وجد فريق من علماء الآثار في محافظة العلا، شمال غربي المملكة العربية السعودية، أقدم دليل على وجود حيوانات تعايشت مع البشر في الجزيرة العربية.
ويأتي هذا الاكتشاف، في إطار المسح الأثري الشامل للهيئة الملكية للمحافظة، وذلك ضمن مشاريع البحث والتنقيب القائمة في المحافظة.
ووجد الباحثون عظاماً تعود لكلب في مدفن يعتبر من أقدم المدافن التي تم تحديدها في المملكة، وهي معاصرة تقريباً لتلك المدافن المكتشفة والمؤرخة في أقصى شمال بلاد الشام.
وتشير الأدلة إلى أن أقدم استخدام للمدفن كان حوالى العام 4300 قبل الميلاد، واستمر استخدامها لفترة تزيد على 600 عام، وذلك خلال فترة العصر الحجري الحديث-النحاسي.
ويعتبر هذا الدليل الأقدم على وجود كلاب تآلفت مع السكان القدماء في شبه الجزيرة العربية.
"نقلة نوعية"
وقالت ميليسا كينيدي، مساعدة مدير مشروع المسح الجوي الأثري في العلا: "ما نجده سيُحدث نقلة نوعية في الطريقة التي ننظر بها إلى فترات مثل العصر الحجري الحديث في منطقة الشرق الأوسط"، لافتة إلى أن "الحصول على معلومات تتعلق بالفترة الزمنية المستخدمة للمدافن الأسرية لمئات السنين، يعد أمراً حديثاً على مستوى الاكتشافات العلمية حول فترة العصر الحجري الحديث في شبة الجزيرة العربية".
وأشار هيو توماس، مدير مشروع المسح الجوي الأثري في العلا إلى أن "آثار المنطقة تعد المنطلق الذي سيسهم في الكشف عن مدى أهميتها لمراحل تطور البشرية في الشرق الأوسط".
تجدر الإشارة إلى أنه سيتم نشر نتائج الاكتشاف الأخير، في مجلة "The Journal of Field Archaeology".
ويضم الفريق المشترك للمشروع أعضاء سعوديين وأستراليين وأوروبيين، وتركزت جهوده على موقعين للدفن فوق الأرض، يعود تاريخهما إلى الألفية الخامسة والرابعة قبل الميلاد، ويقعان على بعد 130 كيلومتراً عن بعضهما، أحدهما في المرتفعات البركانية، والآخر في الأراضي الوعرة والقاحلة. وكان الموقعان فوق الأرض في فترات سابقة، وهو أمر فريد من نوعه في تاريخ شبة الجزيرة العربية.
واكتشف الفريق المواقع باستخدام صور الأقمار الصناعية والتصوير الجوي، علماً أن العمل الميداني بدأ في أواخر عام 2018.
تحليل العظام
وعثر فريق البحث في الموقع المكتشف، على 26 قطعة من عظام كلب، إلى جانب عظام 11 شخصاً (6 بالغين ومراهق و4 أطفال).
وبعد تجميع عظام الكلب، لاحظ الفريق ظهور علامات التهاب المفاصل عليها، ما يشير إلى أنه عاش مع البشر حتى منتصف العمر أو الشيخوخة.
وتمكنت لورا سترولين عالمة آثار الحيوان في الفريق، من إثبات أن العظام المكتشفة تعود لكلب، من خلال تحليل عظمة واحدة من الرجل الأمامية اليسرى للحيوان، بلغ عرضها 21 ملم، وهو في نطاق أحجام الكلاب التي كانت تعيش في الشرق الأوسط القديم.
"مزيد من النتائج"
وتشير الفنون الصخرية الموجودة في منطقة العلا، إلى أن سكان العصر الحجري الحديث استخدموا الكلاب في صيد الوعل والحمير البرية والحيوانات الأخرى.
وعلاوة على ذلك، اكتشف الفريق الميداني أيضاً قطعاً أثرية بارزة، منها قلادة على شكل ورقة شجر في موقع المرتفعات البركانية، وخرزة في موقع الأراضي الوعرة القاحلة.
ويتوقع الباحثون مزيداً من النتائج في المستقبل نتيجة للمسح الشامل لمنطقة العلا ضمن مشروع المسح الجوي الأثري، الذي تقوم به الهيئة الملكية لمحافظة العلا، بالشراكة مع باحثين من "جامعة ويسترن أستراليا" في بيرث، وباحثين سعوديين.
ويرى الباحثون أن العلا تعتبر منطقة غير مستكشفة إلى حد كبير وتقع في جزء من العالم يحتوي على مخزون أثري وافر، ذي قيمة علمية مرموقة.
وقالت ريبيكا فوت، مدير أبحاث التراث الثقافي في الهيئة الملكية لمحافظة العلا إن "هناك الكثير من النتائج التي تلوح في المستقبل فيما نستكشف عمق واتساع التراث الثقافي للمنطقة".
ويعزز هذا الاكتشاف رؤية العلا، لتكون متحفاً مفتوحاً، تماشياً مع مستهدفات رؤية المملكة 2030 في إحياء مواقع التراث والآثار، ما يعزز موقع السعودية البارز على خارطة الحضارة الإنسانية.