أين وصل تنظيم "القاعدة" بعد عقد من "قص الأجنحة"؟

time reading iconدقائق القراءة - 10
إعلان نشرته السفارة الأميركية في إسلام آباد في صحيفة محلية تعلن من خلاله عن مكافآت مقابل الإدلاء بمعلومات عن قادة تنظيم "القاعدة" - 27 أغسطس 2005 - REUTERS
إعلان نشرته السفارة الأميركية في إسلام آباد في صحيفة محلية تعلن من خلاله عن مكافآت مقابل الإدلاء بمعلومات عن قادة تنظيم "القاعدة" - 27 أغسطس 2005 - REUTERS
القاهرة-ميّ هشامآلاء عثمان

"قص الأجنحة" ربما يكون التعبير الأنسب لوصف التحولات التي خضع لها تنظيم "القاعدة" خلال العقد الماضي على خلفية عوامل عدة، على رأسها مقتل زعيم التنظيم أسامة بن لادن في مايو 2011، على يد الاستخبارات الأميركية، ليتسلم الراية أيمن الظواهري، الرجل الثاني الذي ما لبث أن أصبح الأول، وبعد أكثر من 10 سنوات واجه نفس المصير وانتهت حياته بضربة أميركية.

وعلى الرغم من ارتباط الظواهري اللصيق ببن لادن، إلا أن العهدين اتسما بأجواء شديدة التباين الذي  يعزوه البعض لطبيعة حقبة الظواهري التي شهدت تشتت عناصر التنظيم وفقدان مساحات واسعة من مناطق النفوذ بصعود أسهم تنظيم "داعش" في العراق والشام، فأين يقف "القاعدة" اليوم بعد نزيف الأفرع، وقادة الصف الأول، ومقتل زعيمه أخيراً؟

عصر الشتات 

تنظيم "القاعدة" شهد بداية من تأسيسه على يد بن لادن نهاية الثمانينيات، وحتى الظواهري فترات ظهور واضمحلال متتالية، فمع تنفيذ أولى العمليات باسم التنظيم في 1992، والتي عرفت بتفجيرات فنادق اليمن حينذاك، أرسى "القاعدة" صورته، بأن هدفه المباشر استهداف مصالح الولايات المتحدة.

وكانت تفجيرات اليمن بداية عصر بروز التنظيم الذي أصبح معروفاً بعد محاولة استهدافه مركز التجارة العالمي بالولايات المتحدة عام 1993، وتفجيراته التي طالت السفارات الأميركية في عدد من الدول، وصولاً إلى هجمات 11سبتمبر 2001، التي أدخلت "القاعدة" مرحلة جديدة.

ورصدت دراسة منشورة نشرها مركز "المسبار" للدراسات، زيادة العمليات الإرهابية التي نفذها التنظيم والتي تضاعفت في العام التالي لهجمات 11 سبتمبر، لتصل إلى 20 عملية مقابل 6 عمليات في 2001، كنتيجة منطقية للحرب الأميركية على الإرهاب، وتبدل استراتيجية "القاعدة".

وعقب إعلان مقتل بن لادن في 2011 بعد ملاحقة أميركية حثيثة استمرت سنوات، ودخول التنظيم في خلافة الظواهري، يمكن القول إنه كان بالفعل قد دخل في نفق مظلم وبذر مبادئ الشتات.

"الكاريزما"

الباحث الأردني المتخصص في شؤون الجماعات المتطرفة، حسن أبو هنية، حاول عقد مقارنة بين أوضاع التنظيم تحت مِظلة بن لادن وفترة الظواهري، قائلاً: "بن لادن  شخصية تاريخية رمزية لها كاريزما وسط أنصاره، وهو المؤسس الحقيقي للتنظيم ولم يكن فقط يتمتع بالحضور الرمزي بل أشرف على أعضاء التنظيم، وتحكم في مفاصله وتميز بقراراته الحاسمة، ولذلك ما شهدناه خلال فترته أنه كان هناك إجماعاً على شخصيته ممن كانوا حوله".

وأضاف: "في المقابل لم يكن الظواهري يتمتع بالحسم ذاته أو المركزية أو الكاريزما، وعلى الرغم من أن ساعد التنظيم أشتد منذ عام 2010، واستمر لمدة أعوام قليلة، إلا أنه سرعان ما انحدر تجاه الخلافات الداخلية".

وتابع أبو هنية لـ"الشرق": "الظواهري كان بعيداً عن عملية الاتصال، وكان يغيب لفترات طويلة ويترك لبعض مساعديه التعامل مع قضايا خلافية عميقة في التنظيم، ومن ثم شهدنا تمرداً في العراق، ولم يتمكن الظواهري من إدارة الأزمة التي خلفها في صفوف التنظيم، حتى اشتراطاته في المقاتلين كانت مختلفة، إذ أنه قَبل بيعة حركة الشباب الصومالية، وهذا أمر كان يرفضه بن لادن، ما أعطى مجالاً للامركزية".

ويرى أبو هنية أن "مسار الانحدار الفعلي لتنظيم القاعدة بدأ عام 2014، وبالتحديد إبان صعود أسهم تنظيم (داعش) في العراق والشام على يد أبو بكر البغدادي، والذي أصبح لاعباً جديداً في عمليات استقطاب المقاتليين، الأمر الذي يخلق تحدياً كبيراً لأي شخص يخلف الظواهري في زعامة تنظيم القاعدة". 

وأوضح: "مثلاً سيف العدل المرشح لخلافة الظواهري، هو أو أي شخصية أخرى، ستكون لديه قائمة مهام صعبة وشاقة أبرزها وقف تسرب أعضاء التنظيم، وإعادة السيطرة وإنهاء الخلافات، وأعتقد أن التنظيم لن يكون له مستقبلاً كبيراً في العالم العربي مقارنة بالأطراف وإفريقيا، كما أنه لن يعود كمنافس حقيقي لتنظيم (داعش)". 

انشقاق 

محمد صفر مدير مركز دراسات السلام واللاعنف، يدقق في الماضي القريب للتنظيم، في محاولة لاستشراف المستقبل، معتبراً أن "مسلسل التراجع بدأ منذ اللحظة التي سمح فيها ضعف الظواهري للتنظيمات بأن تنسلخ عنه، ثم تتشكل مجموعات متمردة على التنظيم مثل (داعش)،في حين تمرد أبو بكر البغدادي، ولاحقاً أبو مصعب الزرقاوي، ثم تنظيم القاعدة في اليمن الذي خرج عن التبعية المباشرة للتنظيم".

وأرجع صفر ذلك التمرد والانشقاق إلى "ضعف قدرات الظواهري، وضعف شخصيته وافتقاده الكاريزما التي كانت متوفرة لدى أسامة بن لادن".

وأضاف لـ"الشرق"، أن "التنظيم لديه اليوم تنظيمات الساحل والصحراء ونصرة الإسلام، والشباب في الصومال، وحراس الدين في سوريا فقط وهي تنظيمات تتبعه بشكل مباشر، والقيادة الحالية التي يمكن أن نطلق عليها مجازاً تركة الظواهري، حتى يتسلمها الزعيم الجديد، تفتقد التأثير على قيادات الفروع الأخرى المنتشرة في العالم".

سيناريوهات

وتوقع صفر سيناريوهات عدة لمستقبل التنظيم، لكنها تعتمد في الأساس على من يخلف الظواهري، موضحاً: "في حالة تنصيب محمد صلاح الدين زيدان الملقب بـ(سيف العدل)، يمكننا التفرع إلى سيناريوهات عدة، تتصل جميعها بالوضع في طهران حيث يحتمل أن يكون، وفي حال حدوث تحالف بين القاعدة وإيران، ربما تحاول طهران استخدام التنظيم كأداة من أدوات ضرب النفوذ الأميركي في أفغانستان ومناطق أخرى حول العالم".

وطرح صفر سيناريو آخر: "ربما تفاوض السلطات الإيرانية السلطات الأميركية على تسليم سيف، بذلك تكون القاعدة انتهت تماماً، أعني القيادة المركزية، لكن من جهة أخرى قد يكون ذلك فرصة ذهبية للأفرع المتطرفة، إذ يرجح أن يبرز أحد فروع التنظيم في الساحل والصحراء والصومال أو اليمن، وغالباً اليمن ليلتقط زمام المبادرة والقيادة، لتنتقل قيادة التنظيم من أفغانستان إلى اليمن، أما في حالة وصول القاعدة وحركة طالبان إلى اتفاق، فإن التنظيم سينشط في أفغانستان، خاصة أنه تنقل كثيراً في مناطقها ويحسن قراءة تضاريسها وتعقيداتها المجتمعية".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات