لماذا ننجذب إلى الجمال؟

من الألوان النابضة بالحياة لغروب الشمس إلى ملامح الوجه المتناسقة، لا يمكن إنكار حقيقة جاذبية الجمال. هذا الأمر يتردد صداه في داخلنا بعمق، ويثير مشاعر وأفعالاً قوية وعميقة.

لكن لماذا ننجذب بشدة إلى الجمال؟ هذا المقال يتعمق في الأسباب النفسية والتطورية والثقافية وراء جاذبيتنا الذاتية تجاه كل الأشياء الجميلة.

عندما نستشعر الجمال سواءً في الفن أو الطبيعة أو إنسان آخر، يفرز الدماغ الدوبامين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالمتعة والمكافأة والتحفيز

ChatGPT

1. المنظور التطوّري

في جوهره، يمكن فهم تقديرنا للجمال من خلال منظور علم الأحياء التطوري. وهذه هي الطريقة: 

من الناحية التطوّرية، تعتبر بعض السمات الجسدية جميلة؛ لأنها بمثابة مؤشرات على الصحة الجيدة واللياقة الإنجابية. وربما تشير البشرة الصافية والملامح المتناسقة والمظهر الشبابي إلى أن الفرد يتمتع بصحة جيدة وقوي وراثياً، ما يجعله شريكاً مرغوباً. 
 
أسلافنا كانوا يفضلون البيئات التي تساعد من أجل البقاء على قيد الحياة. على سبيل الذكر، تشير المناظر الطبيعية التي تحتوي على المياه والأشجار والمساحات المفتوحة (التي تعد غالباً جميلة) إلى مصادر الغذاء والمأوى والسلامة من الحيوانات المفترسة.

2. الاستجابات العصبية

الجمال ينير عقولنا بالفعل:

مراكز المتعة: عندما نستشعر الجمال سواءً في الفن أو الطبيعة أو إنسان آخر، يفرز الدماغ الدوبامين، وهو ناقل عصبي مرتبط بالمتعة والمكافأة والتحفيز. 

 تماسك العقل: تشير بعض الدراسات إلى أن مشاهدة الأعمال الفنية أو المشاهد الطبيعية المبهجة من الناحية الجمالية، يمكن أن يؤدي إلى زيادة التماسك في وظائف الدماغ، ما يعزز مشاعر السلام والهدوء.

3. الأثر النفسي والعاطفي

للجمال أثر نفسي عميق على عقولنا، ويتجلى ذلك في:

تحسين المزاج: عندما نحيط أنفسنا بالجمال، سواء كان ذلك في شكل الفن أو الموسيقى أو طبيعة، فهذا يمكنه أن يرفع من معنوياتنا، ويساعد في الحد من الشعور بالتوتر والقلق. 
 
الرمزية والارتباط: في كثير من الأحيان، نربط الجمال بالصفات الإيجابية مثل الخير والحقيقة والفضيلة. هذا الارتباط يمكن أن يعزز انجذابنا للأشياء والناس الجميلة.

4. المؤثرات الثقافية

يتأثر تصورنا للجمال بشكل كبير بالروايات الثقافية: 
 
القيم المشتركة: على مر التاريخ، طورت الثقافات مفاهيم مشتركة عن الجمال تلخص قيمها ومعتقداتها وأعرافها المجتمعية. على سبيل المثال، في بعض الثقافات، يعتبر القوام الممتلئ جميلاً، لأنه يرمز إلى الرخاء والصحة، بينما في ثقافات أخرى، ربما يكون القوام النحيف هو المثالي. 
 
الإعلام والثقافة الشعبية: في الوقت الراهن، تلعب وسائل الإعلام دوراً محورياً في تشكيل تصوراتنا عن الجمال. من الأفلام إلى الإعلانات، ونتعرض باستمرار لمعايير جمال معينة، والتي يمكن أن تؤثر بشكل كبير على تفضيلاتنا.

5. فلسفة الجمال العالمية

في حين تختلف تصورات الجمال عبر الثقافات، إلا أن بعض العناصر تبدو جذابة على الصعيد العالمي: 
 
التناسق: سواءً في الوجوه، أو في الفن، يميل البشر عبر الثقافات إلى تفضيل الأشكال المتناسقة. 
 
النسبة الذهبية: هذه النسبة الرياضية (تقريباً 1.618:1) تظهر في الفن والعمارة وحتى في الطبيعة، وقد ارتبطت بالجاذبية الجمالية طيلة قرون. 
 
في النهاية، انجذابنا للجمال عبارة عن تفاعل معقد بين آليات تطورية، وكيمياء المخ، وعمليات نفسية، ومؤثرات ثقافية.

رغم أن تعريفات الجمال ربما تتغير وتتطور بمرور الوقت، وفي مختلف المجتمعات، يظل ميل البشر للبحث عن الجمال وخلقه وتقديره سمة عالمية وخالدة. هذا الانجذاب نحو الجمال لا يعزز خبراتنا فحسب، بل يربطنا أيضاً بتعقيدات إنسانيتنا الأكثر عمقاً.