بعد فوزه بولاية ثانية.. تحديات يواجهها ماكرون في فرنسا "المنقسمة"

time reading iconدقائق القراءة - 11
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلوّح لأنصاره في باريس بعد فوزه على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان في الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة - 24 أبريل 2022 - Bloomberg
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يلوّح لأنصاره في باريس بعد فوزه على مرشحة اليمين المتطرف مارين لوبان في الدورة الثانية من انتخابات الرئاسة - 24 أبريل 2022 - Bloomberg
دبي- إيلي هيدموس

تشي صراحة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعد إعلان فوزه بولاية ثانية الأحد، ومخاطبته جمهور منافسته اليمينية مارين لوبان، متحدثاً عن "تغييرات عميقة"، بأنه يدرك ثقل المهمة الملقاة على عاتقه، وبأنه قد يواجه في ولايته الثانية تحديات أكثر من تلك التي طبعت ولايته الأولى.

وربما يكون ماكرون حقق إنجازاً تاريخياً، كونه أول رئيس فرنسي يُعاد انتخابه لولاية ثانية منذ عقدين، لكنه شاهدٌ أيضاً على صعود مستمرّ لليمين المتطرف، ناهيك عن اليسار المتطرف، في ظلّ استقطاب حاد يُرجّح أن يتجسّد في الانتخابات النيابية المرتقبة في يونيو المقبل، والتي يسعى خصومه لاستغلالها من أجل تجريد حزبه من أغلبيته البرلمانية، وفرض "تعايش" يكبّل سياساته، ويجعله "بطة عرجاء".

لوبان اعتبرت نتائج الدورة الثانية "نصراً باهراً"، علماً أنها نالت 41.5% من الأصوات، في مقابل 58.5% لماكرون. وأضافت: "في هذه الهزيمة، لا يسعني إلا أن أشعر بنوع من الأمل".

ووعدت لوبان بـ"مواصلة" مسيرتها السياسية، مضيفة: "نطلق هذا المساء المعركة الانتخابية التشريعية الكبرى بالنسبة إلى القادة الفرنسيين والأوروبيين. إن ذلك هو دليل على وجود تحدّ ضخم تجاههم من الشعب الفرنسي، لا يمكنهم تجاهله، وعلى رغبة مشتركة بشكل واسع في إحداث تغيير كبير".

"تغييرات عميقة"

أما رئيس حزب "فرنسا الأبيّة" اليساري المتطرف جان لوك ميلانشون، الذي حلّ ثالثاً في الدورة الأولى، بنيله 22% من الأصوات، فاعتبر أن "الجولة الثالثة تبدأ هذا المساء"، في إشارة إلى الانتخابات التشريعية المرتقبة في 12 و19 يونيو. وحضّ مواطنيه على "انتخاب رئيس للوزراء" يؤذن بظهور "ثلثٍ يمكنه تغيير كل شيء"، ووصف ماكرون بأنه "أسوأ رئيس منتخب للجمهورية الخامسة" في فرنسا.

مرشحة الحزب الاشتراكي آن هيدالجو، دعت إلى "إعادة بناء يسار جديد" ضد اليمين المتطرف، الذي نبّهت إلى أنه "لم يكن يوماً أقرب إلى (تسلّم) السلطة" في فرنسا. أما مرشحة حزب "الجمهوريين" اليميني فاليري بيكريس، فأعربت عن قلق بشأن "شروخ" تقسم فرنسا.

لكن ماكرون تعهّد بـ"تجديد أسلوبه" لكي يكون "رئيساً للجميع". وأشار إلى "تغييرات عميقة" يعتزم تنفيذها، مضيفاً: "أدرك أيضاً أن عدداً من مواطنينا صوّتوا لي اليوم، ليس دعماً للأفكار التي أحملها، بل لمواجهة اليمين المتطرف... الغضب والاختلاف في الرأي اللذان قادا مَن صوّت لليمين المتطرف، يجب أن يجدا أجوبة". وشدد على أن "هذه الحقبة الجديدة لن تكون استمراراً للسنوات الخمس المنقضية"، في إشارة إلى ولايته الأولى.

"نصر تاريخي بطعم مرير"

يعكس الخطاب التصالحي للرئيس الوسطي إدراكاً لتزايد شعبية اليمين المتطرف، الذي حقق نتائج تصاعدية، إذ أن جان ماري لوبان، والد مارين، نال 17.79% أمام الرئيس اليميني الراحل جاك شيراك، في انتخابات 2002، ومارين 33.90% من الأصوات في مواجهة ماكرون قبل 5 سنوات، قبل أن تتجاوز حاجز 40% للمرة الأولى الأحد.

واعتبرت صحيفة "لوموند" الفرنسية ذلك "فشلاً" لماكرون، مذكّرة بقوله عشية فوزه في عام 2017، بأنه يريد التأكد من أن الفرنسيين "لم يعُد لديهم أيّ سبب للتصويت لمصلحة المتطرفين".

وتحدثت عن "نصر تاريخي بطعم مرير"، مشيرة إلى أن إعادة انتخاب ماكرون تحققت "ليس بسبب الوعود التي قُطعت في عام 2017، بل نتيجة البحث عن الاستقرار ورفض اليمين المتطرف".

ونبّهت الصحيفة إلى أن اليمين المتطرف لم يحقق أبداً نتيجة مشابهة، معتبرة أن على ماكرون أن "يوحّد معسكره، من أجل الحصول على أغلبية مستقرة، في ظلّ أخطار انقسام بين الحسّاسيات المختلفة التي تشكّل قاعدته".

وأشارت إلى أن الرئيس الوسطي حدّد "مشاريع ذات أولوية" سيُطلقها "بدءاً من الصيف"، بما في ذلك معالجة مسألة القدرة الشرائية للفرنسيين، التي شكّلت أحد أبرز ملفات الحملة الانتخابية، وإصلاح رواتب التقاعد، ناهيك عن ارتفاع فاتورة الطاقة، ومسألتَي المدارس والصحة.

"بطة عرجاء"

وتبدو النقابات العمالية متحفزة لتنفيذ تحرّكات شعبية أخرى، بعد احتجاجات "السترات الصفر" في عامَي 2018 و2019، رفضاً لسعي ماكرون إلى رفع سنّ التقاعد، من 62 إلى 65 عاماً.

وحذر فيليب مارتينيز، رئيس نقابة "سي جي تي" المدعومة من الشيوعيين، ماكرون من أنه لن يحظى بـ"شهر عسل"، ملوّحاً بتنظيم تظاهرات إن لم يتراجع عن اقتراحه.

أما كريستوفر ديمبيك، وهو خبير اقتصادي في "ساكسو بنك"، فقال لوكالة "رويترز" إن ماكرون "يجازف بأن يكون بطة عرجاء، تواجه استياءً اجتماعياً ضخماً، إذا أراد تنفيذ إصلاحات حسّاسة، مثل رواتب التقاعد".

واعتبرت "رويترز" أن الرئيس "يواجه الآن تحديات مختلفة عن تلك التي واجهها في عام 2017، عندما كان وافداً سياسياً واعداً يتوق إلى تغيير فرنسا".

وأضافت أن "حياة ماكرون ستكون أكثر صعوبة، لأن فرنسا باتت أكثر تشظياً وانقساماً"، مذكّرة بأن نحو 60% من الناخبين اختاروا مرشحاً راديكالياً، سواء من اليسار أو اليمين، في الدورة الأولى من الاقتراع قبل أسبوعين.

"هشاشة المجتمع الفرنسي"

صحيفة "فايننشال تايمز" رأت أن فوز ماكرون "سيعني استمرارية للسياستين الاقتصادية والخارجية" اللتين انتهجهما خلال ولايته الأولى، وأن نصره "ليس علاجاً فورياً لكل أمراض فرنسا".

ورجحّت الصحيفة أن تكون ولايته الثانية "عاصفة أكثر من الأولى"، إذ أن حزبه قد يخسر أغلبيته في البرلمان، ذلك أن أحزاب اليسار واليمين المتطرف "تأمل بالاستفادة من مزاج وطني لتقليم أجنحة ماكرون".

الصحيفة نقلت عن دومينيك رينييه، وهو أستاذ العلوم السياسية في "معهد باريس للدراسات السياسية"، قوله: "هذا وضع يشهد على هشاشة المجتمع الفرنسي". وذكّر بأن لوبان تقدّمت على ماكرون في بعض أجزاء البلاد، وكذلك لدى الشباب والطبقة العاملة.

أما تارا فارما، وهي باحثة في "المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية"، فاعتبرت أن "التحدي الأكبر الذي يواجهه ماكرون يتمثل في إيجاد شعور بالتماسك، في بلد مقسَّم بشدة". وأشارت إلى أن لوبان "ستبذل قصارى جهدها للاستفادة من نتيجتها، في الانتخابات البرلمانية بيونيو".

ورأت فارما أن "فوز ماكرون يعني السعي إلى مشروع طموح لأوروبا"، إذ أنه "سيعزز التزامه بأجندة السيادة الأوروبية: في التكنولوجيا والدفاع ومحاربة الإكراه الاقتصادي".

وثمة تكهنات بأن يختار ماكرون وزراء من خارج حزبه، يمكنهم المساهمة في ردم هوّة الانقسام السياسي.

في هذا الصدد قال باسكال بيرينو، أستاذ العلوم السياسية في "معهد باريس للدراسات السياسية": "على ماكرون قيادة سياسة مصالحة اجتماعية"، علماً أنه مُتهم بـ"الانعزال والعجرفة"، وبأنه "رئيس الأغنياء".

"إعادة البناء مع الجميع"

وكالة "بلومبرغ" أفادت بأن ماكرون نال "فرصة ثانية لإقناع فرنسا بإمكان نجاح رؤيته"، المؤيّدة للأعمال والموالية لأوروبا.

وأضافت أن التحدي الذي يواجهه يتمثل في "رأب الصدع وحشد الدعم لخططه، من أجل جعل البلاد أكثر قدرة على المنافسة، من خلال إصلاح السياسات الاجتماعية، مثل رواتب التقاعد، وتحسين الأسس الاقتصادية".

ولفتت الوكالة الأميركية إلى أن المصرف المركزي الفرنسي يقدّر بأن إمكانات النموّ للاقتصاد الفرنسي، هي أقلّ الآن ممّا كانت عليه في عهد سلف ماكرون، الاشتراكي فرانسوا هولاند.

ونقلت "بلومبرغ" عن وزيرة البيئة الفرنسية باربرا بومبيلي، قولها: "علينا إعادة البناء مع الجميع، من دون ترك أيّ شخص على الهامش، لبناء مجتمع يعيش فيه الناس بشكل أفضل، ويتنفسون بشكل أفضل".

وأضافت: "لدينا يمين متطرف قوي، ونسبة أعلى للامتناع عن التصويت. علينا أخذ ذلك في الاعتبار، ويمكننا فعل ذلك من خلال التفكير أكثر في كيفية توحيد المواطنين بشكل أفضل".

واعتبرت "بلومبرغ" أن الحملة الانتخابية "دفعت فرنسا إلى منطقة مجهولة، وحوّلت المشهد السياسي إلى ثلاث كتل، هي ماكرون في الوسط، واليسار المتطرف بقيادة ميلانشون، واليمين المتطرف، الذي تكافح لوبان أحياناً للسيطرة عليه، في ظلّ منافسة من مرشح اليمين الراديكالي إريك زمور.

ومع تبقي أكثر من شهرين على رئاسة فرنسا للاتحاد الأوروبي، لا تزال أولوياتها تتمثل في تأمين الحدود الخارجية للتكتل، والسيطرة على الهجرة السرية، وتعزيز التعاون الدفاعي، وتطوير "نموذج نموّ" اقتصادي أوروبي قائم على الاستثمار في التكنولوجيا الفائقة.

وفيما لا يزال الغزو الروسي لأوكرانيا مستعراً، وقبل قمة مرتقبة لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في يونيو، أظهر ماكرون رغبته في أن يكون مدافعاً صريحاً عن القيم الغربية، مع رغبة واضحة في تشكيل الأحداث العالمية، وهذا لن يتغيّر، كما أوردت صحيفة "ذي جارديان" البريطانية.

اقرأ أيضاً: