسهم على طريقته في تشكيل ملامح العالم الجديد الذي نألفه اليوم، قبل أن يتنحى عن منصبه، ويعود لسيرته الأولى، مالك أراض ومزارع من فيرجينيا.
ولد واشنطن لعائلة من الطبقة المتوسطة عام 1732، لوالد يملك مزارع وأراضي في نطاق المستعمرة، غير أن الأب توفي وكان جورج لا يزال صبياً في عمر الـ 11، ويعتقد أنه تحمل بعض المسؤوليات من سن صغيرة كمساعدة والدته على إدارة المزرعة التي آلت إليهما من تركة الوالد، كما يُرجح موقع Mount Vernon الخاص بمنزل واشنطن التاريخي.
وانعكست الأوضاع المادية لأسرته على مسيرته التعليمية، إذ يُعتقد أنه لم يلتحق بتعليم جامعي أو دراسة نظامية رفيعة المستوى، بل تلقى دروساً منزلية وتعلم القراءة والكتابة والهندسة.
لم يُفتتن جورج واشنطن في مراهقته وشبابه بالسياسة أول الأمر، بل أبدى إعجاباً شديداً بأنشطة مسح وقياس الأراضي كما اتخذها مهنة لفترة من الوقت، وخرج مع جماعات الاستكشاف على حدود فيرجينيا الغربية.
لكن القدر أبى إلا أن يُعيده للزراعة مرة أخرى، إذ توفي أخوه الأكبر لورانس في العام 1752، ليصبح واشنطن وريث العائلة، حيث آلت إليه أراض شاسعة وممتلكات من بينها أراضي ومنزل Mount Vernon الذي ارتبط باسم الرئيس لاحقاً والمقرب لقلبه حسبما يصف موقع Biography.
العسكري
دق الإرث الوفير ورغد العيش باب واشنطن وكان لا يزال شاباً عمره 20 عاماً، لكنه اختار النشاط العسكري، وشارك في المناوشات التي تطورت لتُصبح الحرب الفرنسية الهندية عام 1754، وأُسر في القتال، وكاد يُصاب حين اخترقت 4 رصاصات معطفه، كما أصيب اثنان من جياده لكنه نجا، وتولى قيادة قوات فيرجينيا، ثم قرر العودة لدور المزارع وانشغل بالزواج وتكوين عائلة بنهاية الحرب.
حياة واشنطن التقليدية تقاطعت مع الاضطرابات المؤدية لاشتعال حرب أخرى في العالم الجديد، هذه المرة ما بين التاج البريطاني ومستعمراته في أميركا الشمالية التي عُرفت لاحقاً بحرب الاستقلال الأميركية، ليعود القائد مرة أخرى لجنوده، هذه المرة منتخباً كقائد عام للجيش من قبل الكونجرس القاري الثاني عام 1775.
على الرغم من ضعف قواته تمكن واشنطن من مناورة التاج البريطاني، ووفقاً لموقع البيت الأبيض اعتمد القائد على التحرش بالقوات البريطانية ومناوشتها مع تجنب المواجهات المباشرة، وأثمرت خُططه في العام 1781، حين هُزمت الإمبراطورية ولاحقاً اعترفت باستقلال الولايات المُتحدة.
الرئيس
بنهاية الحرب، بدأت السياسة الداخلية تشغل واشنطن بشكل جدي، إذ رأى عدم كفاية الوثائق الكنفدرالية لتوطيد أسس البلاد، فعمد إلى الدفع في سبيل تنظيم الحكم، فكان الدستور الأميركي، ثمرة المؤتمر الدستوري في فيلادلفيا عام 1787، وبعد إقرار الدستور الجديد، أصبح واشنطن الرئيس الأميركي الأول والأخير حتى يومنا الذي يحظى بإجماع انتخابي، حيث دعمته للرئاسة أصوات الهيئة الانتخابية كاملة كما ورد بموقع Mount Vernon.
قضى الرئيس فترتين رئاسيتين في سُدة الحكم، اُسست خلالهما ملامح عاصمة البلاد كما نعهدها اليوم، وسُميت أسوة به، كما حاولت الحكومة السيطرة على مشكلة الديون الأميركية وإنهاء الحرب مع السكان الأصليين، إلا أن ذلك لم يمنع تطور المشهد السياسي ليُسفر عن انقسامات حزبية أزعجت واشنطن.
تنحى واشنطن عن الحكم وعاد لمنزله الريفي في نهاية فترته الرئاسية الثانية، وتوفي بعد سنوات قليلة في ديسمبر، بعد أن أمضى يوماً ممطراً على ظهر جواده ومرض على إثره، إلا أن ذكراه ما تزال قائمة، عبر منزله المفتوح إلى اليوم أمام الزوار، وعبر صورته الأيقونية على العملة الأميركية فئة دولار واحد، فضلاً عن ذكرى تاريخية لمشواره غير الاعتيادي بين السياسة والقتال والحياة الريفية.