تونس.. تلميع الأواني النحاسية تقليد يزدهر في رمضان

ورشة تلميع أوان نحاسية بالمدينة القديمة في تونس العاصمة. 18 مارس 2023 - AFP
ورشة تلميع أوان نحاسية بالمدينة القديمة في تونس العاصمة. 18 مارس 2023 - AFP
تونس -أ ف ب

يقف الحرفي، الشاذلي المغراوي، في ورشته بالعاصمة التونسية وسط أباريق وأقدار متراصة بداخلها، وفي انتظاره عملاء دأبوا منذ سنوات على جلب أواني الطهي النحاسية لطلائها بطبقة من القصدير وتلميعها، لاستعمالها في إعداد الطعام خلال شهر رمضان.

والمغراوي (69 عاماً) من بين قلة قليلة من الحرفيين المتخصصين في طلاء وتلميع الأواني النحاسية، وفيّ منذ عشرات السنين لورشته التي أنشئت عام 1977 في حي باب الخضراء بالقرب من المدينة القديمة بالعاصمة تونس، فيما لم يعد بريق هذه الحرفة يجذب الشباب التونسي الذي هجر الأعمال الشاقة.

ويحرص التونسيون قبل شهر رمضان من كل عام على حمل كل الأواني المصنوعة من النحاس إلى ورش متخصصة في تنظيفها وطلائها من جديد لتصبح جاهزة لإعداد مختلف الأطباق خلال هذا الشهر.

ويكرّر العديد من العملاء وغالبيتهم من النساء اللاتي يقفن في مدخل الورشة، طلب الإسراع بتجهيز الأواني قبل أول أيّام رمضان.

أوان قديمة وأدوات طهي يتم صقلها قبل حلول شهر رمضان المبارك  - AFP
أوان قديمة وأدوات طهي يتم تلميعها قبل حلول شهر رمضان - AFP

تراث وأصالة

المغراوي يرد على زبائنه بينما يعالج نيران موقده: "لن يكون ذلك ممكناً. لدينا طلبات أخرى، وكما ترين أعمل بمفردي".

ويذيب بين أنامله قطعة من القصدير ثم يطلي بسائلها وعاءً ليكشطه لاحقاً ثم يغرقها في سطل كبير من الماء.

ويطلق التونسيون على هذه العملية "القصدرة" وتتمثل في إكساء الآنية بطبقة من القصدير المُذاب لحماية الطعام وحفظة من الأكسدة التي يتسبب فيها معدن النحاس.

ويشرح المغراوي أن هذا التقليد "موجود منذ قرون ويبقى دائماً حياً".

وتحتفظ الأمّهات التونسيات بأواني النحاس في مطبخهنّ، يرثنها ويورّثنها لحفيداتهن لتكون من بين المستلزمات الأساسية في تجهيز بيوتهن قبل الزواج.

وقالت سناء بوخريص (49 عاماً) بكل فخر: "أشعر بإحساس جميل عندما استعمل الدوزان (قنينة من النحاس) وهو يلمع طوال شهر رمضان".

وأضافت بوخريص وهي متخصصة في المحاسبة ومتزوجة منذ 28 عاماً: "يذكرني هذا التقليد بالزمن الجميل واستعداد أمي للشهر الفضيل".

وتابعت: "هذه الأواني الموروثة من أمي فيها بركة".

لم تتمكن دليلة بوبكر (53 عاماً) وهي ربة بيت، هذا العام إلا من تلميع قطعتين فقط، بينما تكابد عائلات تونسية أخرى بحثاً عما تطبخ وسط أزمة اقتصادية واجتماعية حادة تمر بها البلاد.

صقل أواني الطهي عبر تعريضها للنار تقليد متوارث في تونس. - AFP
صقل أواني الطهي عبر تعريضها للنار تقليد متوارث في تونس - AFP

وعلّقت دليلة: "أصبحت الأسعار جدّ مرتفعة".

وتبلغ تكلفة عملية "القصدرة" ما بين 20 ديناراً و200 دينار (بين 6 و65 دولاراً) وتختلف الأسعار بحسب مقياس حجم الوعاء.

"سوق النحاس"

وتشهد الصناعات الحرفية لأدوات المطبخ تراجعاً بسبب ارتفاع أسعار معدن النحاس في كل أنحاء العالم، لكن وفي المقابل لا يزال ثمة طلب متزايد على تلميع الأواني القديمة في تونس، وفقاً للعديد من الحرفيين. 

وقال مبروك رمضان (82 عاماً) وهو حرفي يملك 3 محال في "سوق النحاس" بالمدينة القديمة: "لم يعد باستطاعتنا قبول المزيد من الطلبات".

ووسط هذه السوق الشهيرة بالعاصمة، يعرض حوالي 50 متجراً، مستلزمات المطبخ التي أخرجها الحرفيون بحلّة وتصميم جديدين. ومع اقتراب شهر رمضان يشتري التونسيون أوان للطهو، وإعداد القهوة، وأباريق للشاي، وأكواباً صغيرة وقدوراً.

ويعرض مبروك رمضان للبيع أوان قديمة لكنه يصفها بأنها "مثل المجوهرات بالنسبة لبعض العملاء"، في تقدير الحرفي الذي يعرب عن أسفه لعدم اكتراث أبنائه بأهمية هذه المهنة.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات