كيف تواجه واشنطن وبروكسل "حزام وطريق" بكين؟

time reading iconدقائق القراءة - 15
جانب من تحميل قطار فائق السرعة متعدد الوحدات الكهربائية لمشروع ربط السكك الحديدية الممول من "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، جاكرتا، إندونيسيا، 2 سبتمبر 2022 - REUTERS
جانب من تحميل قطار فائق السرعة متعدد الوحدات الكهربائية لمشروع ربط السكك الحديدية الممول من "مبادرة الحزام والطريق" الصينية، جاكرتا، إندونيسيا، 2 سبتمبر 2022 - REUTERS
دبي- ياسمين كروم

بكثير من الريبة، راقب الأميركيون والأوروبيون مبادرة الرئيس الصيني شي جين بينج في 2013 لإعادة إحياء طريق الحرير التاريخي، تحت اسم "الحزام والطريق" هذه المرة، وعبر 6 ممرات تربط الصين بقارة أوروبا، وتضمُّ في ثناياها عشرات الدول ومئات المليارات من الاستثمارات.

منذ ذلك الحين، لم تتوقَّف الاتهامات الغربية عن ملاحقة الصين. فالأميركيون والأوروبيون يعتبرون أنَّ المبادرة الصينية تسعى إلى إيقاع الدول في "فخ الديون"، كون تلك المبادرة تُمول عبر قروض ومنح وتسهيلات يقدمها "بنك الصين" وبنوك آسيوية بالتعاون مع الحكومة الصينية، لتمويل مشاريع البنية التحتية في تلك الدول.

لكن شي جين بينج مضى قدماً في تنفيذ "الحزام والطريق" التي تسعى في المقام الأول إلى "تحسين علاقة بكين بالعالم"، عبر إحياء طرق التجارة القديمة، أي إحياء طرق الحرير البحري (الحزام) والبري (الطريق) التي استخدمتها الصين قديماً، حتى انضمت إلى تلك المبادرة ما يزيد عن 120 دولة.

وبلغت تكلفة ما خصَّصته الصين للاستثمار في البنية التحتية في تلك الدول أكثر من 900 مليار دولار، بينما من المتوقع أن تبلغ التكلفة الإجمالية لتلك الاستثمارات نحو 3.7 تريليون دولار، سيتم إنفاقها على أكثر من 2600 مشروع.

إنجازات المبادرة

بعد إطلاقها، ركزت المبادرة على تأسيس مشاريع عملاقة موّلتها البنوك والهيئات الحكومية الصينية، ومثلت هذه المشاريع 55% من قيمة التمويل المخصص للمبادرة بين عامي 2013 و2019، أي ما يعادل (158 مليار دولار من 287 مليار دولار)، وفق "مركز سياسات التنمية العالمية".

وفي العام المقبل 2023، ستحتفل الصين بمرور عقد على مبادرتها، التي تشير أرقام "مركز سياسات التنمية" ذاته، إلى أنَّ الاستراتيجية المتبعة لتنفيذها كانت "ناجحة إلى حد كبير"، فحتى عام 2021، وقعت الصين مذكرات تفاهم مع 140 دولة و32 منظمة دولية.

من بين هذه الدول، 46 في إفريقيا و37 في آسيا و27 في أوروبا و11 في أميركا الشمالية و11 في المحيط الهادئ و8 في أميركا اللاتينية.

بالإضافة إلى ذلك، وفي عام 2020، بلغ الاستثمار الأجنبي الصيني المباشر 154 مليار دولار، ما صنّف الصين كأول مستثمر خارجي في العالم. كما تحدثت وكالة "شينخوا" الصينية عن زيادة حجم التجارة بين الدول الواقعة على الحزام والطريق، إلى 6 تريليونات دولار في 2021.

لكن خلال المسيرة الطويلة للمبادرة، واجهت تحديات كثيرة، إذ تم تأجيل 20% من المشاريع بسبب تداعيات كورونا، وفق ما نقلته وكالة أنباء "شينخوا".

اتهامات غربية

لم تسلم بكين من الانتقادات التي طالتها من جهات دولية عدة بسبب المبادرة، إذ حذر البنك الدولي من "مخاطر" ما تمرره الصين عبر مشاريع مبادرتها، ومن ذلك ما وصفه بـ"نقص الشفافية، وضعف العوامل الاقتصادية الأساسية ومستويات الحوكمة في العديد من البلدان التي تنضوي ضمنها".

أما الخارجية الأميركية، فاعتبرت المبادرة "أداة لإغراق الدول الفقيرة بالديون"، وهو موقف أيّده الأوروبيون. ورغم اهتمام بعض دول أوروبا على غرار ألمانيا وفرنسا وبريطانيا وإيطاليا، بالمبادرة الصينية، إلا أنها تراجعت وقررت طرح مبادرتها الخاصة بالبنى التحتية، ليس فقط داخل الاتحاد، بل لتشمل العالم بأسره.

واستندت المقاربة الغربية الأولية لمواجهة مشروع "الحزام والطريق" إلى توجيه الاتهامات للمبادرة الصينية واعتبارها "فخ ديون" لإيقاع الدول المشاركة تحت هيمنة الصين. وبالمقارنة مع "خطة مارشال" لدعم الدول الأوروبية مع نهاية الحرب العالمية الثانية، يأتي التمويل الممنوح لدول مبادرة "الحزام والطريق" ضمن قروض غالباً ما تحمل فوائد كبيرة، يجب على الدول إعادة دفعها، بحسب "مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية".

ويشير المركز إلى أنَّ تمويل الصين، على سبيل المثال، خط سكك حديدية فائق السرعة في جمهورية لاوس، سيكلف تلك الدولة ما يقرب من نصف ناتجها المحلي الإجمالي.

وعلى سبيل المثال، بلغ حجم ما تمثله ديون بعض الدول لصالح الصين نحو 60% من قروض الصين الخارجية، مقارنة مع 5% فقط عام 2010، أي أنه في غضون عقد واحد فقط، تحولت الصين إلى أكبر دائن رسمي في العالم بمنحها قروض بنحو تريليون دولار لما يقرب من 150 دولة مثل الإكوادور وأنغولا وغيرهما.

البوابة العالمية

بعد مرور 75 عاماً على "خطة مارشال" التي أعيد بموجبها بناء أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية، أدركت الدول الأوروبية أهمية مشاريع البنية التحتية، في مساعي تحقيق نفوذ سياسي واقتصادي يتناسب مع الكتلة الاقتصادية الضخمة للاتحاد، الذي يضم 27 دولة.

ولأجل ذلك، وخلال خطاب حول حالة الاتحاد السنوي أمام البرلمان الأوروبي في 15 سبتمبر 2021، طرحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين مبادرة "البوابة العالمية Global Gateway"، التي جاء الإعلان عنها رسمياً في 1 ديسمبر من العام نفسه.

 تركز هذه المبادرة على الاستثمار في البنية التحتية، وتطرح استراتيجية جديدة لتعزز الروابط الذكية والآمنة في القطاعات الرقمية والطاقة والنقل، كما تسعى لتعزيز أنظمة الصحة والتعليم والبحث في جميع أنحاء العالم، أما كلفتها فتبلغ 300 مليار يورو، وينتهي العمل بها عام 2027. 

خلال العام الأول من مبادرة "البوابة العالمية"، وقع الأوروبيون تفاهمات لتأسيس مشاريع في مناطق عدة أبرزها دول البلقان، التي تمر عبرها قطارات الشحن الصينية بكثافة، وفق وكالة "شينخوا" الصينية.

وفي نوفمبر 2022، كشفت رئيسة المفوضية الأوروبية أنَّ نصف التمويل المخصص للمبادرة سيذهب لمشاريع في البنية التحتية والطاقة والأمن الغذائي بالقارة الإفريقية "حيث تكثّف الصين نشاطها الاقتصادي".

وخلال نوفمبر أيضاً، افتتح الاتحاد الأوروبي القسم الأول من "الممر الشمالي" في كينيا، وهو طريق سريع جرت ترقيته بطول 560 كيلومتراً، ويعتبر أكثر طرق التجارة والنقل ازدحاماً شرق القارة الإفريقية. 

ويعتقد الأوروبيون أنَّ وتيرة تطبيق المبادرة يمكن تصنيفها ضمن حدود "المعقول"، على اعتبار أنها تتزامن مع تداعيات الأزمة الأوكرانية على حدودهم الشرقية. لكن ورغم هذا، تطالهم كثير من الانتقادات، فمنذ الإعلان عنها لم تحدد المفوضية الأوروبية آليات تمويل "البوابة العالمية".

كما اعتبرت تقارير صادرة عن "الشبكة الأوروبية للديون والتنمية" (Eurodad)، أنَّ "البوابة" تكتنفها "السرية، وتعطي الأولوية للمصالح التجارية خلف واجهة تطلعات التنمية"، إضافة لـ"افتقارها إلى الرقابة العامة".

ليس هذا كل شيء، فهناك أسئلة كثيرة لا تزال مطروحة حول آليات فصلها عن المبادرة الأميركية التي أعلن عنها الرئيس الأميركي جو بايدن تحت عنوان "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار" لمواجهة الصين، على اعتبار أنَّ دولاً أوروبية انخرطت كذلك في المبادرة الأميركية كما نص الإعلان.

"الشراكة" الأميركية

ليست "البوابة العالمية" المشروع الوحيد لمواجهة "الحزام والطريق"، فخلال قمة مجموعة الدول السبع الصناعية الكبرى التي استضافتها ألمانيا في يونيو 2022، أطلق الرئيس الأميركي جو بايدن مبادرة جديدة للتصدي للمبادرة الصينية، حاشداً دعم زعماء مجموعة السبع لمشروع "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار".

وفقاً لتلك المبادرة، تدعو الولايات المتحدة الأعضاء المنخرطين في هذه "الشراكة"، لتمويل مشاريع في الدول ذات الدخل المتوسط ​​والمنخفض، بقيمة 600 مليار دولار على مدى الأعوام الخمسة القادمة، وستشارك الولايات المتحدة وحدها، بمبلغ يصل إلى 200 مليار دولار.

وعلى عكس المبادرة الصينية، سيقتصر تمويل "الشراكة" الأميركية على استثمارات من القطاع الخاص، مع جزء تقدمه "شركة تمويل التنمية الأميركية"، و"بنك التصدير والاستيراد" الأميركي، والتزامات أخرى مقدمة من حكومات أجنبية.

وبحسب "بلومبرغ"، يعتبر قطاع تكنولوجيا المعلومات والاتصالات واحداً من بين 4 محاور تهتم بها "الشراكة" الأميركية. ووفقاً لذلك، أصدر بايدن مذكرة رئاسية لتنفيذ الركائز الأربع، بوصفها أولوية ستحدد النصف الثاني من القرن الحادي والعشرين.

محاور الشراكة

وتشمل هذه الركائز معالجة أزمة المناخ، وتعزيز أمن الطاقة العالمي من خلال الاستثمارات في البنية التحتية المقاومة لتغير المناخ وتقنيات الطاقة التحويلية، وتطوير سلاسل إمداد الطاقة النظيفة عبر دورة الحياة المتكاملة، بدءاً من تعدين المعادن والمعادن الحرجة وصولاً إلى النقل منخفض الانبعاثات، والبنية التحتية الصلبة، والاستثمار في مواقع عالمية جديدة للتكرير والمعالجة وتصنيع البطاريات، مروراً بنشر تقنيات مجربة ومبتكرة وقابلة للتطوير في الأماكن التي لا تتوفر لها بعد إمكانية الوصول إلى الطاقة النظيفة.

كما تشمل تلك الركائز، تعزيز المساواة والإنصاف بين الجنسين، بدءاً من البنية التحتية للرعاية التي تزيد من فرص المشاركة الاقتصادية للمرأة، وصولاً إلى تحسين البنية التحتية للمياه والصرف الصحي التي تعالج الفجوات بين الجنسين في العمل غير المأجور، إضافة إلى تطوير البنية التحتية للنظم الصحية وتحديثها، والإسهام في الأمن الصحي العالمي من خلال الاستثمار في الخدمات الصحية التي تركز على المريض والقوى العاملة الصحية وتصنيع اللقاحات والمنتجات الطبية الأساسية الأخرى، وأنظمة مراقبة الأمراض والإنذار المبكر، بما في ذلك المعامل الآمنة والمؤمنة. 

وتركز المبادرة بشكل كبير على توفير بدائل لشركة الاتصالات الصينية العملاقة "هواوي" لإنشاء شبكات الجيل الخامس، وتشييد مراكز رعاية الأطفال.

وقال مسؤول أميركي لـ"بلومبرغ"، إنّ الولايات المتحدة ستصب تركيزها أيضاً على الاستثمار في المشروعات التي تسهم في أمن سلاسل التوريد، عبر جعل الولايات المتحدة وحلفاء آخرين أقل اعتماداً على الصين.

وحتى الآن أسست "الشراكة" لعدد من المشاريع حول العالم، فقد تم الإعلان عن مشروعات للطاقة الشمسية في أنغولا بقيمة ملياري دولار، وعقد تبلغ قيمته 600 مليون دولار لإنشاء كابل اتصالات بحري يربط بين سنغافورة وفرنسا عبر مصر ومنطقة القرن الإفريقي، إضافة إلى توفير 14 مليون دولار لتمويل إجراء دراسة حول وضع تصميم لإنشاء رومانيا محطة نووية تجميعية صغيرة.

تحديات "الشراكة الأميركية"

رغم ما تقول الولايات المتحدة إنها حققته أو تسعى إلى تحقيقه ضمن هذه "الشراكة"، كان لوكالة "بلومبرغ" رأي آخر، فهي تتحدث عن ضرورة "تخفيف التطلعات" بشأن ما يمكن أن تنجزه تلك المبادرة، والأسباب كثيرة بحسب ما يقول معهد "تشاتام هاوس" البريطاني.

ووفقاً للمعهد، يواجه مشروع "الشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار" كثيراً من التحديات بسبب "تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، والتعافي الاقتصادي المشكوك فيه من وباء كورونا، إضافة إلى اختلاف أولويات الدول المانحة التي يجتاحها التضخم، والانقسامات داخل مجموعة الدول السبع نفسها".

وبحسب المعهد، ليس من الواضح ما الفاصل بين تمويل القطاعين الخاص والعام لهذه "الشراكة"، والطريقة التي سيتم بها إقناع الشركات بالمساهمة. لكن، رغم كل هذا، تتمسك إدارة بايدن بهذا الطرح، مدفوعة بوجهة نظر تقول إنَّ "الدول في كل أنحاء العالم استيقظت على حقيقة أنَّ مبادرة الحزام والطريق لم تسفر عن نتائج لصالحهم، وأنهم متقبلون للطرح البديل بقيادة الولايات المتحدة".

الرواية نفسها تتفق معها مجلة "بوليتيكو" الأميركية، التي تقول إن "الأقوال أسهل كثيراً من الأفعال"، وترى أنَّ تلك المبادرة "سبق وأن تردَّد صداها مرات عديدة من قبل دون تنفيذ فعلي، تحت عناوين مختلفة من بينها (إعادة بناء عالم أفضل)".

وتقول المجلَّة إن "الغرب قد يكافح لسنوات لتحقيق مبادراته، في حين أنَّ الصين تتحرك سريعاً لتنفيذ مبادرتها، لا سيما وأن بكين تمتلك مزايا تنافسية منعدمة لدى دول أوروبا، أهمها أنَّ الدول النامية تنظر إلى بكين على أنها قد تكون محركاً دافعاً لاقتصاداتها".

وتضيف المجلة: "وفي حين أنَّ الصين يمكنها استخدام الشركات المملوكة للدولة لمضاعفة جهودها الدولية، فإنَّ واشنطن وبروكسل لا يمكنهما إجبار الشركات على فعل الأمر نفسه، حتى وإن أعلنتا رغبتهما في إشراك القطاع الخاص في مبادرتيهما".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات