لماذا ترفض فرنسا كشف أماكن نفاياتها النووية في الجزائر؟

time reading iconدقائق القراءة - 7
الجنرال الفرنسي جان تيري يضع يده على خارطة للجزائر، وهو يتحدث للصحافيين عن انفجار القنبلة النووية الفرنسية الثالثة في 27 ديسمبر 1960 بمنطقة رقان جنوبي الجزائر، خلال عملية "الجربوع الأحمر" - AFP
الجنرال الفرنسي جان تيري يضع يده على خارطة للجزائر، وهو يتحدث للصحافيين عن انفجار القنبلة النووية الفرنسية الثالثة في 27 ديسمبر 1960 بمنطقة رقان جنوبي الجزائر، خلال عملية "الجربوع الأحمر" - AFP
الجزائر -أمين حمداوي

أحيت الجزائر، السبت، الذكرى الـ61 للتفجيرات النووية الفرنسية في منطقة رقان، في أقصى الجنوب الجزائري، والتي أطلقت عليها سلطات الاحتلال الفرنسي اسم "الجربوع الأزرق"، ممهدة لدخول فرنسا إلى نادي البلدان النووية.

وفي هذه الذكرى السنوية، عادت مسألة مواقع النفايات النووية التي قامت السلطات الفرنسية بتخزينها في الأراضي الجزائرية، لتطرح بقوة في الجزائر، خصوصاً مع رفض باريس إلى اليوم الكشف عن خرائطها، باعتبارها من الأسرار العسكرية.

واستعملت السلطات الفرنسية أربع قنابل ذرية بطاقة تفجيرية تراوحت بين 10 و70 كيلوطناً، تكافئ قوتها 4 من القنابل التي أسقطتها الولايات المتحدة على هيروشيما اليابانية. ووفق دراسات تاريخية تم إجراؤها في الجزائر، تسببت 17 تجربة نووية أجرتها فرنسا في الصحراء الجزائرية، ما بين 1960 و1966، في مقتل 42 ألف جزائري، وإصابة آلاف آخرين بإشعاعات نووية.

وأدى وفد حكومي جزائري ضم وزيرة التضامن كوثر كريكو، بالإضافة إلى الأمين العام لوزارة المجاهدين (قدماء المحاربين) العيد ربيقة، زيارة السبت إلى منطقة الحمودية، التي شهدت هذه التفجيرات.

إشعاعات مرتفعة

وكانت السلطات الفرنسية أكدت بعد ثلاثة أيام من تجربة 13 فبراير 1960، أن الإشعاع أدنى من مستويات السلامة المقبولة. لكن وثائق رفعت عنها السرية في عام 2013، أظهرت أن الإشعاع أعلى بكثير مما أعلن حينها، ويصل إلى كامل غرب إفريقيا وجنوب أوروبا.

ونفّذت فرنسا التي احتلت الجزائر بين عامي 1830 و1962، 17 تجربة نووية في الصحراء بين 1960 و1966 في منطقتي رقان وإن إيكر. 

وجرت 11 من تلك التجارب، وجميعها تحت الأرض، بعد توقيع اتفاقيات إيفيان عام 1962، التي قادت إلى استقلال الجزائر، لكنها تضمنت بنوداً تسمح لفرنسا باستعمال مواقع في الصحراء حتى عام 1967. 

جرح لم يندمل

وقال وزير الخارجية الجزائري صبري بوقدوم، في تغريدة على تويتر، السبت، إن "تداعيات هذا التفجير كارثية"، و"ما زالت أضرارها على البيئة والسكان قائمة إلى اليوم" مؤكداً أن الجزائر "كانت ولا تزال في طليعة الدول المرافعة من أجل الحظر الشامل للتجارب النووية، وساهمت من خلال رئاستها لأشغال اللجنة الأولى للأمم المتحدة، في اعتماد معاهدة حظر الأسلحة النووية في 7 يوليو 2017".

وقال البروفيسور مصطفى خياطي، رئيس الهيئة الوطنية لتطوير الصحة وترقية البحث في الجزائر، لـ"الشرق"، إن "الجزائر لا تزال تعاني من إشعاعات النفايات النووية، المدفونة في الصحراء الجزائرية"، والتي قدرها بـ"أكثر 100 ألف طن"، بالإضافة إلى "إشعاعات القنابل النووية التي ثبت علمياً، استمرار إشعاعها لآلاف السنين على مساحة قدرها 700 كيلومتر مربع، من مكان التفجيرات النووية".

وقالت وكالة الصحافة الفرنسية، خلال هذا الشهر، إن التداعيات الإشعاعية للتجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية، امتدت إلى كامل غرب إفريقيا وجنوب أوروبا.

وأضاف خياطي، صحاب كتاب "الجزائريون المصابون بالأشعة.. جريمة دولة"، أن هذه التفجيرات "تسببت في حالات إصابة بأنوع عدة من السرطان"، محصياً أكثر من عشرين نوعاً، على غرار "سرطانات الثدي، والغدة الدرقية، والصدر، والعظام، والمعدة، والجهاز الهضمي، وغيرها من التشوهات الخلقية للمواليد الجدد، والعقم خلال السنوات الأخيرة".

وأكد خياطي أنه "لا يمكن تقدير العدد الحقيقي لضحايا التجارب النووية، إلا بعد القيام بتحقيق وبائي، ينطلق من منطقتي رقان وإن إيكر، في الصحراء الجزائرية.

الخرائط النووية

وتطالب "تنسيقية ضحايا التفجيرات النووية"، وهي جمعية تدافع عن ضحايا التفجيرات، بالكشف على خرائط التجارب النووية في الجزائر، والتي تعتبرها باريس سراً عسكرياً، رافضة كشف أماكن مخلفاتها النووية.

وقال رئيس التنسيقية محمد محمودي لـ"الشرق"، إن "فرنسا ترفض المساعدة في تطهير وتنظيف منطقة الصحراء من النفايات الإشعاعية، وتفادي ضحايا جدد". 

وفقد محمد محمودي حاسة اللمس، بسبب تعرضه لإشعاعات نووية بعد أربعين عاماً من تفجيرات فرنسا في الصحراء الجزائرية، وذلك أثناء أدائه الخدمة العسكرية في عام 1991، بمنطقة رقان جنوبي الجزائر.

من جهتها، اعتبرت الحقوقية الجزائرية فاطمة الزهراء بن براهم، التي ترأس "الجبهة الجزائرية لمناهضة الفكر الاستعماري"، وهي جمعية تدافع عن ضحايا الاستعمار الفرنسي، أن "التفجيرات النووية جريمة متواصلة لا تسقط بالتقادم، ذلك أن الجزائر لا تزال تعاني من نتائجها ومخلفاتها"، مضيفة في حديثها لـ"الشرق"، أن "من حق الضحايا مطالبة فرنسا بالتعويض عن الضرر الذي أصابهم".

من جهته، قال حزب جبهة التحرير الوطني (صاحب الأغلبية البرلمانية)، في بيان، السبت، إن "جريمة التفجيرات النووية في الصحراء الجزائرية، وغيرها من جرائم فرنسا الاستعمارية، ستظل دليلاً سياسياً وقانونياً وإنسانياً، على فظاعة ما تعرض له الشعب الجزائري، الذي سالت دماؤه لاسترجاع حريته واستقلاله، وستقف فرنسا، لامحالة يوماً ما، أمام محكمة التاريخ لمحاسبتها، على ما اقترفته من جرائم وأعمال لا إنسانية".

سياق خاص

وتحيي الجزائر الذكرى الـ61 لتفجيرات "الجربوع الأزرق"، في سياق تحول تاريخي في العلاقات مع فرنسا، ومفاوضات بخصوص ملف الذاكرة، بعد إقرار الجزائر وباريس تشكيل لجنة مشتركة شهر يوليو 2019، للمبادرة إلى المصالحة بين الذاكرتين.

ويعد ملف التجارب النووية واحداً من أبرز المسائل الشائكة المطروحة للتفاوض بين البلدين، وفي هذا الصدد اقترح المؤرخ بنجامين ستورا، المكلف من قصر الإليزيه بإعداد تقرير بشأن حرب الجزائر، إجراء أبحاث حول التجارب النووية الفرنسية في الصحراء وتداعياتها.

وفي المقابل تبدي الجزائر تمسكاً بتحميل فرنسا مسؤوليات هذه التجارب النووية. وفي مقابلة مع  مجلة الجيش (الناطقة بلسان وزارة الدفاع) في عدد فبراير، صرح رئيس قسم هندسة القتال بقيادة القوات البرية الجزائرية، العميد بوزيد بوفريوة، أنه "يجب أن تتحمل فرنسا مسؤوليتها التاريخية تجاه هذه المسألة، خصوصاً بعدما تمت المصادقة من طرف 122 دولة في جمعية الأمم المتحدة في 7 يوليو 2017، على معاهدة جديدة لمنع استعمال الأسلحة النووية، تضاف إلى المعاهدات السابقة"، مشيراً إلى أنه "جرى الاعتراف بصورة واضحة وصريحة بمبدأ الملوِّث يدفع، وهذه أول مرة يطالب فيها المجتمع الدولي القوى النووية بمعالجة أخطاء الماضي".

و يترقب الجزائريون ما سيحمله تقرير الذاكرة، حول ملف التفجيرات النووية، الذي سيرفعه عبدالمجيد شيخي، مستشار الرئاسة الجزائرية وممثل الجانب الجزائري في مفاوضات الذاكرة مع الطرف الفرنسي.

اقرأ أيضاً: