حرب كلامية بين الصين والولايات المتحدة.. ما قصة تايوان؟

time reading iconدقائق القراءة - 8
حراس الشرف يلفون علم تايوان خلال حفل إنزال العلم في قاعة شيانج كاي شيك التذكارية في تايبيه، تايوان في 4 يونيو 2022 - AFP
حراس الشرف يلفون علم تايوان خلال حفل إنزال العلم في قاعة شيانج كاي شيك التذكارية في تايبيه، تايوان في 4 يونيو 2022 - AFP
القاهرة -آلاء عثمان

خلال فعاليات قمة أمن آسيا المنعقدة في سنغافورة، تصاعدت تصريحات حادة من الجانبين الصيني والأميركي بشأن الأزمة التايوانية.

وأكدت واشنطن على لسان وزير دفاعها، لويد أوستن، احتفاظها بقدرتها على مقاومة أي استخدام للقوة، أو أي من أشكال الإكراه الذي من شأنه تعريض الأمن أو النظام الاجتماعي والاقتصادي لشعب تايوان للخطر، كما وصف أوستن تحليق طائرات الجيش الصيني قرب تايوان بأنه "نشاط عسكري استفزازي مُزعزع للاستقرار". 

في الوقت ذاته، حذرت الصين من الدفع لاستقلال تايوان. وأكد وزير الدفاع الصيني وي فنجي، أن تحقيق الانفصال لن يترك للجيش الصيني خياراً سوى القتال بأي ثمن. وذلك في ضوء اعتبار بكين تايوان جزءاً أصيلاً من أراضيها، تنتظر إعادة توحيده لا استقلاله، كما توجه الصين اتهامات للجانب الأميركي بدعم الجزيرة.

جذور الأزمة

تعود جذور الأزمة لعقود ماضية، وبالتحديد في أعقاب الحرب العالمية الثانية ونهايات الحرب الأهلية الصينية، إذ انتقلت حكومة جمهورية الصين إلى تايوان، إبان مواجهاتها مع الحزب الشيوعي الصيني عام 1949. 

وفي حين انتهى وجود "حكومة جمهورية الصين" فعلياً في الأمم المتحدة بعد الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية كممثل شرعي وحيد للصين عام 1971، تحظى تايوان باعتراف عدد محدود من الدول حول العالم إضافة إلى العلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة. 

الأصل التاريخي

يبدأ موقع الحكومة التايوانية الرسمي التأريخ للجزيرة بأوائل القرن الـ16، إذ أطلق البحارة الأوروبيون عليها اسم "الجزيرة الجميلة" أثناء عبورهم قربها على ظهر السفن، فيما اقتصرت علاقتها مع الصين على زيارات الصيادين والتجار والقراصنة في بعض الأحيان.

على مدار القرن التالي، وضع المستعمر الأوروبي أقدامه للمرة الأولى على سواحل الجزيرة، التي شهدت بناء قواعد هولندية وإسبانية، قبل أن يبسط موالون لسلالة مينج الحاكمة في الصين سلطانهم على تايوان، أما سلالة تشينج فسيطرت على السواحل الغربية والشمالية للجزيرة بحلول عام 1683، غير أن تايوان لم تُصبح مقاطعة رسمية بالإمبراطورية إلا في عام 1885.

في المقابل، تُعرّف الصين تايوان كأحد أكبر جزرها التي تشكل وحدة متكاملة مع بر الصين الرئيسي، وذُكرت في نصوص العصور القديمة بأسماء مختلفة، ويرجع أقدم ذكر لها لحقبة الممالك الثلاثة.

وتذكر وزارة الخارجية الصينية أن جهود التنمية في تايوان تنامت خلال القرن الـ17، ويُضيف الموقع: "تاريخ تنمية تايوان مشبع بدماء وعرق وبراعة الشعب الصيني بما في ذلك الأقليات العرقية المحلية". 

معاهدة شيمونوسيكي

باختلاف الروايات عن تاريخ الجزيرة التايوانية، تغيرت ملامح المشهد بالكامل بفعل عوامل خارجية في عام 1895، عندما هُزمت حكومة تشينج الصينية أمام اليابان ووقعت معاهدة شيمونوسيكي، التي تنازلت بموجبها عن سيادة الجزيرة للعدو الياباني، الذي لم يرفع يده عن الجزيرة سوى في منتصف القرن التالي، وبالتحديد بانتهاء الحرب العالمية الثانية بهزيمة دول المحور وانتصار الحلفاء ومن ضمنهم الصين.

في البر الرئيسي للصين، لم تظل الأمور على عهدها كذلك، إذ انهارت الإمبراطورية في عام 1912 وأُقيمت جمهورية الصين التي تسلم ممثلوها تايوان بشكل رسمي. 

لاحقاً دفعت الحرب الأهلية الصينية حكومة جمهورية الصين إلى الانتقال للجزيرة بشكل نهائي، في ضوء الهزيمة أمام الحزب الصيني الشيوعي وتدشين جمهورية الصين الشعبية في عام 1949.

عصر جديد 

وعلى الرغم من أن الأغلبية العظمى من الصينيين ارتبطوا بحكومة الصين الشعبية الجديدة، فإن التمثيل الدولي ظل طوال عقود تالية بين يدي حكومة جمهورية الصين على جزيرة تايوان.

ويشرح مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية جمال عبد الجواد: "يمكننا القول إن تايوان هي الجزيرة التي فر إليها الخاسر في الحرب الأهلية، والذي أسس هناك ما عُرف بجمهورية الصين الوطنية أو تايوان، التي ظلت لفترة طويلة مؤيدة من قِبل الغرب ومُعترف بها كممثل رسمي للصين، وانتهى ذلك الوضع بالمصالحة الأميركية الصينية في السبعينيات". 

منذ بداية السبعينيات تبدل المشهد لصالح جمهورية الصين الشعبية، بداية من خروج جمهورية الصين من الأمم المتحدة، رجوعاً للاعتراف بجمهورية الصين الشعبية كممثل شرعي وحيد للصين، ووصولاً لتدشين العلاقات الدبلوماسية الأميركية الصينية في عام 1979.

وأوضح عبد الجواد قائلاً: "في ذلك الحين تحولت حكومة جمهورية الصين في تايوان إلى حكومة منشقة، والصين الشعبية متمسكة بوحدة الصين إلى اليوم، وضرورة عودة تايوان للوحدة، بينما تنقسم تايوان داخلياً فيما يتعلق بالموقف الجماهيري من الاستقلال، إذ يؤيد البعض مبدأ الوحدة غير أنهم لا يرغبون في التضحية بالنظام الاقتصادي والسياسي القائم". 

1979.. قانون "العلاقات التايوانية"

بمعزل عن اضطراب العلاقات مع بر الصين الرئيسي، قادت تايوان أواخر القرن العشرين أول انتخابات رئاسية مباشرة في تاريخها، وفي مطلع القرن الجديد، استأنفت نشاطها الدولي، وفقاً لموقع الحكومة الرسمي، إذ انضمت إلى منظمة التجارة العالمية عام 2002، كما حضرت جمعية الصحة العالمية في عام 2009 بوصفها مراقب. 

البعض الآخر في تايوان، ينشد الدفع بالنموذج ذاك للأمام، وصولًا لتحقيق الاستقلال الكامل عن الصين.

وقال عبد الجواد: "ذلك التيار مكروه بالطبع من الصين الشعبية، ولكن علينا أن نضع في الاعتبار أن المصالحة بين الولايات المتحدة والصين بُنيت على أساس مبدأ الصين الواحدة، الذي يعترف بوحدة الصين وكون تايوان جزءاً منها، غير أن الولايات المُتحدة من جانب آخر ترى أن الوحدة لا بد من أن تقوم بطرق سلمية دستورية".

في عام 1979 الذي شهد إطلاق علاقات واشنطن وبكين، مرر الكونجرس الأميركي قانون العلاقات التايوانية، الذي أقر بأن إقامة الولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع الصين يستند إلى توقعها أن مستقبل تايوان سيتحدد بالوسائل السلمية.

كما أن أي جهود رامية إلى تقرير مستقبل تايوان بغير الوسائل السلمية بما في ذلك الحظر والمقاطعة، يمثل تهديداً للسلام والأمن في منطقة غرب المحيط الهادئ، ومصدر قلق بالغ للولايات المتحدة.

أقر القانون ذاته بأن الولايات المتحدة ستزود تايوان بأسلحة ذات طابع دفاعي، إضافة إلى الحفاظ على قدرة واشنطن على مقاومة أي لجوء للقوة أو أشكال الإكراه، التي من شأنها أن تعرض الأمن أو النظام الاجتماعي أو الاقتصادي لشعب تايوان للخطر. 

تحوّل صيني

يرى د. عبد الجواد أن الموقف ذاك يلخص السياسة الأميركية بشكل عام، فيقول: "الولايات المتحدة اعترفت بأن تايوان مصيرها إلى الوحدة مع الصين، لكنها في الوقت ذاته تلتزم بتمكين تايوان من الدفاع عن نفسها، عبر مقاومة أي تدخل عسكري أو محاولة للإكراه على الوحدة بغير السبل الدستورية، الأمر الذي يلخص السياسة الأميركية دائماً، فهي لن تنخرط في قتال للدفاع عن تايوان على سبيل المثال لكنها قد تمد تايوان بالسلاح اللازم للدفاع". 

تأتي الحرب الكلامية الأخيرة فيما يخص وضع تايوان في ضوء مشهد عالمي ملتهب، خصوصاً بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي قد يكون من وجهة نظر عبد الجواد أحد العوامل المؤثرة في تصاعد الأزمة، خصوصاً أن الغزو أدى إلى زيادة الدعاية القومية في بر الصين الرئيسي، ومن ثم زيادة الضغوط الداخلية الدافعة في اتجاه ضم تايوان. 

أما العامل الآخر فيرتبط بسياسات الرئيس الصيني شي جين بينج. يقول عبد الجواد: "طوال فترة الإصلاح الاقتصادي في الصين الشعبية، تركزت الجهود على سعي الصين كدولة نامية للتطور، ولكن بتولي بينج للسلطة حدث انعطاف في سياسات بكين مع بدء التركيز على الاعتبارات الاستراتيجية العسكرية".

وتزامناً مع تبدل أولويات بكين، تعقد المشهد على الحدود، بحسب عبد الجواد. يقول: "باتت الصين تشعر بأنها قوية بما يكفي لاسترداد تايوان على النحو الذي تراه ملائماً، فزادت التحرشات العسكرية عبر القوات الجوية في المنطقة على سبيل المثال، ويأتي ذلك أيضاً في ضوء إنهاء الصين للوضع الخاص لهونج كونج على مدار العامين الماضيين". 

تصنيفات