ماكرون يشدد على "مبادرات الذاكرة" بعد 60 عاماً على حرب الجزائر

time reading iconدقائق القراءة - 6
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحيي الذكرى الستين لاتفاق "إيفيان" للسلام بين فرنسا والجزائر - 19 مارس 2022. - REUTERS
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحيي الذكرى الستين لاتفاق "إيفيان" للسلام بين فرنسا والجزائر - 19 مارس 2022. - REUTERS
باريس/دبي-أ ف بالشرق

أحيا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، السبت في قصر الإليزيه ذكرى مرور 60 عاماً على توقيع اتفاقيات "إيفيان" بين وفد من الحكومة الفرنسية وممثلين عن "جبهة التحرير الوطني" الجزائرية، مشدداً على المبادرات المتعلقة بذاكرة حرب الجزائر، ومؤكداً قناعته بأنه "سيأتي يوم تسلك فيه الجزائر هذا الطريق".

وتحيي فرنسا ذكرى توقيع اتفاقيات إيفيان ووقف إطلاق النار بالجزائر، السبت، في خضم حملة انتخابية قبل 3 أسابيع من الدورة الأولى للاقتراع الرئاسي.

وقال ماكرون في كلمة له إنه مقتنع بنهج "اليد الممدودة" للجزائر، مذكراً بكل المبادرات التي اتخذت منذ 2017 لـ"تهدئة" ذاكرة هذه الحرب، معترفاً بأنها أثارت مشاعر "استياء" في فرنسا كما في الجزائر.

ودعي نحو 200 شخصية إلى قاعة الحفلات في القصر الرئاسي بالإليزيه، يمثلون الشهود على كل الوقائع المرتبطة بالحرب الجزائرية من مجندين ومقاتلين واستقلاليين وحركيين وعائدين إلى فرنسا، فيما لم يحضر أي مسؤول جزائري على الرغم من دعوة السفير محمد عنتر داود، بحسب الإليزيه.

وقال ماكرون: "سيقول لي كثيرون: إنك تفعل كل هذا لكنك لست جدياً لأن الجزائر لا تتحرك. في كل مرة واجه كل من سبقوني الأمر نفسه". وأضاف: "أعتقد أنه سيأتي اليوم الذي تسلك فيه الجزائر هذا الطريق". 

التأكيدات الجزائرية

وسبق أن اعتبر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، الجمعة، أن "جرائم الاستعمار" الفرنسي في الجزائر لن تسقط بالتقادم، داعياً لـ"معالجة منصفة" لملف الذاكرة، 

 وقال تبون في رسالة بمناسبة "عيد النصر"، "لقد أشرقت في سماء الجزائر المجاهدة في ذلك اليوم (19 مارس 1962) تباشير النصر، واستمد منها الشعب الجزائري القوة والعزيمة، لمجابهة آثار دمار واسع  مهول.. وخراب شامل فظيع"، مشيراً إلى أنه "يشهد على جرائم الاستعمارِ البشعة التي لن يطالها النسيان، ولن تسقط بالتقادم، إذ لا مناص من المعالجة المسؤولة المنصفة والنزيهة لملف الذاكرة والتاريخ في أجواء المصارحة والثقة".

وجدد التأكيد على أن هذه المسألة "ستظل في صلب اهتماماتنا..وسنواصل بدون هوادة، وبلا تفريط، استكمال مساعينا بالإصرار على حق بلادنا في استرجاع الأرشيف واستجلاء مصير المفقودين أثناء حرب التحرير المجيدة، وتعويض ضحايا التجارب النووية وغيرها من القضايا المتعلقة بهذا الملف".

وبعد 60 عاماً ما زال 19 مارس 1962 يوم دخول وقف إطلاق النار الموقع قبل يوم بين الجيش الفرنسي والاستقلاليين الجزائريين حيز التنفيذ، موضع جدل في فرنسا. 

وقد كرسه قانون صدر في 2012 "يوماً وطنياً للذكرى والتأمل في ذكرى الضحايا المدنيين والعسكريين للحرب الجزائرية والقتال في تونس والمغرب". 

ويعتقد العائدون إلى فرنسا أن اتفاقيات "إيفيان" لا تمثل نهاية الحرب الجزائرية التي بدأت في 1954، بسبب العنف الذي استمر حتى استقلال الجزائر في الخامس من يوليو 1962 وانتهى برحيل مئات الآلاف منهم إلى فرنسا. 

ويؤيد هذا الموقف عدد من مرشحي اليمين واليمين القومي فقد تعهدت فاليري بيكريس مرشحة حزب الجمهوريين، بإيجاد "تاريخ آخر" غير 19 مارس لإحياء ذكرى انتهاء هذه الحرب.

وقالت بيكريس، الجمعة، إن "80% من الضحايا المدنيين سقطوا بعد اتفاقيات إيفيان"، مشيرة إلى إطلاق النار في شارع إيسلي بالعاصمة الجزائرية في 26 مارس 1962 الذي قتل فيه الجيش عشرات من أنصار "الجزائر الفرنسية".

كما أشارت إلى مجزرة وهران في 5 يوليو 1962 التي طالت "مئات الأوروبيين معظمهم من الفرنسيين" وذكر بها ماكرون في يناير الماضي.

وأشارت المرشحة اليمينية المتطرفة مارين لوبن إلى أنها تعترض "منذ فترة طويلة" على 19 مارس لأن "عشرات الآلاف من الحركيين قُتلوا بوحشية" بعد ذلك التاريخ في إشارة إلى المقاتلين في صفوف الجيش الفرنسي.

وفي مواجهة هذا الجدل تقدم الرئاسة إحياء ذكرى 19 مارس على أنه "خطوة" على طريق الذاكرة "لكنها ليست النهاية"، فيما تشهد العلاقات بين البلدين تهدئة بعد عامين من التوتر، إذ يهدف إحياء هذه الذكرى إلى تحقيق "مصالحة" وإرساء "تهدئة" على غرار المناسبات السابقة التي تم تنظيمها منذ بداية السنوات الخمس حول حرب الجزائر.

 وذكر الإليزيه بأن ماكرون سعى من خلال سلسلة من المبادرات إلى إرساء "مصالحة بين فرنسا والجزائر" وكذلك بين "الذاكرات المجزأة" في فرنسا. 

وبتوصيات من المؤرخ بنجامان ستورا اعترف بمسؤولية الجيش الفرنسي عن موت عالم الرياضيات الشيوعي موريس أودان والمحامي القومي علي بومنجل خلال معركة الجزائر العاصمة في 1957.

وأقيم في فرنسا في أمبواز (وسط) نصب في ذكرى عبد القادر البطل الوطني الجزائري في رفض الوجود الاستعماري الفرنسي، وأعيدت جماجم مقاتلي المقاومة الجزائرية في القرن التاسع عشر إلى الجزائر. 

لكن الجزائر التي تطالب فرنسا باعتذار رسمي عن الاستعمار لم تتابع هذا العمل المتعلق بالذاكرة، إلا أن الإليزيه قال "إنها يد ممدودة وستظل ممدودة"، موضحاً أن المسألة في المجتمع الفرنسي هي "تكوين ذاكرة مشتركة ومشتركة وسلمية على الأمد الطويل".

اقرأ أيضاً:

تصنيفات