بواقع 14 ألف حالة يومياً، وصلت الصين لذروة فيروس "كورونا المستجد" (كوفيد-19). وفي أول أسبوعين من شهر مارس 2020، بدأ عدد الحالات في الانحسار ليصل إلى أقل من 1000 حالة.
لكن، بحسب منظمة الصحة العالمية، كانت التكنولوجيا الحديثة وتحليل البيانات والذكاء الاصطناعي، الوسيلة التي اعتمدتها الصين لاحتواء الفيروس.
دول كثيرة في العالم بدأت باتباع النهج الصيني ذاته، إلا أن البنية الحسابية لاحتواء الأزمة تستلزم تجميع عدد مهول من المعلومات حول السكان. إلا أن الصين لم تواجه هذه المشكلة، لأن لديها المعلومات الكافية من خلال برنامج "الرصيد الاجتماعي" الذي أعلنت عن تنفيذه في 2018 بشكل أولي واختياري.
"الرصيد الاجتماعي"
وعدت الحكومة الصينية ببدء تطبيق برنامج "الرصيد الاجتماعي" بحلول عام 2020. ووفقا للوثيقة التأسيسية للنظام، التي نشرها مجلس الدولة في عام 2014، تسمح الخطة "للموثوق بهم" بالتجول "في كل مكان وكأنه جنة"، في وقت "سيعيش فيه غير الموثوق بهم جحيماً عند كل خطوة".
وبحسب صحيفة Foreign Policy الأميركية، أثار هذا التحرك مخاوف من أن يكون البرنامج بمثابة "خطوة أخرى في التشديد على الحريات الشحيحة أصلا في الصين".
بالمجمل، وبحسب الصحيفة، يختص البرنامج الجديد في جمع كل البيانات الممكنة عن المواطنين والشركات. ويقوم بتصنيفها وتحليلها وتقييمها وتفسيرها وتنفيذها عبر الذكاء الاصطناعي، وفق معايير محددة.

التزام المواطن بالقوانين المحلية والاجتماعية، يعطيه فرصة لأن يكون "المواطن المثالي". وعليه، تقدم له الدولة مزايا باهرة. لكن في المقابل، يتخلى عن أي شكل من أشكال الخصوصية، فالتزامه احترام الإشارات الضوئية ودفع الضرائب والفواتير في الوقت المحدد وتَقَبُلِه القواعد وتصنيفه كشخص اجتماعي، يمنحه الفرصة للحصول على نقاط إضافية، ما يؤهله للحصول على المزايا التي يوفرها البرنامج.
وتشمل المزايا، على سبيل المثال، معالجة طلبات التأشيرة بشكل أسرع وتسهيل إجراءات السفر بناء على تصنيف خوارزميات النظام لملف المتقدم.
البرنامج المذكور لن يكون محصوراً في خدمات محددة، بل سيتم تعميمه في جميع القطاعات والخدمات، مثل البنوك التي ستمنح تسهيلات بفائدة أقلّ لأصحاب الرصيد المرتفع في النظام، والترقية الوظيفية المبنية على عدد النقاط، فضلاً على الحصول على فرص عمل أفضل.
في المقابل، يمنح البرنامج نقاطاً سلبية لأصحاب السلوكيات السلبية -وفقاً لمعاييره- مثل عدم الالتزام بالقوانين والنظم الاجتماعية، كالبصق في الشارع أو لصق العلكة أسفل المقاعد أو انتقاد الدولة على وسائل التواصل الاجتماعي أو دفع الفواتير بعد تاريخ تحصيلها، ما يقلل الفرص في كسب المال أو حرية مغادرة البلاد.
حرية أم أمن؟
ليست تلك الإجراءات مقتطفاً من رواية "1984" لجورج أورويل أو من مسلسل "المرآة السوداء (Black Mirror)" التلفزيوني. إنه واقع معاش بالفعل اليوم في بعض أنحاء الصين، علماً أن بكين ليست وحدها التي تختبر مثل هذه التطبيقات، إذ تمتلك دول أخرى مثل سنغافورة أنظمة مراقبة مجتمعية يحركها الذكاء الاصطناعي مع أهداف قابلة للمقارنة.
تهدف الصين، من خلال هذه الخطط إلى أن تصبح أكبر قوة اقتصادية في العالم، وأن "تضمن لشعبها الرخاء، فضلاً عن استقرار نظامها السياسي"، فيما تؤكد الحكومة الصينية أنها تراقب مواطنيها لحماية مصالحها العسكرية والرقمية، ما يضمن لجميع الصينيين العيش في أمان.
لكن، وعلى الرغم من أن النظام، الذي تأسس في أواخر عام 2013، يمتد نظريًا ليشمل كل جزء من حياة الناس، فإن العديد من السكان بحسب صحيفة Foreign Policy لا يعرفون بوجوده.
في بعض الأحيان يدرك الناس ذلك فقط عندما تأخذهم خطط حياتهم الكبيرة مثل شراء منزل، أو التقدم بطلب للحصول على منصب حكومي أو لقب أكاديمي، إلى الأروقة الحكومية.

ثواب وعقاب
منعت المحاكم الصينية المسافرين المحتملين من شراء تذاكر الرحلات الجوية 17.5 مليون مرة بحلول نهاية عام 2018. وتم منع المواطنين المدرجين في القوائم السوداء لمخالفات "الرصيد الاجتماعي" من شراء تذاكر القطار 5.5 مليون مرة، بحسب ما نقلته صحيفة The Guardian عن "المركز الوطني الصيني للمعلومات العامة للائتمان".
أحد الأمثلة على الوقوع في دوامة "الرصيد الاجتماعي" ما نقله موقع Foreign Policy في عام 2013 عن الصحافي الاستقصائي ليو هو، الذي نشر مقالًا هاجم فيه شخصاً، فقام الرجل بمقاضاة ليو بتهمة التشهير وفاز. أمرت المحكمة الصحافي بدفع غرامة، قال إنه دفعها. ومع ذلك، عندما حاول ليو بعد ذلك حجز تذكرة طائرة باستخدام تطبيق سفر، تم إبلاغه أن المعاملة لا يمكن أن تتم لأنه تم إدراجه في القائمة السوداء للمحكمة العليا.
اتصل ليو هو بالمحكمة المحلية وعلم أنه حول الأموال إلى حساب خاطئ. سارع إلى ردّ الغرامة وأرسل للقاضي صورة عن ذلك. ولم يسمع رداً. وفي وقت لاحق، من خلال اتصالاته، تمكن من مقابلة القاضي والترافع أملا في إزالته من القائمة السوداء، ولكن حتى الآن لم يحدث شيء.

خصوصية مفقودة
يشعر بعض المطالبين بالخصوصية الفردية بالقلق من أن يستمر دفع الصين نحو زيادة المراقبة وتبادل البيانات إلى ما بعد انتهاء جائحة فيروس "كورونا".
وبحسب صحيفة Financial Times، تخشى باحثة صينية في منظمة "هيومن رايتس ووتش" من أن يكون قد تم استخدام بعض الأحداث، بما في ذلك "أولمبياد بكين" واحتجاجات التبت في عام 2008 وأعمال شغب أورومتشي في عام 2009، "لتعزيز تطوير دولة المراقبة الصينية".
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، وفقاً للصحيفة، ففي بعض أجزاء مقاطعة شينجيانغ، تم "احتجاز حوالي 1.8 مليون شخص من الأقلية المسلمة في مخيمات في السنوات الأخيرة"، فيما يقوم المسؤولون بجمع الحمض النووي الخاص بالسكان من خلال برامج فحص صحية.