غيّب فيروس "كورونا" المُستجد هذا العام، أحد أشهر تقاليد شهر رمضان في الجزائر، وهي "مطاعم الرحمة" التي تقدم وجبات الإفطار إلى عابري السبيل والفقراء والمحتاجين، وذلك بعد قرار السلطات الجزائرية عدم الترخيص بإقامتها، تماشياً مع إجراءات التباعد الاجتماعي التي فرضتها لوقف تفشي الوباء.
وبسبب الأوضاع الحالية التي فرضها "كورونا"، أطلقت مؤسسة "ناس الخير" المحلية مبادرة تهدف إلى تجسيد فكرة مطاعم الرحمة بطريقة جديدة، تضمن تطبيق إجراءات التباعد الاجتماعي، وحملت المبادرة الجديدة عنوان: "نجيبلك تفطر" (سآتي إليك بالطعام).
"نجيبلك تفطر"
هي مبادرة اجتماعية جديدة أطلقتها مؤسسة "ناس الخير" كبديل لـ"مطاعم الرحمة"، التي كانت تشرف عليها في محافظات البلاد المختلفة، والتي اعتاد عليها عابرو السبيل والعائلات الفقيرة لتأمين وجبات إفطارهم في شهر رمضان. ولكن المبادرة الجديدة تؤمن إيصال وجبات الإفطار إلى منازل المحتاجبن، منعاً لأي اختلاط يمكن أن يتسبب في انتشار "كورونا".
وأكدت الناشطة في مؤسسة "ناس الخير" كنزة نشار، في تصريح إلى "الشرق" أنه "التزاماً بتدابير الوقاية من فيروس كورونا، قررنا إيصال الوجبات إلى العائلات المحتاجة في منازلها، بدلاً من إقامة خيمة عملاقة لإفطار 1000 عابر سبيل ومحتاج، كما تعودنا خلال الأعوام الـ 10 الأخيرة".
وأضافت نشار أن لدى مؤسسة "ناس الخير" قوائم تتضمن مناطق سكن العائلات المستهدفة، وعدد أفرادها، مشيرةً إلى أنه "تم تخصيص أرقاماً هاتفية لطلب وجبات الإفطار".
وفي ما يتعلق بآلية توزيع الوجبات، أشارت نشار إلى أن "عدداً من المتطوعين من مختلف الأعمار، يتولون عملية طهو الوجبات المشكلة من أطباق رائجة لدى الجزائريين الذين اعتادوا تحضيرها في رمضان، مثل طبق الشوربة، وبعض الأطباق التقليدية، من ثم يتم توزيعها على أكثر من ألفي عائلة يومياً، عبر فروعنا في محافظات البلاد المختلفة".
وجبات إفطار للمستشفيات
ولأن الجزائر تشهد ظرفاً استثنائياً هذا العام مثل بقية بلدان العالم بسبب انتشار الوباء، برزت مبادرات تعنى بتحضير وجبات الإفطار وتوزيعها على الأطقم الطبية العاملة في المستشفيات، تقديراً لجهود "الجيش الأبيض" الذي يشرف على حالات الإصابة بـ"كورونا".
ففي العاصمة الجزائر، عكفت "تنسيقية متطوعي الجزائر" التي تجمع عدداً من الجمعيات والمتطوعين على تحضير 1500 وجبة إفطار يومياً، توزع على 10 مستشفيات و7 مراكز صحية في العاصمة.
ولم تغفل المبادرة عن خطورة انتشار الوباء عبر تسليم الوجبات؛ إذ وضعت لذلك مجموعة من التدابير الوقائية، ومنها: غسل الأيدي كل 15 دقيقة، ومنع تجمعات المتطوعين في البهو والتنقل بين القاعات.
وفي مبادرة مماثلة، تعمل جمعية "اتحاد الشباب للتطوع" وجمعية "الإرشاد والإصلاح" على إيصال وجبات الإفطار للأطقم الطبية التي يقضي أفرادها أيام الصيام بعيداً من عائلاتهم، سواء بسبب ساعات العمل الطويلة، أو تقيداً بإجراءات الوقاية والحجر المفروض على الأطباء والممرضين بعد انتهاء دوامهم.
ويقول أسامة بن طالب، وهو أحد النشطاء في "اتحاد الشباب للتطوع" إنه "وعلى رغم طول ساعات الصيام والجهد المبذول والإرهاق، فإن هذه المبادرات تأتي تقديراً لجهود العاملين في القطاع الطبي ودعماً لهم".
مساعدة العائلات المتضررة من الحجر
وبسبب الوضع الاقتصادي الحالي الذي تسبب به فيروس "كورونا" المُستجد، وتوقف العديد من الأشخاص عن العمل نتيجة الأزمة الحالية، تم إطلاق مبادرات إنسانية تقضي بتوزيع حصص غذائية على فئة جديدة من المحتاجين، بالإضافة إلى العائلات الفقيرة، والعمال، الذين توقفت مداخيلهم بسبب إجراءات الحجر الصحي، خصوصاً أصحاب المداخيل اليومية، وهم أكثر المتأثرين من الإجراءات التي أعلنتها السلطات لوقف انتشار الوباء، على الرغم من قرار الحكومة تقديم ما قيمته 80 دولاراً إلى العائلات التي تأثرت مداخيلها بسبب الحجر.
وكشف عضو جمعية "الإرشاد والإصلاح" محمد بلحفاف عن "إحصاء 1000 عائلة في محافظة البليدة (الأكثر تضرراً بالوباء)، وجدت نفسها في مواجهة وضع مالي صعب، بعد توقف عمل معيلها، خصوصاً وأن هذه المحافظة خضعت للحجر الشامل لما يقارب الشهر".
وكانت الحكومة الجزائرية أعلنت الأسبوع الماضي تخفيف إجراءات الحظر الوقائي الذي فرضته على البلاد لمنع انتشار فيروس "كورونا" المُستجد، تزامناً مع حلول شهر رمضان، إذ قررت تخفيف تدابير الحجر الصحي في 10 محافظات، كما قررت تقليص ساعات حظر التجوال في 9 ولايات أخرى، إلى 13 ساعة بدلاً من 16 ساعة.
وسجلت الجزائر، الأربعاء، وفاة 444 شخصاً، وإصابة 3848 آخرين بفيروس "كورونا" المستجد، منذ اكتشاف أول حالة في فبراير الماضي.