بدأ فريق الرئيس الأميركي جو بايدن في التعامل مع إمكانية "فشل إنقاذ" الاتفاق النووي مع إيران، والذي تعهد بإحيائه، إذ تراجعت آمال العودة بعد عقد 6 جولات من محادثات فيينا، مع عدم وجود أي بوادر لجولة سابعة، حسبما وصفت وكالة "بلومبرغ" الأميركية.
واعتبرت الوكالة، حسبما ورد في تقرير لها، الجمعة، أن واشنطن تخشى "نفاد الوقت" قبل إحياء الاتفاق المبرم في عام 2015، على خلفية الانتهاكات الإيرانية الأخيرة بشأن برنامجها النووي وزيادة تخصيب اليورانيوم، فضلاً عن التغيرات السياسية الجديدة في طهران، في إشارة إلى تولي "المحافظ" إبراهيم رئيسي مقاليد الأمور في طهران.
وبعد انطلاقها في أبريل الماضي، توقفت محادثات فيينا بعد 6 جولات، وسط تقارير عن صعوبات في تقريب وجهات نظر الفريقين الأميركي والإيراني، وكان من المتوقع أن يتم استئناف المحادثات في يوليو، لكن لا يوجد تأكيد لموعد محدد.
وقالت وكالة "بلومبرغ" إن حالة الجمود "تضاعفت" بسبب التقدم الذي حققته إيران في تخصيب اليورانيوم، وانتخابها الشهر الماضي إبراهيم رئيسي رئيساً للبلاد، ما أثار شكوكاً حول "ما إذا كان الاتفاق سيكفي لكبح جماح الطموحات النووية لطهران بعد الآن".
وقدمت طهران في وقت سابق هذا الأسبوع، مثالاً آخر على مدى التقدم الذي أحرزته في السنوات الثلاث منذ أن تخلى الرئيس السابق دونالد ترمب عن الاتفاق في عام 2018، وبدأ حملته لـ"الضغط القصوى" بمجموعة من العقوبات.
وأفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الثلاثاء، بأن إيران اتخذت خطوات لصنع صفائح وقود معدنية من اليورانيوم المخصب بنسبة 20%، إذ يحظر على إيران ذلك بموجب اتفاقها مع القوى العالمية؛ لأنه يمثل خطوة نحو إنتاج قنبلة نووية.
ويأتي الإعلان الإيراني الجديد في ظل زيارة مرتقبة لنائب المدير العام للوكالة ماسيمو أبارو، إلى إيران الأسبوع المقبل، في وقت تتأزم فيه التوترات المرتبطة بفرض طهران قيوداً على عمل مفتشي الوكالة على أراضيها.
"اتفاق مُحصن"
من جانبها، قالت كيلسي دافنبورت، مديرة سياسة حظر انتشار الأسلحة في رابطة الحد من الأسلحة، إنه "كلما اكتسبت إيران المزيد من المعرفة، أصبح من الصعب ضمان أن يكون الاتفاق النووي محصناً ضد تطوير الأسلحة النووية كما كان في عام 2015".
وأضافت: "تُعرّض إيران محادثات فيينا للخطر من خلال مواصلة الأنشطة النووية التي لا يمكن التراجع عنها بالكامل"، مشيرة إلى أن انتخاب رئيسي يجعل الأمر "أكثر صعوبة".
ولفتت إلى أن الاستراتيجية الرئيسية للولايات المتحدة تتمثل في "إعادة الانضمام إلى الاتفاق ثم التوصل إلى صفقة أطول وأقوى تعالج قضايا مثل توسيع القيود المفروضة على برنامج إيران النووي".
وأشارت دافنبورت إلى أن بعضاً من تلك القضايا من المقرر أن تنتهي صلاحيته بحلول عام 2025، كما ستسعى واشنطن إلى "فتح مفاوضات للحد من برنامج الصواريخ الباليستية الإيراني ودعمها لجماعات إرهابية".
وكان رئيسي قال في تصريحات سابقة إن حكومته، التي ستتولى السلطة الشهر المقبل، "لن تعقد مثل هذه المناقشات"، وإزاء ذلك، قال ريتشارد غولدبيرغ، المحلل في مؤسسة "الدفاع عن الديمقراطيات"، التي تعارض الاتفاق النووي إن "الوهم قد زال الآن.. أزاله رئيسي".
مكاسب إيرانية وعبء أميركي
وأشارت "بلومبرغ" إلى أن طهران ستحقق بعض المكاسب حال عودة واشنطن للاتفاق، تتمثل في إنهاء الكثير من العقوبات التي أثقلت كاهلها الاقتصادي قبل وأثناء جائحة فيروس كورونا، إذ كان أشد هذه القيود وطأة هو الحظر الفعال على البيع القانوني للنفط الإيراني في الخارج، والذي كان ذات يوم أكبر مصدر للإيرادات الخارجية لطهران.
ويثير اكتساب طهران القدرة على صناعة قنبلة نووية، سؤالاً: "هل سيكون هناك أي معنى لمحاولة العودة إلى الاتفاق حال اختارت إيران التملص من بنوده؟".
وفي المقابل، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، نيد برايس، إنه بينما تصرّ إيران على عدم وجود أي نية لصناعة قنبلة نووية، إلا أنها طردت العديد من المفتشين الدوليين، كما أنها تعمل على تطوير أجهزة الطرد المركزي التي تُخصب اليورانيوم أسرع بمقدار 50 مرة من السابق".
وأضاف برايس: "ندرك أنه مع مرور الوقت سيشكل التقدم النووي الذي أحرزته إيران عبئاً على العودة إلى خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي)".
وأضاف: "إحدى المزايا الرئيسية لخطة العمل الشاملة المشتركة كانت إطالة وقت التهرب، وفي حال بدأت هذه المزايا في التلاشي، فسيتعين علينا أن نعيد تقييم ما وصلنا إليه في هذه العملية".
"أفكار إيران الإبداعية"
ووفقاً لما نقلته "بلومبرغ" عن أحد المصادر المُطلعة، فإن إيران "فرضت بعض الأفكار الإبداعية، مثل مطالبتها بتخزين أحدث ما تملكه من أجهزة طرد مركزي تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية، حتى يسمح الاتفاق باستخدامها في عام 2025 بموجب البنود المحددة للإطار الزمني التي اشتمل عليها الاتفاق".
وأوضح المصدر أن هذه المحادثات التقنية استمرت في وقت كانت تجرى فيه المفاوضات الأكثر عمومية، لكن المتشككين في الاتفاق، بمن فيهم الجمهوريون وبعض الديمقراطيين في الكونغرس الأميركي، أكدوا أن الاتفاق في أحسن الأحوال "يؤخر البرنامج النووي".
وفي هذا السياق قال راي تاكيه، زميل أول في مجلس العلاقات الخارجية، لـ"بلومبرغ": "لقد أبحرت السفينة، وباتت إيران اليوم تمتلك المواد المستخدمة لصنع الأسلحة النووية وأجهزة الطرد المركزي المتقدمة".
وأضاف: "أي شخص يعتقد أن العودة إلى خطة العمل تضع البرنامج النووي الإيراني في الصندوق، ليس لديه فهم دقيق عن هذا الصندوق".