"مهندس" نهضة الصين.. حقائق عن الرئيس الصيني السابق جيانج زيمين

time reading iconدقائق القراءة - 12
جيانج زيمين خلال مؤتمر للحزب الشيوعي الصيني في بكين- 19 أكتوبر 1992 - AFP
جيانج زيمين خلال مؤتمر للحزب الشيوعي الصيني في بكين- 19 أكتوبر 1992 - AFP
دبي-الشرق

أعلنت السلطات الصينية الأربعاء، وفاة الرئيس السابق جيانج زيمين، الذي أخرج الصين في غضون 10 سنوات من عزلتها الدولية، ووضع أسس النهضة التي مهدت لها الطريق لتصبح قوة اقتصادية عالمية.

وتوفي جيانج زيمين في مسقط رأسه في شنغهاي عن 96 عاماً، بعد معاناة مع سرطان الدم، وفشل في أداء عدد من أعضاء الجسم، بحسب وكالة أنباء الصين الجديدة (شينخوا). 

وجاء في بيان مشترك نشره الحزب الشيوعي الحاكم، والبرلمان، ومجلس الوزراء، والجيش أن وفاة جيانج تسه مين "مثل فاجعة لا توصف"، مشيراً إلى أنه "زعيم فريد وماركسي عظيم، ورجل دولة واستراتيجي عسكري ودبلوماسي، ومقاتل شيوعي أثبت كفاءة لفترة طويلة".

فمن يكون الزعيم الصيني الراحل؟

صعود سريع

حين وُلد جيانج زيمين عام 1926، كانت الصين تعيش على وقع اضطرابات تحولت بعد عام في 1927  إلى حرب أهلية بين الحزب الشيوعي الصيني والحكومة القومية في البلاد.  

وعاش طفولته في ظل عدم الاستقرار، إذ استمر الفصل الأول من الحرب الأهلية حتى 1937، حين كان يبلغ 11 عاماً، قبل أن يبدأ غزو ياباني كاسح للصين في العام ذاته.

بالرغم من ذلك، تابع جيانج زيمين دراسته، وتخرج من قسم الآلات الكهربائية بجامعة جياوتون[ في شنغهاي في عام 1947، بالتزامن مع فصل جديد من الحرب الأهلية في البلاد بين الشيوعيون بقيادة ماو تسي تونج والوطنيين المدعومين من الولايات المتحدة بقيادة تشيانج كاي تشيك.

حين تجددت الحرب الأهلية، كان جيانج زيمين آنذاك قد انضم بالفعل عام 1946 إلى الحزب الشيوعي الصيني، الذي فاز في الحرب، وأعلن في 1949 تأسيس جمهورية الصين الشعبية.

ولم يشغل جيانج زيمين مناصب سياسية في المرحلة الأولى من تأسيس الجمهورية الجديدة، إذ عمل في مصنع للأغذية ثم انتقل إلى العاصمة السوفيتية موسكو، حيث عمل مهندس كهرباء في معمل للسيارات عام 1955.

لكن حين بدأ مساره السياسي، تدرج في المناصب بسرعة، إذ تم تعيينه وزيراً للصناعة الإلكترونية عام 1983، وبعدها بعامين أصبح رئيساً لبلدية شنغهاي في 1985.

ولم تمض أربعة أعوام أخرى، حتى تم تعيينه من قبل الزعيم الصيني آنذاك دينج شياو بينج رسمياً خلفًا له على رأس الحزب الشيوعي الصيني عام 1989.

رئيس "مُفاجئ"

وجاء تعيين زيمين أميناً عاماً للحزب الشيوعي قبل أيام من أحداث تيانانمين الدموية عام 1989، حين استخدم الزعيم الصيني دينج شياو بينج القوة العسكرية ضد انتفاضة تطالب بالحرية السياسية.

وواجهت الصين عقب قمع المتظاهرين عزلة دولية خطيرة وعقوبات غربية، فيما تسبب ذلك في نشوب صراع عنيف في صفوف قيادة الحزب الشيوعي بين التيار المتشدد من جهة والتيار الإصلاحي من جهة أخرى.

وشكل الصراع الداخلي وسط الحزب الشيوعي فرصة حاسمة أمام زيمين، إذ دفعه التيار المتشدد إلى نيل منصب الرئاسة عام 1993.

وبحسب كتاب "قادة الصين" للكاتب ديفيد شامبو، فإن الانطباع الأولي الذي كان عن زيمين هو أنه "موظف بيروقراطي ينقصه الذكاء"، وقد يكون "رئيساً مرحلياً"، لافتاً إلى أنه كان يوصف في بعض الأحيان بـ"المزهرية" التي تحظى بمجاملات من دون أن تكون لها أي إنجازات.

غير أن زيمين فاجأ الجميع بعد تقلده المنصب، إذ تمكن من إخراج البلاد من عزلتها الدبلوماسية اللاحقة، وأصلح العلاقات مع الولايات المتحدة، وأشرف على طفرة اقتصادية لم يسبق لها مثيل.

وانتهج زيمين سياسة "ليبرالية" وأعلن عن إصلاحات غير مسبوقة، خصوصاً في المجال الاقتصادي، سمحت بانضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية.

المعادلة الصعبة

قالت الكاتبة يلينغ تان في تقرير نشرته "فورين أفيرز" إن المفاوضات التي قادها الرئيس زيمين لانضمام بلاده إلى منظمة التجارة العالمية استغرقت 15 عاماً من المفاوضات، نظراً لأنه كان يبحث عن معادلة صعبة توافق بين الاقتصاد الشيوعي الموجه في الصين، وقواعد التجارة العالمية.

وكانت الولايات المتحدة تأمل في أن تؤدي شروط الانضمام، إلى وضع الصين على طريق تحرير السوق ودمجها في النظام الاقتصادي العالمي.

وأعلن الرئيس الأميركي آنذاك بيل كلينتون في 2001 دعمه لانضمام الصين، واعتبر ذلك "أهم فرصة أتيحت للولايات المتحدة لإحداث تغيير إيجابي في الصين منذ السبعينيات"، وأعرب عن استعداده "لإلزام الصين بأن تنشط وفقًا لقواعد النظام التجاري الدولي".

وبحسب "فورين أفيرز"، فإن الصين قبِلت شروطاً صارمةً أكثر من أي عضو آخر، ضمنها منح تخفيضات كبيرة في التعريفات الجمركية على الواردات الموجهة إلى الصين، والقيام بإصلاح شامل للمؤسسات والسياسات المحلية لإتاحة حرية أكبر لقوى السوق.

كما تعهدت بكين بتحسين سيادة القانون عبر تمكين المحاكم وحماية حقوق الملكية الفكرية، للسماح للشركات بقدر أكبر من الاستقلال الذاتي والحد من تدخل الحكومة في شؤونها، وتجديد اللوائح لجعل الحوكمة أكثر شفافية.

وسمح الاتفاق الانضمام عام 2001 للصين بالوصول إلى الاقتصادات الأميركية والاقتصادات العالمية الأخرى، من دون إجبارها على تغيير سلوكها بالفعل.

وفي ما بعد أقر مكتب روبرت لايتهايزر، الممثل التجاري للولايات المتحدة في المفاوضات، بأن واشنطن "أخطأت عندما دعمت انضمام الصين إلى منظمة التجارة العالمية"، بحجة أن "النظام التجاري الذي تقوده الدولة في الصين" كان "غير متوافق مع النهج القائم على السوق الذي يتّبعه أعضاء منظمة التجارة العالمية".

توتر بشأن تايوان

وبينما نجح جيانج زيمين في إصلاح علاقات بلاده مع الولايات المتحدة وفك عزلتها الدولية، فإنه فشل في التصعيد ضد واشنطن بشأن تايوان. 

وبعد 3 سنوات على تسلمه الرئاسة، حاول جيانج زيمين إرهاب تايوان باستعراض قوة الصين. ففي مطلع عام 1996، أطلق جيش التحرير الشعبي التابع للحزب الحاكم، صواريخ في البحر على مقربة من تايوان لصرف الناخبين عن الرئيس لي تنج هوي في أول انتخابات رئاسية مباشرة في الجزيرة.

من جانبها، ردت الولايات المتحدة بإرسال مجموعتين قتاليتين من حاملات الطائرات إلى المنطقة، في خطوة أجبرت الصين على الاعتراف بأنها "غير قادرة" على منع واشنطن من تقديم المساعدة إلى تايوان، ما ساعد على دفع عجلة التحديث العسكري الهائل لبكين في السنوات التي تلت ذلك.  

لكن ذلك أدى إلى نتائج عكسية، إذ تحدث لي تنج هوي بقوة عن "التصدي لبكين" أمام مؤيديه، وانتهت الانتخابات بفوز لي بأغلبية 54% من الأصوات في سباق رباعي.   

وفي العام التالي، قام رئيس مجلس النواب الأميركي آنذاك نيوت جينجريتش بزيارة تايوان على رأس وفد من المشرعين الأميركيين، بعد زيارة للبر الرئيسي استغرقت 3 أيام، وذلك دون تصعيد من جانب بكين.

وصرح جينجريتش خلال لقائه مع جيانج زيمين بأن الكونجرس "يدعم مزاعم الصين في تايوان طالما أن الوحدة سلمية"، معرباً عن أمله في أن يصبح الطرفان "دولة واحدة"، لافتاً إلى أنه أخبر القادة الصينيين بأن واشنطن "ستدافع عن تايوان"، لكنه قال إنهم أجابوه بأن بكين "ليس لديها أي نية للهجوم على تايوان".

وبحسب "أسوشيتد برس"، فإن جيانج زيمين لم يصعد ضد الأميركيين بشأن تايوان حينها، لأن أولويات الصين آنذاك كانت تكمن في خروجها من عزلتها الدبلوماسية، واستعادة  هونج كونج من بريطانيا.

وفي 1 يوليو عام 1997، أعادت بريطانيا هونج كونج إلى الصين، واكتسب سكان المستعمرة البريطانية السابقة هوية جديدة كمواطنين صينيين. وفي 1999، أصبح جيانج زيمين أول زعيم صيني يزور المملكة المتحدة.

بين النجاح والفشل

وظل جيانج زيمين في منصب الأمين العام السابق للحزب الشيوعي الصيني من 1993 حتى 2002، وبقي في منصب الرئاسة حتى 2003، فيما تولى رئاسة اللجنة العسكرية المركزية من 1989 حتى عام 2004.

عندما تنحى جيانج عن الرئاسة في 2003، كانت الصين أصبحت عضواً في منظمة التجارة العالمية، وفازت باستضافة أولمبياد بكين 2008، وفي طريقها لتصبح قوة كبرى. 

وأثناء فترة تولي زيمين زمام السلطة في بكين، تحولت الصين من بلد منبوذ إلى أسرع اقتصادات العالم نمواً، والى بلد يتمتع بعلاقات حسنة مع الغرب.

غير أنه واجه انتقادات لفشله في معالجة بعض القضايا المتعلقة بالتنمية الاقتصادية في الصين، مثل الفساد وانعدام المساواة والتدهور البيئي وإصلاحات قطاع الدولة التي أدت إلى عملية تسريح جماعية. 

ويرى محللون أن جيانج زيمين والجناح الذي يدعمه في الحزب الشيوعي ويسمى "عصابة شنغهاي"، بقوا مؤثرين إلى حد كبير في السياسة الصينية بعد فترة طويلة من تركه السلطة، بحسب "فرانس برس".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات