بعد إثارة الجدل.. حذف أغنية للأطفال بسبب اتهامات بالعنصرية

الأغنية التي أثارت جدلاً على مواقع التواصل، قبل حذفها من القناة - YouTube
الأغنية التي أثارت جدلاً على مواقع التواصل، قبل حذفها من القناة - YouTube
بيروت -رنا نجار

أثار فيديو كليب بعنوان "الخدامة" عرضته قناة "كراميش" الأردنية للأطفال، جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الاجتماعي، وظهرت حملات تدعو إلى إيقافه وإغلاق المحطة، تحت وسم #كراميش_تهين_العاملات، على اعتباره عنصرياً ومسيئاً لعاملات المنازل، ويقدم مفاهيم تربوية خاطئة للأطفال.

وبعد حملة استمرت لأكثر من يومين، حذفت القناة الكليب من حسابها على يوتيوب، وقالت في بيان على إنستغرام، إنها حذفت الكليب، بعد "الهجمة الكبيرة" التي تعرضت لها، ولكنه بيانٌ لم يحمل اعتذاراً واضحاً، بحسب متابعين.

تمييز طبقي

الأغنية التي تؤديها طفلة لا تتعدى 6 سنوات، تدعى زينة عواد، وهي بطلة الكليب، تتعرض بشكل ساخر لحقوق العاملات المنزليات وحاجاتهن، خصوصاً الأجنبيات منهن، إذ يصوّر العاملة وهي تتحدث بعربية مكسّرة ذات ملامح شرق آسيوية. 

ويتبنى الكليب "نظرة فوقية" في التعامل مع العاملة المنزلية على لسان الطفلة التي تردد عبارات مثل "في عندنا خدامة كل يوم تعمل موال، مرة موحابة تشتغل، مرة جيبولي جوّال.. مرة تهرب من الحوش، مرة من الحارة، بابا يعمل معها هواش.. والماما معها محتارة".

كما انتقد متابعون إقحام المجتمعات الخليجية في الكليب على لسان العاملة التي تقول: "أنا ياخد تيكيت عشان يروح خليج بس أنا ما يبي يشتغل.. أنا يبي هروب يبي هروب". 

التحريض على الآخر

وفي حديث لموقع "الشرق"، قالت الدكتورة والباحثة في علم النفس التربوي في جامعة جنيف، رزان رخّا، إن "الكليب يصنّف خطِراً، لأنه يخاطب الأطفال بلغة تواصل مسيئة ومحرّضة ترتكز على ما يعرف في علم النفس بمصطلح التربية الاجتماعية السامة، كما يحمل كثيراً من المغالطات الاجتماعية والنفسية والتربوية التي تدعو إلى العنصرية وعدم احترام الآخر وحاجاته". 

وفي علم الاجتماع وعلم النفس فإن "علم التربية السامة" مصطلح يعني تلك الطرق التقليدية لتربية الأطفال التي تعتبرها أصول التربية الحديثة قمعية وضارة، مثل العقاب البدني.

ورأت المحامية ورئيسة قسم الاتجار بالبشر في منظمة "كفى" اللبنانية موهانا إسحاق، أن "الكليب يرسّخ نظرة تقليدية بائدة لفكرة الخدم تعود إلى العصور القديمة من زمن العبودية، ومفهوم الكليب يخالف مفاهيم حقوق الإنسان وما وصلت إليه المعايير الدولية في مجال العمل المنزلي".

واستغربت إسحاق لاشمئزاز الطفلة من العاملة المنزلية، وهي تتحدث عنها، ولانزعاجها من فكرة مطالبة العاملة بحقوقها المادية وبشراء جوال مثلاً، مشيرة إلى أن هناك منظمات تربوية دولية أنشأت برامج ضخمة لتعليّم الأطفال احترام حقوق الآخرين وحمايتها.

كما "تحاول منظمات ودول عربية كثيرة، عبر برامج حقوقية ومجتمعية، كسر نمطية هذه النظرة التملكية لعاملات المنازل، وتوعية الأطفال والشباب على لجمها ومناهضتها"، بحسب إسحاق.

"نظرة فوقية" 

ولفتت رزان رخا، المدرّبة على المهارات والعلاقات العائلية التربوية، إلى أن "الفيديو يعطي صورة مشوّهة عن العائلة من نواحِ كثيرة، أولاً يغيب مفهوم مهم جداً، ترتكز عليه المجتمعات المعاصرة في تربية الأطفال، ألا وهو المشاركة والشراكة ضمن البيت الواحد".

وتنتقد رخّا الكليب "المسيء لأي إنسان"، معتبرة أن "لغته غير مقبولة، وتحمل مجموعة من المفردات السلبية والتعسفية في وصف العاملة وفي اتّهامها بالكذب والاستغلال والطمع، وهي ترتكز على سيناريو من وجهة نظر واحدة مليئة بالاستهزاء والسخرية". 

وترى رخّا أن خطورة الكليب تكمن أيضاً في تنميط نظرة الطفل إلى العامل أو العاملة بوجه عام، فهو "يُبرمج الطفل على نظرة ووضعية فوقية، تعلّمه بشكل غير مباشر أن العامل ليس إنساناً، وتعلّمه أن يسخر من حاجات الآخر ويتنمّر عليه ولا يشاركه ولا يتعاطف معه وكأنه منبوذ. علينا أن نفهم أولادنا أن العاملة المنزلية إنسانة وفرد من العائلة لها حاجات وعليها مسؤوليات مثلنا".

وتؤكد رخّا المعالجة النفسية التربوية، أن هذا "الكليب ينسف كل القيم الأخلاقية التي تدعو لها التربية الحديثة وحقوق الطفل وحقوق الإنسان بشكل مباشر وصريح".

تأثير مستقبلي

وتشير رخا إلى أن الطفل مشروع مواطن وفرد مستقل، وهو أساس المجتمع المقبل، فليس مقبولاً أبداً بناء هذا النوع من التنميط للتعامل مع الآخر بهذه الأسس النظرية التي ندخلها إلى رأس الطفل.

وتلفت المعالجة النفسية التربوية، إلى أن "الطفل سينقل هذه المهارات السلبية التي يتشربها عبر هذه الكليبات، وهي بالمناسبة كثيرة على قنوات الأطفال، لتصبح لاحقاً أسلوب حياة في المدرسة والجامعة ومع أصدقائه وفي تعامله مع زوجته وزملائه في العمل، فينتقل هذا السلوك السيئ من البيت الصغير إلى المجتمع الكبير، وقد يتحوّل من مجرّد فوقي ومتنمّر إلى مستغِلّ ومُعنّف وساخر لا يتعاطف مع الآخر".

أما في ما يتعلق بإقحام ذوي الحاجات الخاصة وقصّار القامة دون أي وظيفة هادفة أو فنية، فتفيد رخّا بأن هذا "تصوير بطريقة سلبية لهؤلاء يندرج في إطار الترفيه والسخرية السوداء التي تستغل نقطة ضعف الآخر أو إعاقة عند شخص آخر، لتستثمره في مادة ساخرة، وهو شيء انتهى منذ عقود".