في حدود الساعة التاسعة و30 دقيقة من صباح الـ 19 من فبراير عام 1942، استيقظ سكان مدينة وينيبيغ الكندية على أصوات الطائرات والمدافع، ما شكل مفاجأة غير متوقعة، إذ كانت آنذاك رحى الحرب العالمية الثانية تدور فقط في آسيا والقارة الأوروبية.
وسيطر الخوف في المدينة من استيلاء قوات ألمانيا النازية على مدينتهم لساعات طويلة، قبل أن يتأكد السكان في آخر النهار من أن الهجوم لم يكن حقيقاً، بل يتعلق فقط بتدريب غير اعتيادي للمجندين الكنديين.
وشكلت هذه التجربة درساً لا يُنسى للمواطنين، نظمته اللجنة الوطنية لتمويل الحرب بكندا، لنقل أجواء الحرب الحقيقية عبر المحيط إلى المجمعات السكنية في كندا.
If Day – "ماذا لو"
وأصبح يوم الغزو المزيف يعُرف تاريخياً بـ "If day" (يوم ماذا لو)، بعد نجاح الفرع الإقليمي للجنة الوطنية لتمويل الحرب في رسم سيناريو يشرح ما الذي يمكن أن يحدث للمواطنين الكنديين في مدينة وينيبيغ، حال وصلت ألمانيا النازية لموطنهم بالفعل، وفقاً لأحد تقارير موقع راديو كندا الدولي.
وإضافة لرفع الوعي بفداحة القتال القائم في أوروبا، أملت اللجنة كذلك في أن يؤثر اليوم على حركة بيع سندات النصر الموجهة لدعم الجهود الحربية.
وفقاً لموقع جمعية مانيتوبا التاريخية، وهي مؤسسة كندية غير حكومية، فإن قوات كندية احتياطية اشتركت في تنظيم وإخراج الغزو، إلى جانب عشرات المتطوعين.
كما اشترك في تغطية الحدث إعلامياً عدد من الصحف والمجلات الأميركية، إذ كانت الفعالية المزيفة معلنة من قبل، إلا أن بعض أبناء المدينة لم يعلموا بالتنويهات، ما أدى إلى ارتياعهم بشدة حين بلغت رحى الحرب ديارهم.
معركة مزيفة
قبل أن يستقر جنود بملابس ألمانية في شوارع المدينة، تطلب الأمر معركة مسبقة تجعل الأمر أكثر واقعية.
وشهدت المعركة الوهمية استخدام أسلحة مختلفة من بينها طائرات ألمانية مزيفة، والمدافع الكندية التي أطلقت في واقع الأمر قذائف فارغة أثناء عملية الدفاع التي استمرت حتى استسلمت المدينة، وفقاً للسيناريو المعد سلفاً.
كما اضطر الجنود خلال المعركة المزيفة لتفجير الجسور المؤدية للمدينة بطريقة مسرحية، في محاولة لمنع تقدم العدو، إذ قاموا بإلقاء كميات من الركام على الجسور، وأعلنوها جسوراً مدمرة، وفقاً لجمعية "مانيتوبا".
وفي تمام التاسعة و30 دقيقة صباح الـ19 من فبراير استسلمت المدينة، كما أنزل العلم الرسمي ورُفع علم الصليب المعقوف بدلًا منه.
"لا يجب أن يحدث ذلك هنا"
بملابس قوات ألمانية صُنعت في هوليود، وانتشر الجنود الألمان المزيفون في المدينة، وبدؤوا ممارسة دورهم كمحتلين. وألقى الجنود الألمان المزيفون القبض على بعض المواطنين، وغيروا لغة البث في الإذاعة لتُصبح بالألمانية.
كما قاموا بحرق كتب كانت عبارة عن نسخ تالفة منتقاة مسبقاً، أمام المكتبات، وأصدروا عدد ذاك اليوم من الصحيفة المحلية بالألمانية، وفقاً لـ"راديو كندا".
أغلق الاحتلال المزيف الكنائس كذلك، وألقى القبض على رجال الدين، والشخصيات السياسية كما صُودرت بعض الممتلكات.
ولم تستمر فترة الاعتقال المزيفة سوى بضع ساعات، إذ انتهت الفعالية في المساء، وخرج المعتقلون، وشارك بعض من منظمي If Day في مسيرة بشوارع المدينة بلافتات تُقرأ.. "لا يجب أن يحدث ذلك هنا".
تفاعل جماهيري
أتت فعاليات يوم "ماذا لو " بثمارها الاقتصادية المرجوة، إذ أدى تفاعل الجماهير لزيادة الإقبال على شراء سندات النصر المخصصة للمجهود الحربي، حتى إنها فاقت الأهداف الموضوعة مسبقاً.
واشترى أبناء المدينة سندات بقيمة 24 مليون دولار خلال أيام قليلة، فيما اشترى سكان المقاطعة بأكملها، سندات بقيمة 60 مليون دولار. وكان الهدف الرسمي 45 مليون دولار فقط.