بيروت تستعيد تحولات فن الكوميكس في مهرجان للشرائط المصورة

time reading iconدقائق القراءة - 9
جانب من مهرجان بيروت للشرائط المصورة الذي يعقد في الفترة ما بين 7 إلى 10 أكتوبر 2021 في العاصمة اللبنانية - الشرق
جانب من مهرجان بيروت للشرائط المصورة الذي يعقد في الفترة ما بين 7 إلى 10 أكتوبر 2021 في العاصمة اللبنانية - الشرق
بيروت-رنا نجار

يرصد مهرجان بيروت للشرائط والرسوم المصوَّرة الذي افتتح الخميس في العاصمة اللبنانية بيروت، تاريخ الفن التاسع في لبنان والعالم العربي منذ ثمانينات القرن العشرين، وتحوُّلات فن الكوميكس في السنوات الخمسة عشر الأخيرة.

كما يلقي المهرجان الذي يعقد في دار النمر للفنون والثقافة، الضوء على القضايا التي يطرحها فنانو الكوميكس الشباب في رسوم هزلية وجدّية نقدية، وقصص مشبعة بسرد اليوميات والهواجس.

ويتطرَّق المهرجان أيضاً إلى الإشكاليات التي يعاني منها إنتاج فن الشرائط المصورة بأبعاده كافة، سواء من حيث النشر والرقابة والدعم المادي، أو من حيث بناء قاعدة جماهيرية، وتكوين ثقافة عامة تبدأ من مقاعد الدراسة. 

40 موعداً ثقافياً 

ويعقد المهرجان بتنظيم من "المركز الثقافي الفرنسي في بيروت"، بالتعاون مع "ليون بي دي"، و"اﻷكاديمية اللبنانية للفنون الجميلة"، و"مبادرة معتز ورادا الصواف للشرائط المصورة العربية في الجامعة اﻷميركية ببيروت"، بمشاركة 40 فناناً من 14 بلداً.

ويتضمَّن المهرجان الذي يستمر حتى العاشر من أكتوبر الجاري في بيروت وحدها، فيما تنتقل المعارض بعدها إلى طرابلس وصيدا وزحلة ودير القمر، أربعين موعداً ثقافياً في أربعين فضاء ثقافي في لبنان، بينها معارض، وعروض فنية، واجتماعات، وحفلات موسيقية وتصويرية حيَّة، ونقاشات، وحفلات توقيع كتب الشرائط المصوّرة. 

مفتاح للنقاش والإبداع 

وقالت سفيرة فرنسا لدى لبنان آن غريغو لـ"الشرق" خلال الافتتاح، إنها فوجئت بحجم الاهتمام بفن الكوميكس والشرائط المصورة في لبنان خصوصاً لدى  الشباب والجامعات، واصفة المهرجان بالطموح والخلاق "حيث يفتح النقاش على إشكاليات الفن التاسع في المنطقة ويسهم في تبادل خبرات الفنانين اللبنانيين والعرب والفرنكوفونيين المشاركين فيه".  

وأعربت السفيرة الفرنسية عن أملها في أن يصبح معرض "الجيل الجديد: الشريط المصور العربي" الذي افتتحته في دار النمر والذي يستمر حتى 18 نوفمبر المقبل، "مفتاحاً للإضاءة أكثر على رواد هذا الفن وهواته وللاستثمار في المهنة التي تحتاج إلى دعم أكبر ليكون لها قراء ودور نشر متخصصة عربية وبالتالي لتنتظم كمهنة تزودنا بكثير من المبدعين من كتاب القصص المصورة ورساميها في المستقبل".

وثمَّنت "العمل الجماعي للأكاديميات اللبنانية والمبادرات الخاصة والمراكز الثقافية التي تكاتفت لإنجاح هذه التظاهرة الثقافية وجمع القصص المصورة اللبنانية والعربية في مكان واحدة للمرة الأولى في تاريخ لبنان". 

وأكدت غريغو أن "فرنسا ملتزمة بالوقوف إلى جانب لبنان على أكثر من صعيد، وخصوصاً في أكثر القطاعات حيوية وغنى وتنوعاً وهي التربية والثقافة التي تميّز هذا البلد وهويته في المنطقة".

واعتبرت أن "لبنان استطاع أن يحافظ على مكانته كملتقى ثقافي فريد ومساحة حرة للتنوع والإبداع والحوار رغم الظروف الصعبة التي يمرّ بها خصوصاً الاقتصادية، وما هذا المهرجان إلا استجابة لهدفنا".

ويستعيد معرض "الجيل الجديد: الشريط المصوّر العربي" الذي يعتبر من أبرز نشاطات المهرجان المسار البديل لفن الكوميكس في المنطقة من العام 1980 حتى اليوم، عارضاً لإنتاجات الفنانين الأفراد والجماعات التي برزت خلال أربعين عاماً، كما يتناول المعرض المدارس المختلفة التي تأثر بها الفنانون والقضايا التي شغلتهم.

واعتبرت قيّمة المعرض لينة غيبة التي تدير مبادرة معتز ورادا الصواف في الجامعة اللبنانية، أن هذا "الفن برز وتطوَّر بشكل لافت خلال الأحداث في بعض دول العالم العربي التي بدأت منذ عقد من الزمن تقريباً، وشكَّلت الإنتاجات الغزيرة والمجلات والكتب المصوّرة لمجموعة من الفنانين الشباب حصراً، ما يمكن توصيفه بالنهضة الحديثة للشباب العربي في إنتاج الشرائط المصورة".  

المشهد الفني المعاصر 

وأشارت غيبة إلى أن المعرض "يسلط الضوء على أحلام هؤلاء التي واجهت كثيراً من التحديات أهمها غياب الدعم، والرقابة وتوقف صدور مجلات متخصصة بالكوميكس وانعدام دور نشر متخصصة وبالتالي قلّة القراء المهتمين بهذه القصص والسرديات، لتصبح أخيراً حقيقة اليوم ويصبح الفن التاسع جزءاً لا يتجزأ من المشهد الفني العربي المعاصر".

ولفتت إلى أن الفضل في هذا التحول يرجع إلى "مثابرة الفنانين العصاميين الذين أصروا على الابتكار والتعبير عن آرائهم وهواجسهم رغم كل الظروف والتقلبات التي نمر بها".  

ويجمع هذا المعرض وحده، 60 فناناً و11 مجموعة من اليمن وليبيا والمغرب والجزائر وتونس ومصر وسوريا ولبنان والعراق تحت سقف واحد، ممن لعبوا دوراً مهماً في صعود وانتشار وتطوّر وانتشار فن الشرائط المصورة الذين تابعتهم غيبة ومبادرة معتز ورادا الصواف منذ 2014 وابتكرت لهم جائزة محمود كحيل للكاريكاتور والرسوم المصورة.

وقال معتز الصواف لـ"الشرق": إن هذه الجائزة "في تشجيع الفنانين على الإنتاج والنشر والتعبير عن آرائهم ورؤاهم من وجهة نظرهم الخاصة في قضايا سياسية واجتماعية وحياتية وانسانية متعددة".

ويضم المعرض رسومات لمبادرات ومجلات مثل "السمندل" من لبنان، و"التوك توك" و"الدشمة" من مصر، و"الورثة" في الجزائر، و"سكف كف" في المغرب، وعشرات التجارب الفردية لفنانين مثل رواند عيسى، وميغو، وجنى طرابلسي، وعثمان السلمي، وحسين عادل، تحوّل الكوميكس إلى مساحة للسرد الفردي وقصص الأندرجراوند ورؤى للنقد الاجتماعي والسياسي وغيرها من يوميات الشباب العربي.  

إشكاليات الهوية

 ويقدم المهرجان عروضاً موسيقية وراقصة حيَّة ترسم خلالها القصص المصورة المستوحاة من النغمات وحركات الجسد الراقصة في أكثر من متحف وفضاء ثقافي، كما يلقي الضوء على مدارس مختلفة لهذا الفن بين المانجا والشرائط المصوّرة والرسوم والكاريكاتور.  

وتطالعنا خلال المهرجان 10 معارض لفنانين من العالم مثل "عصبة الثلاثة: الشرائط المصوّرة الفرنكوفونية الأوروبية" الذي يعيد قراءة ومحاكاة الشرائط المصوّرة الكلاسيكية في فرنسا وبلجيكا وسويسرا بأساليب معاصرة، إضافة إلى معرض "بطلات" حول سيطرة الوجوه الذكورية على أدوار البطولة في القصص المصورة.

ويتيح المعرض الذي أنتجه "مهرجان ليون للشرائط المصوّرة" إعادة النظر في هذه الأفكار النمطية وانعكاساتها برفقة نصوص أربعة أكاديميين من مدرسة المعلّمين العليا في ليون هم أميريك لاندو، ايزولد لوكوستي، إيزابيل ليكاري ـ غيّوم، وموزيكوناتشي. 

المانجا في مواجهة الرسوم المصورة 

وينقل الفنان الفرنسي الشهير باسم "جريجدايزر" محبي الفن التاسع في معرضه "المانجا ضد الشرائط المصورة" إلى عالمين وهويتين مختلفين هما المانجا اليابانية والشرائط المصورة البلجيكيّة – الفرنكفونيّة، بهدف إظهار الفروقات الثقافية والفنية بينهما من خلال اللجوء إلى أبطال المانجا مثل ناروتو أوزوماكي للفنان الياباني ماساشي كيشيموتو، وإلى أحد أشهر أبطال الشرائط المصوّرة البلجيكية سبيرو الذي ابتكره الفرنسي روب العام 1938.

 وبحسب ما جاء في تعريف المعرض، يفكك جريجدايزر" رموز كلاً من النمطين، ويقارن الرسومات ومفرداتها البصريّة، وأساليبها وملامح أبطالها ومغامراتهم، إضافة إلى تتبع مسارات القصص المختلفة، والمغامرات التي تأتي لاحقاً في قصص المانجا مثلاً، حيث يجد البطل نفسه في مواجهة المجهول.  

"مانجا عربية للأطفال" 

وفيما يتعلق بفن المانجا الياباني وما يلقاه من رواج وجماهيرية واسعة، أشادت لينة غيبة ومعتز الصواف وبعض الفنانين بمشروع مجلة "مانجا عربية للصغار" الذي أطلقته المجموعة السعودية للأبحاث والإعلام" في الرياض أخيراً.

واعتبرا أن مثل هذه المبادرات تكمّل ما يقام في كل الدول العربية وتبادل الأفكار والحوار للإرتقاء بفن الشرائط المصورة وبناء قاعدة جماهيرية واسعة تبدأ من الأطفال والمراهقين.

ولفتت غيبة الى أن ثقافة هذا الفن لا تزال حديثة في المنطقة العربية، وتحتاج الى مبادرات مثل المبادرة السعودية لتشجيع الأطفال على التخيُّل والتعبير عن الذات والرسم وبالتالي إنشاء ثقافة تعنى بالشرائط المصورة.