ذهب وفضة وآثار.. باحثون عن الكنوز ينهبون مدينة أثرية في ألبانيا

عالم الآثار سكيندر موكاج يتفقد الحفر التي حفرها باحثون عن الكنوز بشكل غير قانوني في الوقع الأثري بالقرب من مدينة تيرانا في ألبانيا- 13 يونيو 2022 - AFP - AFP
عالم الآثار سكيندر موكاج يتفقد الحفر التي حفرها باحثون عن الكنوز بشكل غير قانوني في الوقع الأثري بالقرب من مدينة تيرانا في ألبانيا- 13 يونيو 2022 - AFP - AFP
كورشه، ألبانيا- أ ف ب

في مدينة ألبانية أثرية مهملة، يحفر ناهبو كنوز الحقول بحثاً عن الذهب أو الفضة أو القطع الأثرية النادرة لبيعها إلى مهرّبين دوليين.

وغالباً ما يفلت الباحثون غير الشرعيين عن الآثار من العقاب في ألبانيا، ما يثير غضب علماء الآثار بشأن سرقة التراث الوطني الذي لا يقدر بثمن ويغذي السوق السوداء العالمية.

وتؤكد الحكومة أنها تعمل على تدابير من شأنها توفير حماية للمواقع التي ينهبها اللصوص والمحافظة عليها، لكن ذلك لم يمنع السرقات حتى الآن رغم أن حيازة القطع الأثرية في ألبانيا تُعتبر جريمة، على غرار معظم البلدان.

وكانت هذه المنطقة القريبة من كورشه والمغطاة حالياً بالأعشاب، في الماضي مدينة هيا إي كوربيت التي تعني "ظل الغراب" بالألبانية.

Archaeologist, Skender Mucaj inspects holes dug by illegal treasure hunters at the ruins of the Church of St. Mary in Brrar, near the city of Tirana on June 13, 2022. The Church of St. Mary is an archeological site of an 11th-century monument that has been heavily damaged by illegal digs. - In an ancient Albanian city abandoned to its fate, treasure looters dig holes in search of gold, silver or rare archaeological pieces that they could resell. (Photo by Gent SHKULLAKU / AFP) - AFP
عالم الآثار سكيندر موكاج يتفقد الحفر التي حفرها باحثون عن الكنوز بشكل غير قانوني في أنقاض كنيسة القديسة ماري في بررار بالقرب من مدينة تيرانا في ألبانيا- 13 يونيو 2022 - AFP

شهرة المنطقة

وتعرضت المنطقة الواقعة على سفح أحد التلال خلال السنوات الأخيرة للدمار على يد لصوص استخدموا مجارف وجرافات للبحث عن معادن نادرة وقطع أثرية.

ويقول أكشيم لاجشتاري (60 عاماً)، وهو أحد السكان المحليين، إن "أشخاصاً يأتون من كل المناطق ويتوافدون إلى هذه الأماكن"، مضيفاً أنهم "يحفرون في كل مكان آملين في العثور على ذهب أو فضة أو أي عناصر ثمينة أخرى".

 واكتسبت المنطقة شهرة بعدما عثر فيها خلال ثمانينات القرن الماضي على أكثر من 600 قطعة نقدية فضية يعود بعضها إلى فترة حكم الإسكندر الأكبر.

ويقول خبراء لوكالة "فرانس برسط إن أعمال تنقيب غير قانونية رُصدت تقريباً في كل موقع أثري بارز في المنطقة التي تضم مقابر جماعية تاريخية وحصوناً وآثاراً أخرى تعود إلى ما بين العصر البرونزي حتى أوائل العصور الوسطى.

وتؤكد روفينا كورتي، رئيسة قسم عصر ما قبل التاريخ في معهد تيرانا للآثار، أن "المشكلة مقلقة جداً في هيا إي كوربيت التي تمثل مدينة أثرية مهمة لم يكتشفها علماء الآثار بعد".

وتضيف أن الباحثين غير الشرعيين عن الآثار "يدّمرون المنطقة وينهبون تراثها الوطني".

This picture taken on June 13, 2022, shows silver coins found in 1982 at
مجموعة من العملات الفضية في متحف البنك المركزي الألباني بعد العثور عليها عام 1982 في موقع "هيا إي كوربيت" الأثري بألبانيا- 13 يونيو 2022 - AFP

وتوضح سيسيل أوبرويلر، وهي المديرة السابقة للبعثة الفرنسية الألبانية في كورشه، أن اللصوص غالباً ما يقضون على البيانات العلمية إذ يزيلون القطع الأثرية من موقعها الأساسي الذي يشكل عنصراً رئيساً يتيح للخبراء فهم تاريخ الموقع.

أعمال تخريبية

وفي شمال شرق العاصمة تيرانا، تعرضت بقايا كنيسة يعود تاريخها إلى القرن 11 أو القرن 12 لتشويه في معالمها نتيجة ثقوب كبيرة أحدثها اللصوص.

وكان يُفترض أن تكون كنيسة مريم العذراء محمية كونها مصنفة معلماً ثقافياً، لكن هذا التقاعس لم يمنع اللصوص من نهب المنطقة.

ويقول عالم الآثار اسكندر موتساي: "يمكننا أن نطلق أي اسم على الممارسات التي تُسجل لكنها في الواقع تشكل أعمالاً تخريبية يتسبّب بها اللصوص".

 أما بالنسبة إلى نورا برايا (80 عاماً)، وهي من السكان المحليين، فكانت عمليات التخريب هذه مؤلمة. وتقول باكيةً لوكالة "فرانس برس": "كنت أرتاد كنيسة مريم العذراء كل ثلاثاء لأصلّي".

وتعبر عن اعتقادها بأن"العذراء أنقذت حياة ابني المريض بينما كنت عاجزة عن إنقاذ هذا المكان"، مشيرة إلى أنها تأمل في أن "تطارد اللعنة هؤلاء اللصوص".

وفيما يشير الخبراء إلى عدم اتخاذ إجراءات قانونية كافية لوقف عمليات النهب، تقول وزارة الثقافة الألبانية للوكالة إن الجهود جارية لمكافحة "التهريب غير المشروع للآثار".

عالم الآثار إسكندر موكاج يعرض قذيفة وجدها في حفرة عبث بها باحثون عن الكنوز غير الشرعيين في أنقاض كنيسة القديسة ماري في بررار بالقرب من مدينة تيرانا - 13 يونيو 2022 - AFP
عالم الآثار إسكندر موكاج يعرض قذيفة وجدها في حفرة عبث بها باحثون عن الكنوز غير الشرعيين في أنقاض كنيسة القديسة ماري في بررار بالقرب من مدينة تيرانا - 13 يونيو 2022 - AFP

خطة وطنية

ومن بين هذه التدابير خطة عمل وطنية أُعلنت عام 2018، إضافة إلى مبادرات تهدف إلى تحسين التنسيق مع المنظمات الدولية في هذا الشأن.

وتفتقد ألبانيا لأرقام رسمية عن القيمة التقديرية للآثار المسروقة منها، لكن الباحثين يشيرون إلى أنهم متأكدين من أن بعض القطع الأثرية أصبحت في حوزة تجار دوليين ثم بيعت ضمن مزادات لمتاحف أو لمجموعات خاصة في الخارج.

ويعتبر نيريتان سيكا، وهو عالم آثار ومؤرخ متخصص في الأعمال الفنية، أن ما يحصل يشكّل "معركة تعجز ألبانيا عن قيادتها بمفردها، فالمسؤولية تقع كذلك على سلطات بلدان أخرى تغض الطرف عندما تُعرض الآثار في متاحفها".

وكان للإدانة الموجهة أخيراً إلى المدير السابق لمتحف اللوفر في باريس جان-لوك مارتينيز المتهم بالتواطؤ لإخفاء عملية سرقة كنوز أثرية، الفضل في الإضاءة على حجم التجارة غير المشروعة بالآثار.

ويرى عالم الآثار الفرنسي باسكال دارك أن المشكلة تنتشر على نطاق واسع فيما لا تأخذ المتاحف على محمل الجد عملية التحقق من أصالة القطع المعروضة للبيع والمنطقة التي تأتي منها.

وفيما يشدد دارك على ضرورة "حظر بيع" القطع الأثرية، يؤكد أنه "يجب إعادتها إذا حُددت المنطقة الجغرافية التي وصلت منها".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات