تسابق دول العالم الزمن للوصول إلى لقاح يضع حداً لتفشي فيروس "كورونا" المستجد (كوفيد-19)، مُسخّرة كامل قواها الطبية والبحثية في سبيل ذلك.
وأعلنت "منظمة الصحة العالمية"، في وقت سابق من الشهر الجاري، أن العمل يجري على قدم وساق لتطوير 70 لقاحاً في دول مختلفة، 3 منها بالفعل قيد التجارب السريرية، لكن لن يتمكّن العالم من الاستفادة من أيٍّ منها قبل عام على أقل تقدير.
وسط هذا الماراثون، تزداد المخاوف من احتكار اللقاح عقب التوصّل إليه، في دول معيّنة ولجهات محددة، لا سيّما، بعدما شهد العالم حروباً دبلوماسية لتأمين صفقات كبرى من الكِمامات. فكيف سيتم توزيع اللقاح بين دول العالم؟.. ومن سيقرّر هذه القِسمة؟.. وهل ستباع في "مزاد سريّ" من يدفع فيه أكثر.. يحصل على حصّته أوّلاً؟
احتكار اللقاح
في عام 2005، عانت إندونيسيا ومعظم دول شرق آسيا من وصول "إنفلونزا الطيور" إليها. وفي ديسمبر 2006، رفضت تزويد المراكز المتعاونة مع منظمة الصحة العالمية بعيّنات من الفيروس المسبّب للمرض H5N1؛ لأغراض التحليل والإعداد لإنتاج لقاحات مضادة له، من دون تقديم ضمانات بأنها ستكون مستفيدة من أي لقاح سيجري إنتاجه منها مستقبلاً.
وفي نوفمبر من عام 2009، حذّرت "منظمة الصحة العالمية" من كارثة حتميّة في حال استمر احتكار الأمصال. وقالت رئيسة مبادرة منظمة الصحة العالمية لأبحاث اللقاحات آنذاك، ماري بول كيني: "لو كان الوباء أكثر انتشاراً وضراوة، سيكون الوضع أسوأ بكثير ممّا نحن عليه، وربما سيكون من الصعب جدّاً تأمين توزيعٍ عادل للقاح بين الدول الموبوءة، ومن الواضح وفق المعطيات الحالية، أن الدول ستميل لاحتكار اللقاح وترفض مشاركته".
الدول النامية
لضمان توزيع عادل للقاح، تضع "منظمة الصحة العالمية" خططاً وتطلق مبادرات عدة، وهو ما حدث في جائحة "إنفلونزا الخنازير" عام 2009، عندما وضعت خطة لتوزيع مئات الملايين من جرعات اللقاح المضاد للمرض، على 95 دولة نامية.
ومع ذلك، يبقى هناك عائق أمام المنظمة لضمان وصول هذه اللقاحات لبعض الدول النامية، يتمثل برفضها الحصول عليه، ورفضها لبعض الشروط، مثل عدم التعرض لمصنّعي اللقاح، في حال ظهور أعراض جانبية إثر تناول مواطنيها اللقاح.
عقبات التوزيع
في 24 أبريل الجاري، أطلقت "منظمة الصحة العالمية" مبادرة لتكثيف جهود إنتاج لقاح وعلاج وفحوص فيروس "كورونا"، مع التأكيد على ضمان الوصول إليها. وخلال إطلاق المبادرة، أكّد الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، أهمية توزيع اللقاح (المحتمل) بشكل عادل على البلدان كافة، وعدم اقتصار التوزيع على دولة أو منطقة بعينها.
لكن عثرات عدة، تقف في طريق الجهود الدولية المتكاتفة لضمان توزيع عادل للقاح، عثرات "تدعو إلى التشاؤم" على حدّ وصف ستيفن جونز، وهو عضو كندي في فريق تمكّن من تصنيع لقاح ناجح لعلاج "إيبولا". وفي لقاء مع صحيفة "ذي غارديان" يقول جونز: "يمكن لمنظمة الصحة العالمية أن تحاول القيام بدور قيادي لكنها في وضع صعب. عليها البحث من الآن عن عملية عالمية أخلاقية ومنصفة، ولن يكون الأمر سهلاً".
بدوره، يتساءل المدير السابق في وزارة الصحة البريطانية، ديفيد سالسيري: "هل من الممكن تخيّل منظمة الصحة تخبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب أن بلاده لن تحصل إلا على عُشر كمية اللقاح التي تحتاجها؟"، وأردف قائلاً: "بالطبع سوف يبحث عن بديل محلي ويحتكره".
حرب خفية
وتشير "ذي غارديان" إلى أن "من المحتّم أن تحاول بعض الدول استخدام "اتفاقيات الشراء المسبق" لتأمين حصّتها من اللقاح، عبر تمويل البحوث اللازمة لإنتاج المصل".
في شهر مارس الماضي- ذروة تفشي "كورونا" - تداولت تقارير إعلامية خلافاً ألمانياً - أميركياً بسبب إحدى الشركات الألمانية، التي تعمل على تطوير لقاح ضد الفيروس. وأكّدت مصادر حكومية في برلين لوكالة "رويترز"، محاولة واشنطن الوصول إلى لقاح تعمل شركة CureVac على تصنيعه.
ونشرت صحيفة "بيلد أم زونتاغ" الألمانية ما مفاده أن الإدارة الأميركية تحاول جذب العاملين في شركة "CureVac" التي تتخذ من مدينة توبنغن الألمانية مقراً لها، إلى أراضيها من خلال مدفوعات مالية ضخمة، في سبيل تأمين اللقاح للولايات المتحدة بشكل حصري.
وعلى رغم نفي الشركة الألمانية هذه التقارير، مشددة على أن جهودها الحالية "تنصبّ حصراً على تطوير اللقاح وإنقاذ العالم"، إلا أن وزير الداخلية الألماني هورست سيهوفر، أكّد محاولة واشنطن الحصول على "لقاح CureVac"، لافتاً إلى أن "العديد من أعضاء الحكومة أكّدوا له دقّة هذه التقارير".
طابور الانتظار
في ظل استمرار تفشّي فيروس "كورونا" في شتى دول العالم، يبدو الوقوف في طابور الانتظار أمراً لا مفرّ منه، كما أن الحاجة إلى إنتاج مليارات الجرعات عوضاً عن الملايين منها، تزيد من صعوبة المهمة.
وفي تصريح لصحيفة "ذي غارديان"، يقول رئيس قسم اللقاحات في منظمة "Wellcome Trust"، تشارلي ويلر: "حتى بعد توفر لقاح كورونا، سيشهد العالم نقصاً في الإمدادات منه لمدة عام على الأقل".
بدوره يرسم المسؤول الطبي الأول لشركة "GSK Vaccines"، توماس بروير، صورة أوضح لتوزيع اللقاحات ووفرتها، مشيراً في مقابلة مع "ذي غارديان"، إلى أن شركته تعمل مع شركة "Sanofi" العملاقة في مجال الأدوية، لتطوير عملية إنتاج يمكن أن تقدم كميات كبيرة من الأمصال. ويضيف: "لنفترض أنّ نهج GSK-Sanofi نجح، هذا وحده لن يكون كافياً لإمداد 20% من سكان العالم في غضون عام واحد"، مؤكّداً على "ضرورة دخول العديد من الحلول واسعة النطاق حيّز التنفيذ، وإذا أردنا تلبية احتياجات سكان العالم على مدار عام إلى عامين، فإنّ شركة واحدة لا تكفي".
من جانبه، أشار الرئيس التنفيذي لجمعية صناعة الأدوية البريطانية، ريتشارد توربيت، إلى "ضرورة عدم ترك الكرة في ملعب شركات الأدوية لتقرر توزيع اللقاحات"، وذلك في لقاء مع "ذي غارديان".
ويحذر ويلر الحكومات من مغبّة احتكار الأمصال، وإلا "ستقع في شرّ أعمالها"، على حدّ قوله، ففي وقت بات فيه العالم مفتوحاً على مصراعيه، لن تتعافى دولة من الفيروس، إلا بتعافي العالم أجمع.