فرنسا تفتح أرشيف حرب الجزائر قبل 15 عاماً من موعده

time reading iconدقائق القراءة - 6
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الجزائر، ديسمبر 2017 - REUTERS
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الجزائر، ديسمبر 2017 - REUTERS
باريس-أ ف ب

أعلنت وزيرة الثقافة الفرنسية روزلين باشلو، عن قرب رفع السرية عن أرشيف "التحقيقات القضائية" للحرب الجزائرية (1954-1962) بعد نحو 60 عاماً، فيما تشهد العلاقات الجزائرية الفرنسية أزمة منذ أشهر.

وقالت باشلو لمحطة "بي إف إم تي في" الجمعة: "أفتح أرشيف التحقيقات القضائية لقوات الدرك والشرطة عن حرب الجزائر، قبل 15 عاماً" (من الموعد المحدد).

وتأتي تلك التصريحات بعد يومين على زيارة وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان للعاصمة الجزائرية.

وأضافت باشلو: "أريد ذلك بخصوص هذه المسألة، المزعجة والمثيرة للغضب وفيها مزورون للتاريخ يعملون، أن نكون قادرين على مواجهتها. لا يمكن بناء رواية تاريخية على كذب".

وتابعت أن "التزوير هو الذي يجلب كل الأخطاء والمشكلات وكل الكراهية. في اللحظة التي تطرح فيها الحقائق على الطاولة ويتم الاعتراف بها وتحليلها، من تلك اللحظة فقط يمكننا أن نبني تاريخاً آخر ومصالحة".

وقالت باشلو: "لدينا أشياء يجب إعادة بنائها مع الجزائر، ولا يمكن إعادة بنائها إلا بناء على الحقيقة". 

ورداً على سؤال عن تداعيات هذا القرار، لا سيما التأكيد المقبل لحدوث أعمال تعذيب ارتكبها الجيش الفرنسي في الجزائر، قالت روزلين باشلو: "من مصلحة البلاد الاعتراف بها". 

يأتي هذا الإعلان في إطار سياسة مصالحة الذاكرة التي أطلقها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.

وكان ماكرون اعترف في 13 سبتمبر 2018 بأن اختفاء عالم الرياضيات والناشط موريس أودان في 1957 في العاصمة الجزائرية كان من فعل الجيش الفرنسي، ووعد عائلته بإمكانية الوصول إلى الأرشيف. 

وأعلن رئيس الدولة في 9 مارس 2021 في إطار سياسة "الخطوات الصغيرة" التي يتبعها، عن تبسيط الوصول إلى إجراءات رفع السرية عن الوثائق التي يزيد عمرها على 50 عاماً، ما يجعل من الممكن تقصير فترات الانتظار المرتبطة بهذا الإجراء.

"عودة العلاقات الهادئة"

دعا وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، الأربعاء، خلال زيارة للجزائر إلى "عودة العلاقات الهادئة" بين فرنسا والجزائر، مؤكداً ضرورة "تعزيز الثقة بين البلدين في كنف السيادة الكاملة لكل بلد".

وقال لودريان عقب لقائه الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إنه نقل لرئيس الجمهورية رغبة فرنسا في "العمل من أجل إذابة الجليد وسوء التفاهم الحاصل بين البلدين".

وعبر رئيس الدبلوماسية الفرنسية عن أمله في أن "يسهم الحوار الذي باشره البلدان اليوم في عودة العلاقات السياسية بين حكومتي البلدين في عام 2022"، مشيراً إلى أن البلدين "تجمعهما روابط عميقة تنشطها العلاقات الإنسانية".

 وأضاف  لودريان: "خلال حديثي مع الرئيس تبون ركزنا على تعاون تترجمه انطلاقة حوار فعلي بيننا كشركاء في ملفات تتعلق بأمن البلدين"، لافتاً إلى أن الجزائر وفرنسا "تواجهان تحديات كبيرة إقليمياً ودولياً بخصوص الإرهاب في الساحل والهجرة غير الشرعية والقضايا الاقتصادية".

إذابة الجليد

وقال لودريان إنه كان من المهم أن يتوجه إلى الجزائر في زيارة عمل تهدف إلى تعزيز الثقة بين البلدين في ظل السيادة الكاملة لكل بلد.

ونقلت القناة الدولية الجزائرية، عن لودريان قوله إن ‏الجزائر وفرنسا لديهما روابط عميقة تنشط العلاقات الإنسانية بين البلدين، مشيراً إلى أنه نقل إلى الرئيس الجزائري رغبة بلاده في العمل من أجل "إذابة الجليد وسوء التفاهم الحاصل بين البلدين".

وأضاف: "خلال حديثي مع الرئيس الجزائري ركزنا على تعاون تترجمه انطلاقة حوار فعلي كشركاء في ملفات تتعلق بأمن البلدين، ونأمل أن يسهم الحوار الذي باشرناه اليوم في عودة العلاقة السياسية بين حكومتي البلدين مطلع السنة الجديدة بعيداً عن خلافات الماضي".

وأشار لودريان إلى أنه تحدث مع تبون عن الوضع في مالي، وأكد له أن الجزائر تلعب دوراً مهماً في المصالحة هناك، مشيداً بالتزام الجزائر بإرساء دعائم المصالحة في مالي، معرباً عن أمله في استمرار الدور الجزائري المهم.

أزمة حرب الاستقلال

كان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون أثار غضب الجزائر في أكتوبر عندما اتهم ما سماه النظام "السياسي-العسكري" الجزائري بتكريس سياسة "ريع الذاكرة" بشأن حرب الاستقلال وفرنسا، سلطة الاستعمار السابقة في البلاد، في حين أطلقت باريس مبادرات حول مسائل الذاكرة في فرنسا.

وأوردت صحيفة "لوموند" الفرنسية، وقتها أن ماكرون شكك في وجود "أمة جزائرية" قبل الاستعمار الفرنسي للبلد، ما أثار ردود فعل منددة في صفوف المجتمع الجزائري.

واستدعت الجزائر سفيرها في باريس، ومنعت الطائرات العسكرية الفرنسية المتجهة إلى منطقة الساحل من التحليق في مجالها الجوي.

وأعرب الرئيس الفرنسي بعد ذلك عن "أسفه" لهذا الجدل، وأكد "تمكسه الكبير بتنمية" العلاقات الثنائية.

وتجددت الأزمة بين فرنسا والجزائر أيضاً بعد إعلان باريس مطلع أكتوبر خفض عدد تأشيرات الدخول الممنوحة إلى الجزائريين للضغط على الحكومة الجزائرية، إذ تعتبر أنها لا تتعاون بشكل كافٍ على صعيد إعادة مهاجرين جزائريين طردتهم فرنسا. وشجبت الجزائر يومها القرار بسبب عدم التشاور مسبقاً معها.

محاولة رأب الصدع

وكان لودريان دعا في منتصف نوفمبر إلى علاقة "واثقة" و"شراكة طموحة" مع الجزائر تتجاوز "جروح" الذاكرة التي يمكن أن "تظهر أحياناً من جديد".

ورحّب وزير الخارجية الجزائري رمطان لعمامرة في 10 نوفمبر بتصريحات الرئاسة الفرنسية حول الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، معتبراً أنها "تحترم الجزائر".

وقال لعمامرة آنذاك إن التصريح الصادر عن قصر الإليزيه، "خلافاً للتصريحات التي تسببت في الخلافات والأزمات، يحمل أفكاراً معقولة على اعتبار أنها أفكار تحترم الجزائر تاريخاً ماضياً وحاضراً وتحترم السيادة الجزائرية".

وفي 26 نوفمبر قال تبون إنّ العلاقات الجزائرية الفرنسية المتوترة "يجب أن تعود إلى طبيعتها" لكن شرط التعامل على أساس "الند للند" بين البلدين.

 وشهدت العلاقات الفرنسية-الجزائرية توتراً في مرات عدة، خاصة في 23 فبراير 2005 حين صادق البرلمان الفرنسي على قانون الاعتراف "بالدور الإيجابي للاستعمار".