دخل خبز الباجيت الفرنسي، الذي يعدّ عنصراً رئيساً على موائد الطعام، قائمة الأمم المتحدة للتراث الثقافي غير المادي، وذلك تقديراً للمهارات الحرفية في إعداده وللثقافة المحيطة به، خصوصاً أن المائدة الفرنسية لا تكتمل من دونه، بحسب وكالة "فرانس برس".
وصوّتت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) ومقرّها باريس، الأربعاء، لصالح إدراج "مهارة صناعة خبز الباجيت وثقافته" على قائمتها للتراث الثقافي غير المادي، التي تضم نحو 600 ممارسة تقليدية من أكثر من 130 دولة.
وتهدف المنظمة الدولية من قائمتها هذه إلى التعبير عن أهمية التقاليد وضرورة الحفاظ عليها، لا على المنتجات ذاتها.
12 مليون مستهلك
يذهب إلى المخبز للتزوّد بالباجيت يومياً 12 مليون مستهلك فرنسي، وتعدّ تلك العادة عنصراً متجذّراً في المجتمع الفرنسي، وواحدة من العادات المتأصلة في يومياتهم. ويصل عدد قطع الباجيت التي تباع سنوياً إلى 6 مليارات.
رئيس الاتحاد الوطني للمخبوزات والحلويات الفرنسية، دومينيك أنراكت اعتبر، في بيان، أن إدراج الباجيت في قائمة اليونسكو "خبر كبير للخبّازين، وهو بمثابة تقدير".
وقال لوكالة "فرانس برس" من الرباط حيث أعلنت نتائج تصنيف "اليونسكو"، إن ذلك قد "يدفع الشباب إلى امتهان صناعة الخبز، ويحفز الأجانب على اكتشاف الباجيت".
الخبز للجميع
اعتبرت الخبازة الباريسية بريسيلا هايرتز أن الإدراج "هو بالفعل نوع من التكريس، فالخبز منتج أساسي يعني كل الفئات الاجتماعية، فالجميع يأكلون الباجيت، سواء أكانوا أغنياء أم فقراء".
وقالت وزيرة الثقافة الفرنسية ريما عبد الملك "إنه تقدير كبير للحرفيين الفرنسيين، وللأماكن الجامعة التي هي مخابزنا".
واعتبرت المديرة العامة لـ"اليونسكو"، أودري أزولاي أن المنظمة التابعة للأمم المتحدة تؤكد بإدراجها الباجيت في قائمتها أن "العادات الغذائية يمكن أن تشكّل تراثاً بحد ذاتها".
الرئيس ماكرون
وكان الرئيس إيمانويل ماكرون قد دعم ملف الترشيح الذي تقرّر عام 2021، من خلال وصفه رغيف الباجيت الفرنسي بأنه "عبارة عن 250 غراماً من السحر والكمال".
تكمن أهمية إدراج الباجيت في قائمة "اليونسكو" في كونها تعيد إبراز أهمية إنتاجه حرفياً، في وقت يشكّل الإنتاج الصناعي خطراً على الخبّازين الحرفيين الذين يعانون من انحسار عدد مخابزهم، وخصوصاً في المناطق الريفية.
مرسوم الخبز
عام 1970، وصل عدد المخابز الحرفية إلى 55 ألفاً (بمعدل مخبز لكل 790 نسمة)، أما اليوم فبات عددها 35 ألفاً (مخبز لكل ألفي نسمة)، أي أن 400 مخبز توقفت عن العمل سنوياً في الأعوام الخمسين الأخيرة.
وفي ظل التطوّر المستمر لصناعة الرغيف، فرض "مرسوم الخبز" في عام 1993 تسمية "الباجيت التقليدي الفرنسي"، بهدف حماية الخبّازين الحرفيين، وفي الوقت نفسه فرض شروطاً صارمة للغاية تحظر استخدام المواد المضافة.
كذلك تقام مسابقات وطنية لصناعة الخبز، يُقسم فيها المرشحون إلى فئات للسماح لهيئة التحكيم بتقييم نوعيته مذاقاً وشكلاً.
تراجع الاستهلاك
الخبّاز الباريسي جان إيف بولييه أوضح لوكالة "فرانس برس" عام 2019، أن "صنع الباجيت الفرنسي يعتمد بشكل كبير على الطقس، ويجب الأخذ في الاعتبار درجة حرارة العجين والماء والمخبز".
أضاف: "ليكون الخبز مثالياً، يجب أن يكون المخبز دافئاً، لكن دون حرارة 22 درجة، ورطباً حتى لا يتفكك العجين ويجفّ الخبز". ويتطلب صنع هذا الخبز العَجن البطيء، والتخمير الطويل، والتشكيل اليدوي، ثم الخبز في فرن الموقد، وكل هذا يحتاج إلى إلمام ومهارات بحسب المختصين.
وقال لويك بيانازي من المعهد الأوروبي لتاريخ الأغذية وثقافاتها، وهو أحد أعضاء اللجنة العلمية التي أعدّت الملف المقدم إلى "اليونسكو": "ظهرت كلمة باجيت مطلع القرن العشرين، وأصبحت شائعة بين الحربين العالميتين".
أضاف لوكالة "فرانس برس": "في البداية كان الخبز الفرنسي يُعدّ منتجاً فاخراً، إذ كانت الطبقات الشعبية تأكل الخبز الريفي الذي يخزّن بشكل أفضل. ولاحقاً أصبح استهلاكه شائعاً بين كل الطبقات الاجتماعية، ووصل إلى الأرياف في ستينيات القرن العشرين وسبعينياته".
أما اليوم، فيشهد استهلاك الباجيت الفرنسي "تراجعاً وخصوصاً في صفوف أثرياء المدن الذين يختارون الخبز بالخميرة، نظراً لتمتعه بمزايا غذائية أكبر"، وفقاً لما قاله بيانازي.
اقرأ أيضاً: