روسيا.. تقرير حكومي يرسم صورة قاتمة للاقتصاد بسبب العقوبات

time reading iconدقائق القراءة - 9
جانب من ميناء فلاديفوستوك، روسيا 5 سبتمبر 2022 - AFP
جانب من ميناء فلاديفوستوك، روسيا 5 سبتمبر 2022 - AFP
دبي-الشرق

كشف تقرير داخلي أعده خبراء ومسؤولون روس أنَّ روسيا قد تواجه ركوداً أطول وأعمق مع انتشار تأثير العقوبات الأميركية والأوروبية، مما يعوق القطاعات التي اعتمدت عليها البلاد لسنوات من أجل تشغيل اقتصادها.

ووفقاً لوكالة "بلومبرغ" الأميركية، جاء التقرير نتيجة أشهر من العمل قام به مسؤولون وخبراء روس في محاولة لتقييم التأثير الحقيقي لعزلة روسيا الاقتصادية عن محيطها الأوروبي، بسبب غزو الرئيس فلاديمير بوتين لأوكرانيا.

ورسم التقرير صورة أكثر سوءاً بكثير مما يفعله المسؤولون عادة في تصريحاتهم العامة المتفائلة، بحسب الوكالة التي تقول إنها اطلعت على نسخة من التقرير الذي تمت صياغته لاجتماع مغلق لكبار المسؤولين في 30 أغسطس، وأكد أشخاص مطلعون على المداولات صحته.

سيناريوهات الانكماش

ويظهر اثنان من السيناريوهات الثلاثة في التقرير، تسارع الانكماش في العام المقبل، مع عودة الاقتصاد إلى مستوى ما قبل الحرب فقط في نهاية العقد أو في وقت لاحق.

ويرى سيناريو "القصور الذاتي" أنَّ الاقتصاد سيصل إلى القاع في العام المقبل بنسبة 8.3% أقل من مستوى عام 2021، في حين أنَّ سيناريو "الإجهاد" يضع الوصول لمستوى القاع في عام 2024 عند 11.9% تحت مستوى العام الماضي.

وترجع جميع هذه السيناريوهات الانكماش إلى اشتداد ضغط العقوبات الغربية، مع احتمال انضمام المزيد من الدول إليها.

كما أشار التقرير إلى أنَّ ابتعاد أوروبا الحاد عن النفط والغاز الروسي قد يضر أيضاً بقدرة موسكو على تزويد سوقها الخاص.

وبعيداً عن القيود نفسها، التي تغطي حوالي ربع الواردات والصادرات، يُفصّل التقرير كيف تواجه روسيا الآن "حصاراً" أثَّر عملياً على جميع أشكال النقل، مما زاد من عزل اقتصاد البلاد، مشيراً إلى أنَّ القيود المالية والتكنولوجية تزيد أيضاً من الضغوط.

ويقدر التقرير أن ما يصل إلى 200 ألف متخصص في تكنولوجيا المعلومات قد يغادرون البلاد بحلول عام 2025، وهي أول توقعات رسمية لاتساع هجرة العقول.

في العلن، يقول المسؤولون إنَّ الصفعة الناجمة عن العقوبات كانت أقل مما كان متوقعاً، إذ قد يصل الانكماش إلى أقل من 3% هذا العام وحتى أقل في عام 2023. كما قام اقتصاديون خارجيون بتعديل التوقعات لهذا العام، متراجعين عن التوقعات الأولية بحدوث ركود عميق مع صمود الاقتصاد بشكل أفضل مما كان متوقعاً.

انخفاض الصادرات

ويدعو التقرير إلى اتخاذ مجموعة من التدابير لدعم الاقتصاد وزيادة تخفيف تأثير القيود لإعادة الاقتصاد إلى مستويات ما قبل الحرب في عام 2024 ودفعه نحو النمو باطراد بعد ذلك، لكن الخطوات المقترحة تشمل العديد من التدابير نفسها لتحفيز الاستثمار التي روجت لها الحكومة على مدى العقد الماضي، عندما كان النمو راكداً إلى حد كبير حتى من دون عقوبات.

وأحالت الخدمة الصحفية الحكومية في روسيا استفساراً حول التقرير إلى وزارة الاقتصاد، التي لم ترد على الفور على طلب من "بلومبرغ" للتعليق.

ماذا يقول الخبراء؟

وقال ألكسندر إيزاكوف، الخبير الاقتصادي الروسي: "مع تضاؤل الوصول إلى التقنيات الغربية، وموجة من سحب الاستثمارات من الشركات الأجنبية والرياح المعاكسة الديموغرافية في المستقبل، من المتوقع أن ينكمش النمو المحتمل للبلاد ما بين 0.5% إلى 1.0% في العقد المقبل".

وأضاف: "بعد ذلك، سيتقلص أكثر من ذلك، وصولاً إلى ما فوق الصفر بقليل بحلول عام 2050. كما ستكون روسيا عرضة بشكل متزايد لانخفاض أسعار السلع الأساسية العالمية، حيث لم تعد الاحتياطيات الدولية توفر حاجزاً مانعاً".

ويحذر التقرير من "انخفاض حجم الإنتاج في مجموعة من القطاعات الموجهة نحو التصدير" خلال العام أو العامين المقبلين، من النفط والغاز إلى المعادن والمواد الكيميائية والمنتجات الخشبية. وفي حين أن بعض الانتعاش ممكن في وقت لاحق، فإنَّ "هذه القطاعات ستتوقف عن كونها محركات الاقتصاد".

ووفقاً للتقرير، فإنَّ الانقطاع الكامل للغاز عن أوروبا، سوق التصدير الرئيسية لروسيا، قد يكلف ما يصل إلى 400 مليار روبل (6.6 مليار دولار) سنوياً من عائدات الضرائب المفقودة. ولن يكون من الممكن تعويض المبيعات المفقودة بالكامل بأسواق تصدير جديدة حتى على المدى المتوسط.

 تضرر قطاع النفط 

ونتيجة لذلك، سيتعين خفض الإنتاج، مما يهدد أهداف الكرملين لتوسيع إمدادات الغاز المحلية، وفقاً للتقرير، فالافتقار إلى التكنولوجيا اللازمة لمحطات الغاز الطبيعي المسال أمر "بالغ الأهمية" وقد يعيق الجهود المبذولة لبناء محطات جديدة.

كما أن خطط أوروبا لوقف استيراد المنتجات النفطية الروسية، حيث ذهب حوالي 55% من الصادرات إلى هناك العام الماضي، يمكن أن تؤدي إلى تخفيضات حادة في الإنتاج مما يترك السوق المحلية تفتقر إلى الوقود أيضاً. 

وقال التقرير إنَّ منتجي المعادن يخسرون 5.7 مليار دولار سنوياً جراء القيود، محذراً من أنه إذا انزلق الاقتصاد العالمي إلى الركود، فقد تشهد روسيا مزيداً من الانخفاض في الصادرات حيث تصبح "المورد المتأرجح" في الأسواق العالمية، مع اختفاء الطلب على منتجاتها أولاً. وقد يؤدي ذلك إلى هبوط الروبل وارتفاع التضخم.

من ناحية الاستيراد، فإنَّ "الخطر الرئيسي على المدى القصير هو تعليق الإنتاج بسبب نقص المواد الخام والمكونات المستوردة". وعلى المدى الطويل، فإن عدم القدرة على إصلاح المعدات المستوردة يمكن أن يحد بشكل دائم من النمو، وفقاً للتقرير.

"الواردات الحرجة"

وقال التقرير إنه "لا يوجد موردون بديلون لبعض الواردات الحيوية ببساطة". وحتى في القطاع الزراعي، حيث روج الكرملين لجهوده في استبدال الإمدادات الأجنبية، فإن الاعتماد على المدخلات الرئيسية يمكن أن يجبر الروس على خفض استهلاكهم الغذائي مع تضاؤل الإمدادات، وفقاً للتقرير.

وقد تدفع القيود المفروضة على الوصول إلى التكنولوجيا الغربية روسيا إلى جيل أو جيلين وراء المعايير الحالية، لأنها مجبرة على الاعتماد على بدائل أقل تقدماً من الصين وجنوب شرق آسيا.

ويحذر التقرير من أن العقوبات ستجبر الحكومة أيضاً على مراجعة مجموعة من أهداف التنمية التي حددها بوتين قبل الحرب، بما في ذلك تلك الخاصة بتعزيز النمو السكاني ومتوسط العمر المتوقع.

وعلى أساس تأثر القطاعات المختلفة، يفصل التقرير مدى الضرر الناجم عن العقوبات بحسب القطاعات المختلفة، ففي القطاع الزراعي يعتمد 99% من إنتاج الدواجن بالكامل و30% من إنتاج أبقار هولشتاين الحلوب على الواردات. كما يتم جلب بذور المواد الغذائية الأساسية مثل بنجر السكر والبطاطس في الغالب من خارج البلاد، وكذلك أعلاف الأسماك والأحماض الأمينية.

أما في قطاع الطيران، فإنه يتم نقل 95% من مجمل الركاب على متن طائرات أجنبية الصنع، ويمكن أن يؤدي تعذُّر الوصول إلى قطع الغيار المستوردة إلى تقلص الأسطول مع خروج طائرات من الخدمة.

في قطاع بناء الآلات، هناك 30% فقط من الأدوات الآلية روسية الصنع، كما أن الصناعة المحلية ليس لديها القدرة على تغطية الطلب المتزايد، بحسب التقرير.

وهكذا في المستحضرات الصيدلانية، إذ يعتمد حوالي 80% من الإنتاج المحلي على المواد الخام المستوردة، بينما أدت القيود التي فرضها الاتحاد الأوروبي في مجال النقل إلى مضاعفة تكاليف الشحنات البرية ثلاث مرات.

وتمتد الأضرار إلى قطاع  الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إذ قد تؤدي القيود المفروضة على بطاقات وحدة تعريف المشترك (إس آي إم)  إلى حرمان روسيا منها بحلول عام 2025، كما أنَّ قطاع الاتصالات لديها قد يتخلف خمس سنوات عن دول العالم الرائدة في عام 2022.

اقرأ أيضاً:

تصنيفات