"أنيق لكن مؤلم".. البريطانيون عانوا من موضة الحذاء المدبب في العصور الوسطى

time reading iconدقائق القراءة - 7
رسم توضيحي من الأزياء البريطانية خلال القرن الخامس عشر ويظهر فيه حذاء "بولين" المدبب الطويل - Hulton Archive
رسم توضيحي من الأزياء البريطانية خلال القرن الخامس عشر ويظهر فيه حذاء "بولين" المدبب الطويل - Hulton Archive
القاهرة -محمد منصور

قالت دراسة حديثة أجراها علماء من جامعة "كامبريدج"، إن البريطانيين عانوا بسبب الموضة في القرون الوسطى، حين كان ارتداء الأحذية ذات الطرف المُدبب من مظاهر التأنق والثراء.

وكشفت الدراسة أن تلك الموضة تسببت في إصابة معظمهم بمرض "الوَكْعات" وهو نتوء حاد في إبهام القدم الكبير، يُجبر مفصل قاعدة ذلك الأصبع على البروز للخارج، ويحدث ذلك عندما تتحرك بعض العظام في الجزء الأمامي من قدمك عن مكانها، ويؤدي هذا إلى سحب طرف إصبعك الكبير نحو الأصابع الأصغر، ويجبر المفصل عند قاعدة إصبع قدمك الكبير على البروز.

أحذية تسبب الكسر

ووجد الباحثون الذين يحققون في الرفات، أن أولئك المدفونين في وسط المدينة، لا سيما في قطع الأراضي الخاصة بالمواطنين ورجال الدين الأثرياء، كانوا أكثر عرضة للإصابة بتلك الوكعات، ما يشير إلى أن سكان المدن الأغنياء دفعوا ثمناً أغلى بكثير من المال مقابل أحذيتهم.

اكتشف فريق من جامعة كامبريدج أيضاً أن الأشخاص الأكبر سناً في العصور الوسطى الذين يعانون من إبهام القدم الأروح (الوكعة)، كانوا أكثر عرضة للإصابة بكسر في العظام من السقوط المحتمل، مقارنة بأولئك الذين هم في سن مماثلة بأقدام طبيعية.

في حين أن العديد من العوامل يمكن أن تهيئ شخصاً للإصابة بالوكعة، بداية من الجينات مروراً باختلال التوازن العضلي، فإن السبب الأكثر شيوعاً هو الأحذية وبخاصة الأحذية الضيقة. غالباً ما ترتبط الحالة بارتداء الكعب العالي.

قام علماء الآثار بتحليل 177 هيكلاً عظمياً من المقابر في مدينة كامبريدج وحولها، ووجدوا أن 6% فقط من الأفراد المدفونين بين القرنين الحادي عشر والثالث عشر لديهم دليل على الإصابة بهذا المرض. 

حذاء أنيق لكن مؤلم

إلا أن أكثر من 27% من أولئك الذين عاشوا في القرنين الرابع عشر والخامس عشر عانوا مع وكعات القدم المؤلمة.

يشير الباحثون إلى أن نمط الحذاء قد تغير بشكل كبير خلال القرن الرابع عشر، إذ تحول من صندوق أصابع مدور من الأمام ومريح للقدم، إلى طرف مدبب طويل وأكثر أناقة لكنه يؤذي الأصابع.

وكشفت ورقة بحثية نُشرت الجمعة، في المجلة الدولية لعلم الأمراض القديمة، أن أحذية "بولين" هذه هي التي أدت إلى ظهور الوكعات في بريطانيا في العصور الوسطى.

 وسميت تلك الأحذية بذلك الاسم تميناً ببولندا. ففي مدينة "كراكوف" تم تصميمها لأول مرة في أواخر القرن الثاني عشر.

لكنها انتشرت في جميع أنحاء أوروبا في القرن الرابع عشر، الذي سادته وفرة من الأنماط الجديدة من الملابس والأحذية في مجموعة واسعة من الأقمشة والألوان، ومن بين اتجاهات الموضة في ذلك الحين كانت هذه الأحذية ذات الأصابع الطويلة المدببة دليلاً على الأناقة والثراء.

تقييم باثولوجي

وتشير بقايا الأحذية التي تم التنقيب عنها في أماكن مثل لندن وكامبريدج إلى أنه بحلول أواخر القرن الرابع عشر، كان كل نوع من الأحذية تقريباً مدبباً قليلاً على الأقل، كما كانت تلك الأحذية شائعة بين البالغين والأطفال على حد سواء.

ويقول الباحثون إنهم أدركوا أن الزيادة في معدلات الإصابات بالوكعات لها ما يبررها، فـ"التشوه" يتزامن مع إدخال أنماط الأحذية الجديدة وزيادة تصنيعها في القرنين الرابع عشر والخامس عشر.

وتقول الباحثة في جامعة كامبريدج، جينا ديتمار، وهي المؤلفة الأولى لتلك الدراسة، إن الباحثين لطالما اعتقدوا أن الوكعات مشكلة حديثة، ولكن هذا العمل "يظهر أنها كانت في الواقع واحدة من أكثر الحالات شيوعاً التي أثرت على البالغين في العصور الوسطى".

منع كنسي وآخر ملكي

جاءت البقايا التي فحصها الباحثون من أربعة مواقع منفصلة حول كامبريدج، مستشفى خيري (الآن جزء من كلية سانت جون)، أراضي دير أوغسطيني سابق، حيث دُفن رجال الدين والأثرياء المحسنون، مقبرة أبرشية محلية على أطراف المدينة، وموقع دفن ريفي بالقرب من قرية على بعد 6 كيلومترات جنوب كامبريدج.

وأجرى الباحثون "تقييمات باثولوجية قديمة" بما في ذلك فحص عظام القدم بحثاً عن نتوء في إصبع القدم الكبير الذي يعد السمة المميزة لإبهام القدم الأروح (الوكعة).

وظهرت تلك الحالة في 3% في المقبرة الريفية، و10% من مقبرة الرعية (التي تضم بشكل رئيسي العمال الفقراء)، ووصلت إلى ما يصل إلى 23% من أولئك الموجودين في موقع المستشفى.

إلا أن النسبة الكبرى ظهرت في مقابر أراضي الدير، فما يقرب من نصف المدفونين في دير فريش، حوالي 43%، بما في ذلك خمسة من 11 فرداً تم تحديدهم كرجال دين، يحملون علامة الورم.

 وهذا يعني أن رجال الدين في تلك الفترة كانوا يرتدون أحذية "على أحدث موضة"، على الرغم من أن الكنيسة كانت قد أصدرت في القرن الثالث عشر، أمراً يمنع رجال الدين من ارتداء الأحذية المدببة كونها "لا تتناسب مع حياة العبادة والتقشف".

وفي مجتمع القرون الوسطى المتأخر، أصبحت الأحذية المدببة منتشرة بشدة، لدرجة أنه في عام 1463 أصدر الملك إدوارد الرابع، قانوناً، يمنع صناعة الحذاء المدبب بطول أكثر من بوصتين (5.08 سنتيمتراً) داخل مدينة لندن.

وتظهر الأبحاث السريرية الحديثة التي أجريت على مرضى إبهام القدم الأروح (الوكعات) أن التشوه يزيد من صعوبة التوازن، ويزيد من خطر السقوط لدى كبار السن. تقول ديتمار، إن هذا من شأنه أن يفسر العدد الأكبر من العظام المكسورة التي التئمت بعد العلاج، ووجدت في الهياكل العظمية في العصور الوسطى المُصابة بالوكعات.