"عرين الأسود".. التحدي الجديد لإسرائيل والفصائل الفلسطينية

time reading iconدقائق القراءة - 6
عربة عسكرية وجنود إسرائيليون يقفون في مدخل أحد الشوارع ويمنعون مرور الشاحنات في مدينة نابلس الضفة الغربية المحتلة - 12 أكتوبر 2022 - وفا
عربة عسكرية وجنود إسرائيليون يقفون في مدخل أحد الشوارع ويمنعون مرور الشاحنات في مدينة نابلس الضفة الغربية المحتلة - 12 أكتوبر 2022 - وفا
رام الله-محمد دراغمة

لبى كثير من الفلسطينيين دعوة وجهتها مجموعة "عرين الأسود"، للصعود إلى أسطح المنازل، عند منتصف ليل الاثنين، وإطلاق التكبيرات تضامناً مع المقاتلين الذين يشنون هجمات مسلحة على أهداف إسرائيلية.

ونشرت مقاطع مصورة من جميع المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية لمواطنين يلبون نداء هذه المجموعة المسلحة التي تشكلت مؤخراً، وانخرطت في مواجهة مسلحة مفتوحة مع قوات الاحتلال والمستوطنين.

استجابة المواطنين لدعوة المجموعة المقاتلة التي تضم شباناً في العشرينات من العمر، شكلت تحدياً ليس فقط لإسرائيل وإنما للقوى والفصائل الفلسطينية التقليدية التي لم تعد دعواتها تلقى آذاناً صاغية من قبل كثير من المواطنين.

وتمثل مجموعة "عرين الأسود"، والمجموعات الشبيهة التي تشكلت هذا العام في شمال الضفة الغربية مثل "كتيبة جنين"، و"كتيبة طولكرم"، و"كتيبة طوباس"، وغيرها نموذجاً جديداً من العمل السياسي الفلسطيني بشكله المسلح والشعبي، فهي مجموعات شبابية لا تنتمي لأي من الفصائل السياسية التقليدية، وتضم شباناً مستعدين للقتال تحت راية فلسطين وليس تحت رايات الفصائل المعروفة.

"تحت راية فلسطين"

ناشط في أحد هذه المجموعات قال لـ"الشرق" عبر الهاتف: "نحن شباب فلسطيني يقاتل ضد الاحتلال الذي لم يدع لنا شيئاً، الاحتلال الذي نهب الأرض والمقدسات، انظر ماذا يفعلون بالمسجد الأقصى، إنهم يحتلونه، انظر إلى المستوطنات التي لم تبق لنا قطعة أرض".

وأضاف: "نحن لا نقاتل تحت راية الفصائل، صحيح أنه ليس لدينا مشكلة مع الفصائل، ولا مع السلطة الفلسطينية، لكننا نقاتل تحت راية فلسطين، وليس الفصائل التي انتهى الأمر بها إلى الانقسام والخلاف ونحن تحت الاحتلال".

وتشن المجموعات المسلحة هجمات شبه يومية في الضفة الغربية، وتتسع دائرة مناصريها بصورة متسارعة على نحو يثير قلق إسرائيل والسلطة الفلسطينية، التي تخشى أن يؤدي اتساع دائرة المواجهات المسلحة إلى انهيار النظام العام والاقتصاد وسيطرة المسلحين على مقاليد الأمور.

اجتماع أمني في إسرائيل

كبار القادة الإسرائيليين، وبينهم رئيس الحكومة ووزير الدفاع وقائد الجيش، عقدوا مطلع الأسبوع الجاري اجتماعاً خاصاً لبحث التحديات التي تشكلها مجموعة "عرين الأسود" وشقيقاتها.

وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية بأن الحكومة تتجه لشن عملية عسكرية خاصة للقضاء على هذه المجموعات، عبر اجتياح واسع لأماكن تواجدهم، تشارك فيه الدبابات والمروحيات والمسيرات، كما حدث في اجتياح عام 2002 الذي تمكنت فيه إسرائيل من اغتيال واعتقال من تسميهم "المطلوبين ممن قاموا بهجمات مسلحة".

وأغلقت إسرائيل، مؤخراً، العديد من المناطق في محيط نابلس وشرقي القدس مستخدمة السواتر الترابية، والمكعبات الأسمنتية، والحواجز العسكرية، ونشرت مسيرات في مختلف المناطق بهدف جمع المعلومات الاستخبارية.

وقال الكاتب المختص بالشؤون الإسرائيلية، عصمت منصور لـ"الشرق" إن إسرائيل تعمل في هذه المرحلة من خلال جمع المعلومات الاستخبارية، وإغلاق مناطق محددة في محيط تواجد هذه المجموعات، وملاحقة واعتقال عائلاتهم، وحث السلطة الفلسطينية على القيام بالمزيد من الجهد لإنهائها، وفي لحظة معينة قد تقوم باجتياحات لأماكن تواجدهم.

وأضاف: "المقلق بالنسبة لإسرائيل أيضاً هو التأييد الشعبي الجارف لهذه المجموعات، والذي ينذر بتكرار تجربتها في مختلف المناطق، وكذلك قيام حركتي حماس والجهاد بضخ المزيد من الدعم المالي واللوجستي لهذه المجموعات لتعزيز قوتها".

تأييد شعبي

التأييد الشعبي الواسع لهذه المجموعات دفع بعدد من كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية للتقرب منها، والظهور بمظهر المؤيد والمتعاطف معها.

وفي هذا السياق، قام رئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، الأحد الماضي، بزيارة لبيوت عزاء ثلاثة من مقاتلي "كتيبة جنين"، سقط 2 منهم في اشتباك مسلح مع جيش الاحتلال الاسرائيلي، الجمعة، وتوفي الثالث متأثراً بجروح خطيرة أصيب بها في هجوم سابق على حافلة إسرائيلية.

وقدمت إسرائيل شكوى رسمية للسلطة الفلسطينية بشأن زيارة اشتية لبيوت العزاء تلك، قائلة إن "أيديهم ملطخة بالدماء".

الكاتب عصمت منصور، رأى أن "السلطة الفلسطينية تدرك أن هذه المجموعات تحظى بحاضنة شعبية واسعة، وتعرف أن التقرب إلى هذه الحاضنة طريق مهم للسياسيين الباحثين عن الدعم الشعبي".

"حج سياسي"

وقام غالبية أعضاء اللجنة المركزية لحركة "فتح" بزيارة بيوت عزاء الشهداء في جنين، ونابلس، الأمر الذي وصفه أحد المراقبين بـ"الحج السياسي" مشيراً إلى "حاجة السياسيين الفلسطينيين إلى الشرعية السياسية من خلال التقرب من الشارع، في ظل غياب الانتخابات وفشل المفاوضات والأساليب التقليدية السابقة في تحقيق الأهداف الوطنية للشعب الفلسطيني".

لكن الحكومة والأجهزة الأمنية الفلسطينية تعمل في الوقت ذاته على المستوى الأمني، لوقف هذه الظاهرة خشية تداعياتها على استقرار السلطة.

وكشف مسؤول أمني رفيع لـ"لشرق، أن السلطة تعمل وفق ثلاثة خيوط متوازية، الأول محاورة جميع عناصر هذه المجموعات لإقناعهم بتسليم سلاحهم مقابل استيعابهم في مؤسسات السلطة، وتقديم العون المالي لعائلاتهم، والثاني منع الناشطين في حركة "حماس" من القيام بأي عمل أو نشاط مالي أو عسكري، خشية تكرار تجربة غزة في الانقلاب على السلطة، والثالث وقف القنوات المالية الموجهة من الخارج لهذه المجموعات.

وقال المسؤول إن أجهزة الأمن في نابلس نجحت في الأيام الأخيرة في إقناع 12 عضواً في مجموعة "عرين الأسود" بإلقاء سلاحهم، وأن الحوار ما زال قائماً مع باقي أعضاء المجموعة البالغ عددهم حوالي الثلاثين.

لكن مصادر مقربة من المجموعة قالت لـ"الشرق"، إن من ألقوا السلاح ليسوا من المجموعة الأساسية، وإنما من محيطها.

وقالت المصادر إن جميع الأفراد الأساسيين في المجموعة "رفضوا عروض السلطة بإلقاء السلاح"، وأبلغوها بأنهم "مصممين على القتال حتى النهاية".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات